ما أكثر الأشياء الغريبة في واقعنا فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما معنى الحديث:»كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفاً والمعروف منكراً» وهذا فعلا ما يحدث في واقعنا اليوم حيث كثر التلفظ بمصطلح أنا محايد ولست مع أحد أو في صف أحد وقبل أن نلج في الموضوع دعونا نأخذ فكرة بسيطة عن معنى الحياد الذي يروج له اليوم الحياد والانحياز: خلال الأعوام القليلة الماضية بدأت الكثير من التصنيفات تأخذ حيزها على الساحة فهذا إسلامي وذاك سلفي وذلك إسلامي يساري ،وليس هذا فحسب بل وهذا جهادي أو هذا ليبرالي محافظ وهذا ليبرالي ثوري ،وكعادة أي مرحلة عندما يتضخم نمط تظهر فئة تحاول معالجة سلبيات المرحلة التي سبقتها. من هنا بدأت بعض الدعوات التي تحدثت عن ضرورة نبذ التعصب وأن على المرء أن يكون محايداً وتبع ذلك الكثير من المواقف التي تم فيها استخدام كلمة محايد. وإذا تحدثنا عن الحياد في موضوعه الأساسي فهو عبارة عن موقف عارض يسلكه الشخص وقت الحكم بين متخاصمين ،أو في مناظرة أو في الإخبار عن حدث، أو نقل معلومة أما ماعدا ذلك فإنه لا يعبر إلا عن موقف غير أخلاقي أو موقف اللاموقف وهلامية ولزوجة لا معنى ولا قيمة لها. بالمقابل تم اعتبار كلمة منحاز سبة ووصمة عار على الجبين سواءً كان الانحياز انحيازاً فكرياً أو عبر عنه بموقف ما، ومع هذا فإنا لا نقول بأن الانحياز سيء بل إنه يكون مطلوباً ومنطقياً بشرط ألا ينفك سلوك العدل والانصاف عنه. أما ما نراه ونلمسه اليوم من مواقف البعض ممن يدعون بأنهم محايدون وليسوا مع أي طرف فما هؤلاء إلا أناس قد تبنوا مواقف فيها الكثير من النفاق وصدق فيهم قول الإمام علي عليه السلام عندما قال عنهم :(إنهم أناس لم ينصروا الباطل ولكنهم خذلوا الحق وسيخذلهم الحق). ومواقفهم تذكر الجميع بموقف بني إسرائيل عندما دعاهم نبيهم إلى الجهاد والقتال في سبيل الله فقالوا له كما جاء في قوله تعالى:(قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداًمَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) سورة المائدة. ومع تزايد الأحداث وتسارع التغيرات طيلة الأعوام القليلة الماضية فقد نشأ عند البعض تصور عام عن الحياد وأطلق على أمرين: • موقف اللاموقف. • انحياز جديد بين انحيازات أخرى أو بين صراع ثنائيات مما أوقع الناس في خلط بسبب عدم تفهم الفرق بين الموقف واللاموقف. والانحياز في اللغة يأتي بمعنى الانضمام وبالتالي فهو تبني مجموعة من الأفكار والاعتقاد والإيمان بها دون غيرها وإن لم يعلن عنها الإنسان بشكل مباشر إلا أنها تظل المحرك الأساسي لكل سلوكياته، ومع غياب مبدأ الإنصاف والعدل يصبح الانحياز عبارة عن انحياز أعمى قال تعالى:(يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) سورة ص) فالعدل والإنصاف يمكنان العقل من تبين مواطن الخلل والتمييز بين الصواب والخطأ وتقييم المواقف دون الوقوع في التعصب،من خلال ذلك يستطيع الإنسان معرفة المعنى السليم للحياد والذي يكمن في الوقوف مع الحق وعدم الميل عنه. جعلنا الله وإياكم ممن عرف الحق فاتبعه وعرف الباطل فاجتنبه ووقف بوجهه.