عالم زاهد مجدد أفنى عمره في طلب العلم ورعاية طلابه نبدأ الحديث عن ذكرى رحيل العلامة الزاهد الحجة الرباني المتواضع السيد حمود بن عباس المؤيد رضوان الله عليه الذي ولد في بيت كان قوامه التقوى وتربى في كنف حب الله سبحانه وتعالى واستقاه من والده عباس بن عبدالله المؤيد عليهم رحمة الله أجمعين. كتب : عبدالملك الوزان فقد كان العلامة الحجة الرباني الزاهد الورع السيد حمود بن عباس المؤيد رحمة الله تعالى عليه وتغشاه ينبوع عطاء وسخاء لا ينضب معينه فخيره وعلمه وإحسانه وكلماته الواسعة المؤثرة والمتحفة للاذهان والمشبعة للعقول كانت غذاء للأرواح والأفئدة. وقد تمكن بأسلوبه الحكيم من الدخول إلى أذهان الناس عامة سواء كانوا مثقفين أو عامة بسطاء في المعرفة كما أنه عمل على نبذ الفرقة والتأكيد على اهمية الاعتصام بحبل الله سبحانه وتعالى وقد افنى جل عمره في طلب العلم وتعليمه ورعاية طلاب العلم والمحتاجين والوعظ والارشاد والخطابة واصلاح ذات البين وكان ينفق ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر ويشهد الله اننا عند ما كنا ننظر الى وجهه الطاهر الطاعن في السن فإنه نور يسطع ويتلألأ في جبينه ووجهه رضوان الله عليه. وكان شوقنا له كبير وهو حاضر معنا وما أن يفارقنا حتى نزداد شوقاً ولهفة الى لقاء هذا العالم المجاهد الصابر الورع الزاهد التقي النقي رضوان الله عليه فلقد كان العلامة السيد حمود بن عباس المؤيد فطناً متواضعاَ حاضر الذهن والبصيرة والفكر السليم واللب الراجح ويخشى الله في سره وعلنه وهو ينطبق عليه قول الحق «انما يخشى الله من عباده العلماء».. وقد كان يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهو ممن عرفوا الله حق معرفته فعرف بهم خلائقه أحبهم فأحبوه وألفهم فألفوه, فلقد كانت سيرته تجسيداً لما جاء به سيد الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليه وعلى الأولياء في الزهد والورع والتواضع والعمل الصالح والإخلاص والتفاني والصبر والإيثار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتنزه عن سفاسف الدنيا ومطامعها والوثوق بالله سبحانه وتعالى والإكثار من ذكر الله تعالى وكان له الإسهام الأكبر في بقاء محبة أهل البيت عليهم السلام في قلوب الناس ومن خلال خطبه ومحاضراته فقد اوضح المعاني والقيم السامية للدين الإسلامي الحنيف وكان يمثل القدوة الحسنة لما ينبغي أن يكون عليه العالم الرباني من تسامح وتواضع وزهد وإحسان وهمة ونشاط وبذل وعطاء. اسمه : حمود بن عباس بن عبدالله بن عباس بن عبدالله بن يوسف بن محمد بن الحسن بن الامام المؤيد بالله محمد بن الامام المتوكل على الله إسماعيل بن الامام المنصور بالله القاسم بن محمد رضوان الله عليهم أجمعين. مولده: ولد عام 1336ه الموافق 1917م في قرية العتمة ناحية غربان من بلاد ظليمة في حاشد عندما كان والده عاملاً هناك ولم يلبث فيها إلا قليلا. نشأته العلمية : نشأ في الجراف بصنعاء الى سن الزهور وظل يتردد باستمرار على الجامع الكبير بصنعاء لتجويد القرآن الكريم وكان الحاج محمد بن يحيى عرهب اول من استفتح عنده الهجاء وقراءة القرآن الكريم في الجراف وكذلك عند السيد هاشم بن حسين مرغم ووالده حسين مرغم وعند بلوغه التاسعة من العمر أرسله والده مع أخيه احمد بن عباس رحمة الله عليهم أجمعين الى احد علماء ظليمة وهو محمد راويه فدرس القرآن الكريم على يديه وتغيب ملحة الأعراب ومتن بن الحاجب ولبث في ظليمة ثلاثة أعوام بعدها عاد الى الجراف بصنعاء لمواصلة تعليمه بالجامع الكبير بصنعاء وداوم على حلقات العلم لدى العديد من المشايخ حتى تيسر له دخول المدرسة العلمية عام 1350ه الموافق 1930م ومن مشائخه في المدرسة العلمية السيد العلامة عبدالعزيز بن علي المهدي والقاضي العلامة علي بن عبدالله الرضي والقاضي العلامة عبدالله أحمد الجنداري والسيد العلامة أحمد بن عبدالله الكبسي والسيد العلامة علي بن أحمد عقبات وغيرهم من العلماء الافاضل رضوان الله عليهم أجمعين. وقد اثنى عليه العديد من العلماء فالسيد علي بن محمد الشرفي رحمه الله قال عنه: هو السيد السند والمرشد المعتمد الداعي بالعلم والموعظة الحسنة الى الواحد الاحد الذي افنى شبابه وريعان قواه في العلم وطلبه والعبادة والعمل الصالح.. وقال عنه العلامة الشهيد المرتضى بن زيد المحطوري: هو العلامة العالم العامل الرباني الذين عناهم الشاعر في قوله: إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا نظروا فيها فلما علموا انها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا صالح الاعمال فيها سفنا وقد تميزت حياته بالنشاط والجد والاجتهاد حيث كان منقطع النظير تدريساً وتحقيقاً وتصنيفاً للعلوم الشرعية وصيام الايام البيض شهرياً وغيرها من الايام الفضيلة من عام 1352هجرية الموافق 1932م وخطيباً للجمعة في مسجد الشوكاني الذي يعد من اهم الجوامع بعد الجامع الكبير ومن لازم السيد العلامة حمود بن عباس رحمة الله عليه فإنه يدرك بجلاء المجهود الكبير الذي كان يبذله الفقيد يومياً فقبل الفجر بساعتين يتجافى عن مضجعه ويطوي شملة نومه ويفترش سجادة صلاته ويظل راكعا ساجداً تالياً للقرآن الكريم, كيف لا وهو من المستضعفين وبعدها يذهب لصلاة الفجر بجامع النهرين وما ان يفرغ من صلاة الفجر في مسجده بالنهرين إلا ويجلس لتدريس طلابه والمتوافدين عليه من مختلف الجهات من العاصمة صنعاء في كتاب الكشاف والاعتصام وشرح التجريد وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد والفرائض للناظري وغيرها من العلوم الشرعية ثم ينتقل بعدها إلى منزله فتراه في طريقه يقرأ سورة ياسين حتى يصل المنزل فيتناول لقيمات فطوره ويخلد للنوم ساعة ونصف ثم تراه بعدها تالياً للقرآن الكريم أو محققاً من المسائل مستنبطاً لبعض الاحكام أو مواسياً لطلبة العلم والفقراء والمحتاجين وواعظاً في ليله ونهاره أما الليل فقد كفانا الله وصفه قال تعالى: «كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون» ويدعو لمشايخه وأقربائه وإخصائه ويتناولهم بالدعاء فرداً فردا وشهد بذلك الاستاذ العلامة فايز الصباحي رحمة الله عليه. ما قام به من أعمال الخير: قام بالكثير من الأعمال الخيرية من أوقاف ومحاسن وبناء مساجد لمس نفعها الناس في مختلف البلاد اليمنية أو مدارس لتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية منها بناء برك وخزانات لتجميع المياه.خففت على الناس في بعض القرى جلب المياه من أماكن شاهقة وبعيدة. الوالد العلامة حمود بن عباس المؤيد كان له العديد من المشاركات الخطابية والعملية في نصرة المظلومين وخاصة مظلومية الشعب الفلسطيني فكان نعم النصير للمظلومين أينما وجدوا. من الأدعية التي كانت تتردد على لسان الوالد العلامة حمود بن عباس المؤيد على الدوام: اقرع الباب ونادٍ يا رفيقاً بالعبادي أنا عبدُ وابن عبدٍ وإلى الحفرة غادي ليس لي زاد ولكن حسن ظني فيك زادي وكان يحث وينصح جميع زواره ومحبيه وطلابه بذكر الله على الدوام بإخلاص حتى ينالوا خير الدنيا ونعيم الآخرة.. في رحيله رضوان الله عليه بكاه الجميع الآمر والمأمور والعالم والمتعلم الصغير والكبير, والقريب والبعيد والذكور والإناث كيف لا وهو العالم والحجة والزاهد الرباني وبكاه الجامع الكبير وجامع النهرين وجامع الشوكاني وحلقات العلم وزوايا المساجد وتوشحت العاصمة صنعاء بالسواد ولبست ثوب الحداد وهي تودع عالمها وسيد عبادها الزاهد وتقاطرت الحشود اليمانية الغفيرة من مختلف محافظاتاليمن قاطبة كالسيل الجرار لتشييعه ذلك التشييع المهيب في ذلك الصباح من يوم الثلاثاء الثالث من رجب الموافق 20/3/2018م.. فسلام الله عليه حين ولد وحين مات ورحمة الله عليه وبركاته.