طغت المادة في هذا العصر على كل القيم ، وأصبحت قيمة الإنسان تحدد بكل شيء بقيمته المعنوية، فكثير من الناس في المجتمعات العربية والإسلامية للأسف يقدرون الفرد بما يملك من أموال وأطيان وأصبحت شخصية الفرد ومكانتها في المجتمع تحدد بنوع قماش ملابسه وبحجم ونوع سيارته وشكل سكنه إن كان شقة أو فيلا والحي الذي يسكن فيه وهي نظرة قاصرة يساعد على نشرها أفراد وقعوا ضحية لمجموعة من العقد النفسية ، وهي عقد تسكن بلا شك في القلوب التي خلت من الإيمان الحقيقي والصادق. عُقد الدونية وجوهر المسألة يكمن في الفرد نفسه ، فإذا اعتقدنا أن تقدير الناس له يتحدد فيما يملك من أشياء مادية خارج ذاته فهو قد قرر أن قيمته المعنوية ضائعة بل سيجد نفسه في يوم من الأيام لا قيمة له ، فمهما زادت مقتنياته المادية فلا بد أن هناك من يملك أكثر من فيشعر حينها بالنقص وتتقمصه عقدة الدونية طوال عمره. وقد تؤدي به هذه العقدة إلى الوقوع في محرمات ومحاذير وجرائم بسبب عدم مقدرته على تحقيق كل ما تريده نفسه غير القنوعة بالرسائل الشرعية، فإذا سكن مسكناً أكبر من مسكنه، وإذا ركب سيارة فاخرة بالنسبة لبعض من الناس فيسجد من يركب سيارة أفخم من سيارته وهكذا دواليك. ضريبة المظاهر إن الذي ينظر إلى نفسه هذه النظرة فأنه بلا شك ينظر إلى الناس والمجتمع من حوله بنفس الموازيين، ويعتمد في تقديره للآخرين على تقويمه لما يملكون أو لما يتظاهرون بملكته وللمظاهر ضريبة غالية يدفعها المتظاهر والمجتمع معاً، فما أكثر الذين يحرصون على الظهور أمام الناس بغير حقيقتهم فأنت قد ترى من يركب سيارة الا تتفق في ثمنها مع دخله فيتجشم متاعب كثيرة، وديوناً لا حصر لها وعلى حساب حقوق أسرته في سبيل الظهور بذلك المظهر المزيف. وفي كثير من الناس لا يروق لهم الشراء إلا من محلات فاخرة ودفع الأثمان الباهظة في بضاعة هم غير مقتنعين أصلاً بقيمتها ويعرفون جيداً أنهم ربما يجدون الجودة نفسها في محلات أقل فخامة وشهره ، ولكن المباهاة والمظاهر الخادعة التي يتقمصونها تجعلهم يشعرون كأن قيمتهم ترتفع بارتفاع أسعار ملابسهم، ولقد تخصصت محال كثيرة في سائر أنحاء العالم لاصطياد هذا النوع من الزبائن المغفلين، ويعتمد هؤلاء أن النفس البشرية تبقى دون قيمة إذا افتقدوا الممتلكات والأحوال التي سيمدون قيمتهم منها، وهم يجهلون تماماً أن قيمتهم تكمن في داخل أنفسهم وفي ذواتهم إن الإنسان كائن خلقه الله وكرمه بآدميته وهو تكريم أغلى من أي شيء في هذا الكون ، فقد جعل الله هذه القيمة تكبر وتزداد كلما مر الإنسان بنفسه فوق الصغائر وكلما ازداد علمه وحسن خلقه وتفهمه في الدين إن هذه القيم المعنوية لا يمكن أن تحدد بثمن فلإنسان حسن الخلق الذي يعرف قدر نفسه ويعرف للآخرين أقدارهم ينبع تقدير الإنسان له من واقع عمله وسلوكه، والتاريخ يمتلئ بالشواهد التي تتحدث عن الذين انطلقوا من داخل ذواتهم فيشعروا بقيمة أنفسهم في محبة الناس لهم، واحترامهم لك لا تباع ولا تشترى ولو بما يملأ الأرض ذهباً فهم ربما بأموالهم يستطيعون أن يبهروا الناس بعض الوقت ولكنهم لا يستطيعون خداع الناس كل الوقت. قال الله تعالى « والباقيات الصالحات خير عند ربك وخيرٍ آملا « صدق الله تعالى