في خطوة إضافية نحو التطبيع العلني بين الإمارات ودولة الاحتلال الإسرائيلي تحول مسجد الشيخ زايد إلى مكان لإعلان أول زيارة لوزير خارجية «إسرائيل» إلى أبوظبي، وذلك بعد أيام من مشاركة رسمية قامت بها الدولة في ورشة تمويل «صفقة القرن» الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية. ونشرت صحف عبرية -يوم أمس الأول- صوراً لوزير الخارجية الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، من باحة أحد أكبر مساجد العالم، خلال زيارته لأبوظبي نهاية شهر يونيو الماضي، وتحديداً يوم الأحد الماضي. ولم تكن هذه الزيارة الأولى لمسؤول إسرائيلي، فقد سبتقها زيارة لوزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريغيف، في أكتوبر الماضي، والتي أثارت استياء كبيراً في أوساط العرب. وحققت دولة الاحتلال مع الإمارات قفزة كبيرة من التطبيع خلال السنوات الأخيرة، وهو ما مهد لزيارة وزير خارجية «إسرائيل» الرسمية إلى أبوظبي، رغم أن الأخيرة لا تعترف رسمياً بدولة الاحتلال. زيارات رسمية دون اعتراف! تأتي زيارة وزير خارجية دولة الاحتلال في الوقت الذي لا تعترف أبوظبي ب»إسرائيل»، كما أنه لا يوجد تبادل دبلوماسي بين البلدين، إلا أن العلاقات السرية بدأت تظهر للعيان. ونقلت صفحة «إسرائيل بالعربية»، التابعة لوزارة خارجية الاحتلال، عن الوزير كاتس، قوله: «أنا متحمس للتواجد هنا في أبوظبي لتمثيل مصالح دولة إسرائيل مع دول الخليج. هناك تقدم ملحوظ في العلاقة بين إسرائيل ودول المنطقة. وسأواصل العمل مع رئيس الوزراء نتنياهو لتعزيز سياسة التعاون بناءً على قدرات إسرائيل في المجالات المدنية، الأمن والمخابرات». وشارك الوزير الإسرائيلي في مؤتمر الأممالمتحدة لشؤون البيئة بالعاصمة الإماراتية، وأجرى عدة لقاءات، بينها لقاء مع مسؤول إماراتي كبير. كما جاءت هذه الزيارة بعد مرور أيام قليلة على استضافة البحرين ورشة عمل «السلام من أجل الازدهار» الاقتصادية المنعقدة بمبادرة أمريكية، في إطار خطة السلام للصراع في الشرق الأوسط، المعروفة باسم «صفقة القرن»، الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية وتجاوز حقوق الفلسطينيين. كما أن زيارة وزير الاحتلال سرية ولم يُعلن عنها إلا بعد مرور يوم عليها، حيث أشارت الخارجية الإسرائيلية إلى أنها كانت في 30 يونيو الماضي. وتتحدث حكومة نتنياهو كثيراً في الآونة الأخيرة عن نجاحات في مجال التطبيع مع بعض الدول العربية، خاصة في منطقة الخليج، رغم أن «إسرائيل» لا تقيم علاقات رسمية معهم .. ويرى المغرد مصطفى إبراهيم أن هذه الزيارة لم تكن الأولى التي يقوم بها الوزير الإسرائيلي، مشيراً إلى أنها «تركزت على تطوير العلاقات بين إسرائيل والإمارات، وعرض مجدداً مبادرة إقامة سكة حديد تربط بين إسرائيل ودول الخليج». المساجد لترويج التطبيع وفي الأشهر الأخيرة، ومع سلسلة أحداث كبرى تجري في منطقة الخليج والوطن العربي، تُشير سلوكيات الإمارات إلى تقبلها وجود «إسرائيل» المحتلة للأراضي الفلسطينية، وهو ما قد يقود إلى فتح سفارة ل»تل أبيب» لدى أبوظبي، على غرار بعض الدول العربية. وليس معروفاً ما الهدف الذي أرادته الإمارات من السماح لمسؤولين إسرائيليين، وصف بعضهم بال»متطرفين»، وتلطخت أيدي بلادهم في دماء فلسطينيين، في الدخول إلى مسجد الشيخ زايد، والتقاط صور بداخله. وفي العام الماضي، اعتبرت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية، خلال زيارتها إلى مسجد الشيخ زايد وقد ارتدت حجاباً على رأسها، أن «هذا المسجد رسالة محبة وسلام، آمل أن تخرج من أبوظبي حياة جيدة وسلام للجميع». واعتبر ناشطون على وسائل الواصل الاجتماعي، الزيارة بأنها تعكس «مواقف مخزية لحكام الإمارات». كما كتب جمال أبو خالد في صفحته ب»تويتر»، قائلاً: «مسجد زايد .. مزار لليهود ..وزيرة الثقافة الصهيونية المتطرفة والتي تكن العداء للمسلمين وتجاهر به .. في ضيافة عيال زايد».ويُعتبر جامع الشيخ زايد من المعالم الشهيرة في أبوظبي، وهو ثالث أكبر مسجد في العالم بعد المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة. وأُطلق على المسجد اسم مؤسس دولة الإمارات ورئيسها الأول الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كما أن قبره بداخل المسجد ذاته. تعايش إماراتي-صهيوني! وتواصل الإمارات محاولاتها للظهور في مقدمة الدول الراعية ل»التسامح» و»التعايش» كبوابة للانفتاح على «إسرائيل»، والذي غاب عن سياساتها مع دول عربية عدة، في وقت يتهمها مراقبون بدعم انتشار أديان أخرى غير الإسلام في منطقة الجزيرة العربية. واستمراراً لمحاولتها العمل على التقارب بين الأديان الإبراهيمية (الإسلام والمسيحية واليهودية)، دشن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، مطلع شهر فبراير الماضي، «بيت العائلة الإبراهيمية» بحضور إمام الأزهر الأكبر أحمد الطيب، وبابا الفاتيكان فرانسيس. كما جرى لقاء منفصل بين وزير التسامح الإماراتي نهيان بن مبارك آل نهيان، والحاخام اليهودي الأمريكي مارك شناير، رئيس مؤسسة «اليهودية الإسلامية المشتركة بين الأديان» في الولاياتالمتحدة، ومستشار العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، وهو ما فسره البعض بأنه تمهيد لافتتاح أكبر كنيس يهودي أيضاً، خصوصاً في ظل تقارب أبوظبي مع «إسرائيل». ودشنت الإمارات أيضاً، في 20 أبريل الماضي، أول معبد هندوسي في العاصمة أبوظبي، وذلك بوضع حجر الأساس بحضور رسمي، إلى جانب آلاف من الجالية الهندية في البلاد.. وفي مطلع أبريل الماضي نُصب تمثال «بوذا» على الطريق السريع الواصل بين العاصمة أبوظبيودبي في دولة الإمارات. دلالة الزيارة! ولعل زيارة الوزير الإسرائيلي هاتس جاءت تتويجاً لزيارات سابقة لمسؤولين إسرائيليين إلى الإمارت، كان من بينهم الوزيرة ريغيف، ووزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا، وتهدف إلى الدفع باتجاه «السلام والأمن للجميع»، وذلك ضمن حركة إسرائيلية لافتة قام بها مسؤولون إسرائيليون في عدة دول عربية. وتقول وكالة «بلومبيرغ» الأمريكية إن زيارة المسؤولين الإسرائيليين مؤخراً إلى الإمارات تؤكد أن علاقة البلدين «أصبحت أكثر دفئاً في السنوات الأخيرة، والسبب الأكبر هو اشتراك الطرفين في عدم الثقة بإيران وسعيها للهيمنة على المنطقة». ويؤكد وزير الخارجية الإسرائيلي أنه عازم على تعزيز سياسة التطبيع التي يقودها رئيس وزراء بلاده، بنيامين نتنياهو. سباق التطبيع ولعبت دولة الإمارات دوراً رئيسياً بمنطقة الخليج، في بناء علاقات مع كيان الاحتلال وعلى جميع الصعد؛ السياسية والأمنية والتجارية، فالتطبيع يتواصل بعزيمة أكبر عبر قنوات سرية، قبل أن تأخذ منحى علنياً في زيارة الوزراء الإسرائيليين. وتعززت العلاقات بين البلدين منذ افتتاح الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبوظبي، في عام 2015، بعدما فتحت «إسرائيل» تمثيلية دبلوماسية لها لدى الوكالة بأبوظبي، فيما كان للإمارات دور في التطبيع الرياضي منذ أن استضافت، في عام 2010، فريق الجودو الإسرائيلي، والذي أدى خلال مشاركته العام الماضي أيضاً، شعائر دينية يهودية في وسط الإمارات. كما أصبحت أبوظبي مركزاً مهماً لأمن «إسرائيل» واستخباراتها، علاوة على التوسع في العمليات التجارية، حيث أبرم اتفاق بين شركة إماراتية وشركات أمن إسرائيلية، بهدف توفير الحماية لمرافق النفط والغاز مقابل عوائد مالية. وتشمل الاتفاقية إنشاء شبكة للتحويلات النقدية المشروطة في أبوظبي فضلاً عن الدور الذي تقوم به دبي في هذا الصدد.