إسبانيا تعلن إرسال سفينة حربية لحماية أسطول الصمود العالمي المتجه إلى غزة    السيد القائد: ما يقوم به مجاهدوا غزة حجة على الأمة والأنظمة التي طعنتهم في الظهر    الداؤودي: استمرار حملة التفتيش لضبط المواد الغذائية الفاسدة بالمنصورة    ذكرى ثورة 26 سبتمبر قِبلة اليمنيين للانتصار للجمهورية    إتلاف 62 طن من المواد الغذائية منتهية الصلاحية في العاصمة    عملية أم الرشراش.. تقدم تقني يمني يدخل العدو في تخبّط استراتيجي    في كلمة بالأمم المتحدة.. نصر العيسائي: تقرير المصير أساس لأي تسوية سياسية في اليمن    الرئيس الزُبيدي: الواقع على الأرض يعكس وجود دولتين    محافظ حضرموت يتفقد أعمال تطوير منشأة غاز بروم    الرئيس الزُبيدي يبحث التعاون الأمني مع أوغندا والصومال    افتتاح مدرسة النقوب في نصاب بتمويل من الإمارات    تنفيذي الحصين بالضالع يناقش تقارير المكاتب الإدارية للفصل الثالث    سياسي يمني: حمود المخلافي رسخ ثقافة الضباع داخل أسرته    الصين تتهم أمريكا بتوجيه ضربة خطيرة للنظام التجاري المتعدد الأطراف    الشاي وصحتك.. 3 أكواب كافية لصنع الفرق    راتب محافظ المركزي المعبقي أعلى من راتب رئيس أمريكا    شرطة تعز تعلن ضبط أحد المطلوبين أمنيا وتواصل ملاحقة آخرين    بن بريك وسلطان المهرة يؤكدان وحدة الصف الجنوبي ومواجهة التحديات    هاتريك ألفاريز يمنح أتلتيكو انتصارا دراماتيكيا    25 لاعبة يدشن أول منتخب سعودي للفتيات تحت 15 عاما    كوش أول ألماني ينضم إلى الألعاب المحسنة    صنعاء... الحصن المنيع    اليوم بميدان التحرير بصنعاء ايقاد شعلة العيد ال63 لثورة 26 سبتمبر الخالدة    "جيل الشاشات".. كيف خطفت الهواتف تركيز الطلاب؟ وهل يمكن استعادته؟    نادي 22 مايو يكرم الشاب محمد وهيب نعمان    قرعة صعبة لآرسنال وليفربول في ثمن نهائي الرابطة    بذكرى ثورة سبتمبر.. مليشيا الحوثي توسع حملة الاختطافات في إب    اشتراكي تعز يدعو لمواصلة الاحتجاجات حتى تسليم كافة المتهمين باغتيال المشهري    الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين ترد على تقرير هيومن رايتس ووتش    عمران.. اعتقال شيخ قبلي وشاب في خمر    أسرة عارف قطران تكشف عن وضعه الصحي الحرج وتناشد بالكشف عن مصيره    في الوقت القاتل.. منتخب الناشئين يخسر أمام الإمارات في كأس الخليج    سريع يعلن عن عملية نوعية جنوب فلسطين المحتلة    وثائقي "الملف الأسود" .. يكشف عن نهب ممنهج لنفط اليمن    مسيرة قادمة من اليمن تستهدف ايلات والاعلام الاسرائيلي يتحدث عن إصابات    إنشاء مركز ثقافي يمني في نيويورك بالولايات المتحدة    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة صرافة    اجتماع للجنة الفنية المشتركة للبرنامج الوطني للطاقة المتجددة بصنعاء    الحديدة.. وفاة وإصابة 20 شخصا بصواعق رعدية في عدة مديريات    العاقل يبحث خطط تطوير المكاتب الإعلامية في العاصمة و3 محافظات    محافظ حضرموت يتفقد سير العمل بمؤسسة الاتصالات في الساحل    مطالبة بتوفير جهاز غسيل الكلى في مديرية دمت    عمار المعلم .. صوت الوطن وروح الثقافة    المعرفة القانونية للمواطن تعزز العدالة وتحمي الحقوق    الليغا: ريال مدريد يواصل انطلاقته الصاروخية بفوز سادس على التوالي    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يبحث مع مركز اللغة المهرية آفاق التعاون المشترك    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    القسام تدعو لركعتين (ليلة الجمعة) بنية الفرج لمرابطي غزة    البقوليات وسيلة فعّالة لتحسين صحة الرجال والتحكم في أوزانهم    نائب وزير المياه يبحث ترتيبات إحياء يوم اللغة المهرية    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    الراحلون دون وداع۔۔۔    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    في محراب النفس المترعة..    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ اليمن .. مقبرة الغزاة:للباحث / عبدالله بن عامر (الحلقة الثالثة)
نشر في 26 سبتمبر يوم 30 - 07 - 2019

بحث مقارن لحملات الغزاة المتعاقبة على اليمن عبر التاريخ خلص إلى آن الغزاة لايستفيدون من التجارب
الزامل الشعبي هو السلاح اليماني المعنوي القديم الجديد الذي ألهب حماس الثوار في وجه كل حملات الاستعمار وساهم في رسم لوحة الانتصار
ما قصة الشهداء السبعة الذين كسروا أسطورة البحرية البرتغالية وما حقيقة العصي والسيوف التي كتبت بداية الخسوف لأسطورة الإمبراطورية البريطانية التي لا تقهر؟
بالكمائن وسياسة الأرض المحروقة تم إرهاق الغزاة ووضع حد لفسادهم وإرغامهم على العودة مدحورين إلى بلادهم
الشهداء السبعة
وفي مقاومة البرتغال اعتمدت عدن على تحصيناتها الدفاعية القوية وفي الشحر قاومت الأيادي بالسيوف والأحجار ومصاحف القرآن بنادق البرتغال ومدافعهم وكتبت دماء الشهداء السبعة والمئات من أبناء الشحر وحضرموت النصر المؤزر فانكسرت الأسطورة البحرية للغزاة وعلى سواحل اليمن تحطمت معنوياتهم بعد أن كانوا يعيثون في السواحل الفساد ، وأمام التوغل المملوكي الذي وصل إلى تعز وشق طريقه نحو صنعاء مستقوياً بأسلحته النارية قرر اليمنيون المواجهة بالسيوف والمقاليع والأحجار وأبدعوا في تطويع الجغرافيا لصالحهم وضد العدو الذي تعرض لانتكاسة مدوية بثورة أهالي صنعاء التي كان لها أثر كبير في حسم المعركة وتكفلت بكسر تفوق المماليك وقلبت المعادلة رأساً على عقب ثم تتولى القبائل فيما بعد تنفيذ عمليات هجومية متعددة تفضي إلى نهب أسلحة الغزاة النارية واستخدامها فيما بعد ضدهم ، ولم يصل الأتراك إلى السواحل حتى كان اليمنيون قد تعرفوا بشكل جيد على السلاح الناري وصاروا يمتلكون هذا السلاح ولو بأعداد قليلة مقارنة بالغازي .
وفي سبيل السيطرة على المزيد من الأسلحة النارية وغيرها من الأسلحة البيضاء كان اليمنيون يهاجمون الحاميات التركية وينهبون ما بها من عتاد إضافة إلى أسر جنود وضباط وقتل آخرين وتجلت البراعة الحربية لليمنيين في الصراع الشرس مع الأتراك خلال الفترة الأولى الممتدة من 1536- 1639م ، وإلى جانب البراعة والإبداع والابتكار في أساليب المقاومة كانت الإرادة خير دافع للاستمرار دون توقف الأمر الذي انعكس سلباً على معنويات الغزاة وأثر على موقفهم العسكري برمته ، وتنوعت أساليب اليمنيين في مقاومة الأتراك بين المعارك المباشرة والمناورات والخدع والحصار والكمائن وفي خضم ذلك الصراع المرير استمر اليمنيون في القتال بسلاح العدو وسطروا في تلك المرحلة أروع البطولات والملاحم القتالية في الجبال والأدوية والسهول والهضاب في القرى والمدن في الريف والحضر ،قاتل الشباب والشيبة الرجال والنساء بمختلف مذاهبهم ومناطقهم ومشاربهم الفكرية من عهد الإمام القاسم الذي التف حوله اليمنيون كقائد لمشروع التحرر من الظلم العثماني ورأس حربة في المواجهة السياسية والثقافية والعسكرية حتى عهد محمد المنصور ويحيى بن محمد الذين واجهوا بالقلم قبل البندقية وخاضوا معارك إعلامية لا تقل شأناً عن المعركة الحربية
من الملوك أليشرح يحصب وشاعرم أوتر ونشا كرب وياسر يهنعم و يوسف أسأر وذي يزن إلى الأقيال يزيد ومرثد وقيس ومن شيوخ ذمار وأمراء شبام حضرموت إلى أئمة شبام كوكبان شرف الدين والمطهر والى الطاهريين عامر والبعداني ومن الشيخ علي الشرجبي إلى الشيخ علي المقداد والى الشيخ راجح لبوزة ، من خولان ومذحج وحمير ونجران وعنس إلى همدان حاشد وبكيل ، ومن المهرة إلى حضرموت وشبوة وأبين إلى مأرب والجوف وصعدة ، ومن صنعاء حتى عدن ومن تهامة حتى إب وذمار وريمة وعمران وحجة والمحويت والبيضاء ومن تعز إلى المخلاف السليماني ومن سقطرى حتى كمران من جبال ردفان إلى جبال الأهنوم والشاهل وشهارة كانت الملاحم العظيمة صناعة يمانية بامتياز شاركت في حياكة خيوطها ونسج تفاصيلها كافة شرائح المجتمع اليمني فهذه البلاد تقاتل بشراسة مهما بدا عليها الضعف أو أصابها الوهن لا يعجز أبناؤها عن الاستمرار فكلما ذهب جيل سلم الراية إلى الجيل الذي يليه.
متى يحدث الغزو ؟
يختار الغزاة الظروف المناسبة لهم لشن عدوانهم العسكري وعادةً ما تعمل هذه الظروف في تشجيع الغزاة على البدء في التحرك العسكري وتتمثل تلك الظروف بتوافر عوامل الضعف بالنسبة لليمن مع وجود قوة عسكرية كافية لتحقيق الأهداف خلال فترة زمنية محددة ، فكل حملة عسكرية تسبقها دراسة ومعرفة واستعداد إضافة إلى خلق الأسباب الممكنة للمساهمة في نجاح العمل العسكري ووضع الخطط الكفيلة للتعامل مع أبرز المعوقات والصعوبات التي قد تواجه الأعمال الحربية ، ولهذا فإن أغلب الحملات العسكرية على اليمن كانت تأخذ في الاعتبار الوضع الداخلي لليمن وكيفية التعاطي مع هذا الوضع بما يعمل على بلوغ الهدف في وقت قياسي و دون خسائر كبيرة ،ومن الحقائق الماثلة أمامنا ونحن نطالع التاريخ اليمني نجد أن تحرك الغزاة لم يأتِ إلا في حالات الضعف والوهن والتفرق والتشظي والانقسام ولم يسبق أن تعرض اليمن لعدوان خارجي وهو في حالة القوة والوحدة فالغزو الروماني حدث في ظل خلافات الريدانيين الحميريين مع السبئيين والحضارم وتوغل الأحباش على وقع خلافات نفس القوى وحالة الضعف الناتجة عن تلك الانقسامات ، والفرس دفعوا بقوة عسكرية لتوطيد حكمهم بعد أن كانت الخلافات قد وصلت درجة اغتيال الملك وكان دخولهم بدايةً باستدعاء ذي يزن وقبله استدعى علهان بن نهفان الأحباش ، والأيوبيون تحركوا بقوتهم العسكرية واليمن تعيش مراحل صراع دامية بين عدد من القوى والأطراف حتى أن بعض تلك القوى رأت في الغزو حلاً في صالحها والمماليك اقتنصوا فرصة ذهبية لاحت أمامهم بخلافات الطاهريين مع قبائل تهامة وكذلك مع الإمام شرف الدين ،والأتراك جاؤوا أيضا على وقع تلك الخلافات والدعوات وفي المرحلة الثانية استدعتهم خلافات القبائل وضعف الدولة ، ولهذا فإن الصراعات والخلافات تعمل على التوفيق بين حاجة أحد الأطراف الداخلية إلى الحسم والرغبة الخارجية في الهيمنة ؛ليتعزز حضور الأجنبي عبر الأدوات المحلية التي سرعان ما يواجهها بعد أن يكون قد تخلص من بقية القوى باستخدام الأدوات الداخلية العميلة بل إن التاريخ يخبرنا أن أول القوى التي يسحقها المحتل ويقضي عليها هي تلك التي مدت له يد المساعدة .
إن التاريخ اليمني مليء بالعبر والدروس وكثيراً ما تكررت الأحداث في صفحاته المختلفة وفي تحولاته المتقلبة وفي مراحله المتغيرة و المتبدلة وكأنها قد استنسخت نفسها من مراحل سابقة لها مع بعض التعديل والتغيير في الشخصيات والقوى والأسماء والمناطق وفي الغزاة أيضا فجو الانقسام الداخلي يشجع كل طامع خارجي على التدخل والفرصة الذهبية بالنسبة لأي غازٍ بلوغ درجة الصراع مرحلة استدعاء الخارج من قبل أي قوة محلية مما يتيح للغازي اقتناص الفرصة واستغلالها. إضافة إلى ما تحدثه الخيانة والعمالة من إضعاف للروح المعنوية للمقاومة المحلية لكن ذلك لا يدوم فسرعان ما تتقد الروح الثورية من جديد بتوافر عوامل القوة وأسباب الثورة على الغازي ،وقد استمد الأحباش ومن ثم الفرس وكذلك الأيوبيون فالمماليك وحتى العثمانيون والبريطانيون قوتهم من ضعف وتفرق اليمنيين وأمدوا فترة بقائهم من تغذيتهم للخلافات وحرصهم على استمرارها والدفع بها في كل لحظة نحو الانفجار، ففي خضم الصراع والتشظي والانقسام لا تصمد أي قوة في وجه الغازي فالجميع يتساقط كأحجار الدومينو وحتى تتشكل المقاومة الشعبية وتأخذ أسباب القوة ومشروعية النضال يكون الغازي قد تمكن من بسط سيطرته على البلاد وهنا تصبح مهمة المقاومة أكثر صعوبة والخسائر المتوقعة أكبر والتضحيات أعظم وأجسم .
محاربة اليمنيين بأنفسهم
فكما استغل الغزاة ظروف الصراع المحلي للتدخل إن لم يكونوا هم أصلا من افتعلوا هذا الصراع وعملوا على نشوبه وتفجيره يستغلون أيضا أية خلافات حاضرة في زمن تدخلهم العسكري وعدوانهم لتغذيتها وتأجيجها أو يقومون هم باستدعاء أية خلافات قديمة بنبش التاريخ والتفتيش في صفحاته واستحضار كلما قد يسهم في إثارة النزاعات وشهدت مراحل الأتراك والأيوبيين وكذلك البريطانيين محاولات زرع الفتنة بين اليمنيين لأسباب طائفية مذهبية أو عرقية أو مناطقية وظهرت لنا مصطلحات وصفات تفريقية عنصرية وكذلك مفاهيم جميعها من صناعة المستعمر وثقافته ، ومن أساليب التفرقة بين اليمنيين دعم قبيلة ضد أخرى أو تحريض جماعة ضد جماعة أخرى أو تبني حزب أو مذهب ضد المذاهب الأخرى ومن السوء أن يجند الغزاة جماعات ومراكز نفوذ يمنية بشكل غير مباشر ضد جماعات يمنية أخرى مناهضة للغزو وأما الأسوأ في تاريخ الغزاة فهو استخدام اليمنيين وتجنيدهم بشكل علني في حروب ضد أبناء جلدتهم أي دعوة اليمنيين إلى أن يكونوا عملاء بأجور ومستحقات شهرية نظير خدماتهم التي قد يعجز الغازي نفسه عن تحقيقها ،وهذه الحقيقة المرة تتكرر في أغلب مراحل التاريخ اليمني فعندما يعجز الغازي عن تحقيق أهدافه يستدعي طابور العملاء للقيام بهذه المهمة التي تحفظ له أرواح جنوده ،فعندما فشل أبرهة عن قمع ثورة يزيد بن كبشه استخدم المرتزقة الذين تولوا المهمة والأتراك كذلك أنشؤوا تشكيلات عسكرية خاصة بالمرتزقة وأطلقوا عليها التسميات مثل (الزبطية ، الملة) بما يخفي طبيعة مهمتها ويحول دون استحقارها من قبل اليمنيين لكن ذلك لم ينجح فقد كانت هذه التشكيلات مصدر إزعاج وخطر بالنسبة لهم ،وفي اللحظات الحاسمة يتجه المنتسبون إليها إلى صفوف المقاومة وينخرطون بجدية في الكفاح المسلح ضد المستعمر وهذا ما تحدثنا به مرحلة البريطانيين والأتراك والأيوبيين.
الفصل الاول
الغزو الروماني 24- 25 ق . م
في الكتابات الكلاسيكية الرومانية ما يؤكد أهمية جنوب شبه الجزيرة العربية بالنسبة للإغريق ومن ثم الرومان ،سواء من حيث الموقع الاستراتيجي أو ما يحتويه من ثروات هائلة فقد كانت اليمن من أغنى بقاع الأرض التي سال لأجل خيراته الزراعية والصناعية والتجارية وكنوزه الدفينة لعاب الدول الطامعة بتلك الخيرات ،ناهيك عن تمتع اليمن بموقع جغرافي متميز كان مثار التنازع بين القوتين الرومانية والفارسية (حنان عيسى جاسم السياسة الرومانية تجاه جنوب الجزيرة العربية - مجلة الدراسات التاريخية العدد 17 – يونيو 2013م ص 327) وكانت الكتابات الرومانية تقسم الجزيرة العربية إلى العربية الصحراوية والعربية الصخرية والعربية الميمونة ويقصد بالميمونة «اليمن» (محاضرات في تاريخ العرب القديم أ.د عبد الله الشيبة ص 68-69) ويعود ذلك الاهتمام باليمن إلى القرن الخامس قبل الميلاد، ففي تلك الفترة كان المفكرون الإغريق قد بدؤوا في الوصول إلى اليمن ضمن رحلات استكشافية بتكليف من لإسكندر (ملك مقدونيا واليونان) وعلى رأس أولئك المفكر الشهير صاحب نظرية التأويل التاريخي للأساطير ويدعى (يوهيمروس المسيني) الذي وصل إلى الجزر اليمنية في البحر الأحمر والى السواحل أيضا ويصف اليمن بالعربية السعيدة أو الغنية أو الموسرة ويشير إلى أن اليمن أجمل جزء من بلاد العرب وتنتشر فيه المباني الجميلة وأرضه خصبة ، وقال عن إحدى الجزر اليمنية التي زارها بأنها المقدسة وتشبه الفردوس وفيها البخور والمر وفيها أقدم نموذج معروف للمدينة المنشودة على غرار جزيرة واق الواق (بلاد اليمن في المصادر الكلاسيكية .. د عبد اللطيف الأدهم .. د حميد العواضي ص 27-28)وقد نقل كل من الأدهم والعواضي في مؤلف بلاد اليمن في المصادر الكلاسيكية ما كتبه المؤرخون والمفكرون الرومان والذي ننقل منه بعض ما ورد في الكتابات الرومانية منها وصف ديدور الصقلي لليمن وجزرها (ويحيط بالعربية السعيدة بحر ينساب لما في لونه من صفاء في أحداث مفاجأة كبيرة ويثير في نفسه الرغبة في البحث عن أسباب هذه الظاهرة وتجاوز الساحل جزر تكنى ب «المحظوظة» وذلك لكون المدن فيها غير محاطة بالأسوار وكافة الحيوانات الموجودة هي بيضاء اللون وليس لإناثها قرون البتة ،ويتردد على هذه الجزر تجار يفدون إليها من كل الأصقاع)(ديدور الصقلي بلاد اليمن في المصادر الكلاسيكية ص113-130)ويحدد أغاثرخيدس الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية باسم العربية السعيدة والشعب السبئي في نظره هم أهم شعوب شبه الجزيرة وغناه كان واسعاً ، لقد كان يعتمد في عيشه على منتجات وافرة من الثروة الحيوانية وعلى زراعة أنواع من النباتات العطرة حتى أن روائحها الزكية تسبب الآلام ولذلك يكافحوها بإشعالها بخورا ،والسكان هم من المحاربين والفلاحين والبحارة التجار الذين يصدِّرون بالخصوص بعض الطيوب التي يجمعونها ويستعملون غالباً عوامات كبيرة وقوارب جلدية والبعض منهم يعيش في بطالة وتكاسل بفضل ما هم عليه من رغد العيش ، وهذا الثراء الكبير مصدره دخل تجارتهم وبعدهم الذي جعلهم في منأى عن الغزوات والنهب ، أما زينة مساكنهم وأثاثها ومواعينهم المحلاة بالذهب والفضة والأحجار الكريمة فإنها بديعة فاخرة والعاصمة هي سبأ وتقع على ربوة جميلة ويتوارث ملوكها الحكم ويتمتعون بسلطة كبيرة (بلاد اليمن في المصادر الكلاسيكية جمع وترجمة د. حميد العواضي د. عبد اللطيف الأدهم ص 32-33) ويقول المؤرخ الروماني استرابون عن العربية السعيدة: ذلك الجزء من بلاد العربية الذي يبدو من امتداده أنه يتجه للالتقاء مع إثيوبيا ،تتهاطل عليه أمطار الصيف بكثرة ويتاح فيه موسمان للحصاد في السنة الواحدة مثلما هو الحال في الهند وتوجد فيه إضافة إلى ذلك بعض الأنهار أو الوديان التي ينتهي بها جريانها إما في السهول أو البحيرات ،كما أن كل محاصيل أرضه ممتازة علاوة على انه يجود بالكثير من العسل وترى فيه كمية كبيرة من قطعان الماشية التي لا يدخل ضمنها في حقيقة القول لا الخيول ولا البغال ولا الخنازير مثلما لا نجد كذلك لا الدجاج ولا اللوز من بين تلك الكثرة من أنواع الطيور الداجنة التي تربى فيه ((بلاد اليمن في المصادر الكلاسيكية جمع وترجمة د. حميد العواضي د. عبد اللطيف الأدهم ص 133- 175 )ويضيف : تنعم مختلف هذه الحواضر التي تؤلف فيما بينها دولة ملكية واحدة الذات بكل مظاهر الرخاء وتزدان جميعها بالمعابد والقصور الرائعة ،أما مساكنهم فإنها تذكرنا من ناحية هيكل سقوفها الخشبي بالمساكن المصرية وتفوق المساحة التي تغطيها هذه الأقاليم مجتمعة مساحة دلتا النيل، ولا تنتقل السلطة في هذه الملكية من الأب إلى الابن بل إن من يعين لخلافة الملك الذي آلت إليه السلطة هو أول طفل يولد من دم نبيل (نفس المصدر).
وبحسب رأي الأدهم والعواضي فإن الصورة التي كانت لدى الإغريق والرومان عن بلاد اليمن يمكن أن تميز بتحليلها إلى مجموعتين من السمات التي تختلط بنسب متفاوتة حسب الأماكن والحقب ، فمن جهة فإن جزيرة العرب هي بلد فعلاً وإن كانت بعيدة وحولها نشأ تقليد علمي منذ هيكاتوسالميلنيسي الذي انهمك في جمع المعلومات الموضوعية والجغرافية والاقتصادية والانثربولوجية والتاريخية والحيوانية والنباتية وكانت مدرسة أرسطو متميزة في هذا البحث العملي المحض التي أسمهت فيه أيضا أجهزة الاستخبارات لأغراض عسكرية وكذلك التجار البحارة المتشبثون بتطوير الملاحة البحرية المثمرة إلى أقصى احد.
النوايا العدوانية الرومانية تجاه اليمن :
الكتابات الرومانية تشير إلى حالة العداء في روما للعرب اليمنيين وهذه الحالة يبدو أنها ناتجة عن الأطماع الرومانية في بلاد اليمن وهو ما يمكن استيضاحه أكثر في وصف الرومان لبلاد اليمن وما كتبه المفكرون الرومان عن أهل اليمن ، وعلى ما يبدو أن الحالة العدائية تجاه اليمن تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد وتحديداً في التوسع اليوناني الكبير في عهد الإسكندر الذي اتجه بتفكيره إلى غزو شبه الجزيرة العربية (محاضرات في تاريخ العرب القديم أ.د عبد الله الشيبة ص 27)وتمكن من إخضاع معظم البلدان عدا اليمن ،وبعد أن هزم الفرس سارعت الشعوب بإرسال الهدايا لتخطب وده مقدمة ولاءها له ما عدا سكان الجزيرة العربية (اليمن) فإنهم انفوا من ذلك فأثر عملهم في نفسه وتوعدهم بغزو بلادهم ولكنه مات قبل أن ينفذ ما قاله (الدكتور أحمد فخري اليمن ماضيها وحاضرها نقلاً عن وثائق رومانية قديمة ص 114)
أما في مرحلة أغسطس وبعد أن تحول النظام إلى إمبراطوري كان الشعراء هم المروجون دعائياً لهذا النظام وخاصة (فرجيل) و(هوراس) فالأول الذي سبق أن وجد فرصة للحديث عن بخور سبأ وحياة الخمول التي كان يضفيها على «المترفين السبئيين» وضع لاحقاً في الإلياذة(ملحمة تحكي تأسيس روما ألفها في الفترة من 29- 19ق م وفي هذه الفترة كانت الحملة الرومانية على اليمن) العرب والسبئيين ضمن الأعداء الذين على الرومان محاربتهم(بلاد اليمن في المصادر الكلاسيكية جمع وترجمة د. حميد العواضي د. عبد اللطيف الأدهم ص38 ).وأكثر منه وضوحاً واهتماماً كان (هوارس)الذي كان يحلم بثروات العرب ففي أثناء الترتيب لحملة غاليوس طلب من إله الأقدار (فورتون) أن يحمي جيوش الإمبراطور ويمسح عنها عار السلاح الملطخ أثناء الحروب الأهلية بدم الشعوب النائية في أقاصي الأرض وهي بريطانيا والبحر الأحمر (نفس المصدر)وعلى الرغم مما نطالعه في الكتابات الكلاسيكية الرومانية عن اليمنيين ووصف حياتهم بالخمول نتيجة حالة الترف والغنى التي بلوغها في تلك الفترة إلا أن هناك ما يشير أيضا إلى وصفهم بالقوة والمنعة ففي أحد الأناشيد الشهيرة يسخر (هوراس) بخفة من (اكسيوس) الذي في سبيل الثراء يتخلى عن الدروس الفلسفية ويطمع في كنوز العرب الوافرة ويعد حملة قوية ضد ملوك سبأ الذين لم يغلبوا حتى الآن ، والتطلع إلى ثروة ضخمة ليس مدعاة إلى هذا العناء وركوب الأخطار في حملات كهذه (بلاد اليمن في المصادر الكلاسيكية جمع وترجمة د. حميد العواضي د. عبد اللطيف الأدهم).
..يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.