ثمة شريحةٌ من بين شرائح الموظفين اليمنيين يمكنُ تسميتُها الشريحةَ المنسية. ألا وهي شريحة النازحين الذين أجبرتهم ظروف الحرب هنا أو هناك على مغادرة مقارّ وظائفهم إلى مدنٍ وقرى تحت سلطة الشرعية التي بادرت بداية الأمر إلى احتوائهم وظيفيًا في أماكنهم الجديدة، واعتمدت لهم مرتباتٍ شهرية شأنهم في ذلك شأن عامة الموظّفين. خطوة جيّدة تُحسب للحكومة آنذاك. ولو أنَّ هذه الخطوة أردفت بخطوة أخرى تتمثّل في إعادة إدماجهم في الوظيفة العامة في أماكنهم المختلفة كلا بحسب تخصصه؛ لكان في ذلك خير كثير للوظيفة العامة بتنظيم هذه المجاميع ووضعها تحت الرقابة والمسئولية، والاستفادة من قدراتها وكفاءاتها، وللنازحين أنفسهم بتطبيعهم وظيفيا وحماية حقوقهم المادية والمعنوية مثلهم في ذلك مثل سائر إخوانهم الموظفين.
غير أنَّ النازحين ظلوا أكثر من عقد من الزمان مركونين في كشوف خاصة، برّرت لحرمانهم من كافة الزيادات والعلاوات التي حصل عليها بقية الموظفين. وقد تقبل هؤلاء المقهورون هذا الأمر على مضض، على أمل أن قادم الأيام سيصلح شأنهم، فمن غير المعقول أن يظلوا وكأنّهم طارئون على الوظيفة، مسلوبي الحقوق والامتيازات.غير أنَّ هذه الآمال ذهبت أدراجَ الرياح، بل والأمرُّ من ذلك أنْ لحق بهم ظلم جديد، حين تعمّدت الجهات المسئولة في الحكومة تأخير مرتباتهم لشهرين ثم لثلاثة أشهر، ثمَّ لأربعة، ثم.... حتى وصل بهم الحال اليوم إلى مرور عام كامل، لم يتقاضوا فيهِ مليما أحمرَ.. لماذا؟؟ لأنّهم نازحون.. فهل ألقيَ في روعِ الجهات المسئولة في الحكومة أنَّ هؤلاء لا يأكلون ولا يشربون، ولا يمرضون؟ ومن ثم فإنهم لا يحتاجون لمرتباتهم؟ هل تعتقد هذه الجهاتُ أنَّها بهذا الظلم الصارخ تعلِّم هؤلاء المقهورين الصبر عند الشدائد، وطول الأناة مع المحن؟
إنَّ هذا السلوك تخلٍّ صارخٌ عن المسئولية، وإلحاقٌ صريحٌ للأذى في شريحةٍ ينبغي وفق القانون والدستور أن تأخذ حقوقها كلها كاملة غير منقوصة، ليس منّةً من أحد، ولا مكرمة من جهة. بل بحكم الدستور والقانون. أمَّا أن تظل عامًا كاملًا بلا راتبٍ؛ فإنَّ في ذلك سابقةٌ خطيرة. ويعلم الله ما تخبئه الأيام القادمة لهذه الشريحة المقهورة في ظلِّ هذه الفوضى المتنامية التي تعيشها البلد، والتي لا يعلم مستقرّها إلا الله.
لقد قدّمت الجهات المسئولة ممثلة بوزارتي الخدمة المدنية والمالية كثيرًا من المبررات لتأخير المرتبات في السابق، حتى نفد مخزونها من هذه المبررات العقيمة، وظهرت نية هذه الجهات صريحةً بيّنة في حجب هذه المرتبات، وحرمان ما يزيد عن سبعة آلاف أسرة من موردها الوحيد.. وبذلك تكتمل حلقة الظلم، وتتبدّى جريمة الإفقار واضحةً للعيان. ورغم صلف الجهات الحكومية وغطرستها إزاء المطالبات المكررة والمستمرة من هذه الشريحة بصرف مستحقاتها إلا أنَّ هؤلاء البؤساء لم يفقدوا الأمل، وما زالوا يغازلون مرتباتهم بشغف جارف، ولسان حالهم يقول: الهجر شهرين أو ثلاثة أشهر.. أمّا سنة فيا تعب حالي.. مع الاعتذار للأغنية الشهيرة.