كان لقرار الرئيس هادي في احتضان الموظفين النازحين وظيفيا قبل عدة سنوات أثر بالغ في التخفيف من معاناتهم.. شعروا يومها أن ثمة دولة تجبر الكسر وتقيل العثرة وتفتح الدروب المغلقة وتوفر لمواطنيها ولو بالحد الأدنى شروط العيش الكريم. يومها كان مصطلح (النازحون) توصيفا وظيفيا لحالة وقتية برزت بقوة في مناطق الشرعية. . لا بد من وضع ملفها على طاولة الحكومة حتى تقدم لها المعالجات الكفيلة لدمجها في المجتمع الوظيفي بأقرب وقت ممكن بحيث يصبح لها حقوقها وواجباتها الطبيعية. هذا ما كان مؤملا.. لكن أيد خفية داخل الحكومات الشرعية المتعاقبة عملت بكل ما وسعها الجهد في تعطيل هذا الملف وإبقاء النازحين شريحة مستثناة خارج النسق الوظيفي. تنتهب حقوقها يوما بعد آخر وبأدوار متمالئة بين مؤسسات حكومية عدة أبرزها وزارتا الخدمة المدنية والمالية اللتان تقودان حربا ضروسا لا هوادة فيها ضد الموظفين (النازحين). وكأن النزوح من خوارم الولاء ونواقص الوطنية.
كانت أول جريمة في حق من استوعب وظيفيا من هذه الشريحة حرمانهم من العلاوات الوظيفية فظلوا ساكنين بذات الدرجة وعلى ذات الأجر ثم في مرحلة تالية حرموا من الزيادات المتتالية التي حصل عليها كافة موظفي الدولة ثم في مرحلة ثالثة بدأت الحكومة في تأخير رواتبهم شهرا ثم شهرين ثم استحلت حكاية التأخير حتى وصل بها الحال إلى ثمانية أشهر وهي مدة قابلة للزيادة مادامت عقلية الانتقاص من حقوق الموظفين النازحين قائمة وتؤتي ثمارها المرة يوما بعد آخر.
الجديد في الأمر أن سلالا غذائية وزعتها جهات محسوبة على الشرعية على الموظفين الحكوميين في بعض المناطق.. حرم منها النازحون لا لشيء إلا لأنهم نازحون.. وهكذا أصبح النازحون يتامى لا عائل لهم يتعاضد الجميع على لف الحبل حول رقابهم ولم يعد أمامهم إلا الموت البطيء في انتظار وطن لم تبزغ شمسه بعد.
والأمرُّ من هذا كله أن هذه الممارسات اللامسئولة من قبل الجهات المسئولة قد انعكست على المجتمع نظرة دونية للنازحين وانتقاصا من حقوقهم والتعامل معهم على أنهم شرذمة مغضوب عليها ومتاح العبث بها والتنكيل بها. وقد بلغ الأمر في هذا أن غالبية المصارف المكلفة بتسليمهم أجزاء ضئيلة من مرتباتهم تعمد إلى تسليمهم إياها بأوراق نقدية متهالكة وبفئة المئة والمئتين.. هي عملة وطنية لا شك في ذلك.. لكن ألا يعد هذا السلوك الانتقائي من قبل هذه المصارف المتعالية التي تفرض نفسها دولة داخل الدولة انتقاصا في حق هؤلاء المساكين المقهورين.. الحالمين فقط بوطن يساوي بينهم وبين إخوانهم الموظفين في حلاوة العطاء ومرارة الحرمان؟؟
وإنه لحلم بسيط في وطن لم يعد فيه متسع لأحلام البسطاء.