فيا ترى: هل تمجيد الماضي بكل ما فيه من إضاءات أو إنطفاءات سيضعنا أمام تحديات العصر الحديث.. ومشارف مرحلة جديدة.. وعهد زاهر أم على عتبات مرحلة مجهولة الزمان والمكان والمستقبل..؟! فالعودة إلى الماضي دوماً مشحونة بالأين والحنين.. والأحداث النازفة.. والمواقف التراجيدية.. وكلنا نحنُّ إلى الماضي رغم طغيان الواقع.. وجيشان الحاضر.. بالرغم أن اجترار الماضي بكل ما فيه ليس سوى سويعات رحلت دون وداع.. لذا نجد الكثير من الناس يرتمون في أحضان الماضي هروباً من قسوة الحاضر.. وسادية الواقع.. أما الذين مزقتهم الحياة.. ماضياً وحاضراً لم يدركوا بعد أن عجزهم وقصورهم.. وانزواءهم هو سبب ما كانوا فيه.. فسرعان ما انتكست راياتهم.. وتلاشت أحلامهم.. وتبخرت آمالهم لاسيما أن الأيام سجال بين الناس وهذه من حكمة الله في خلقه ولذلك قال الله عز وجل: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران (140)].. ولنعلم جميعاً أن هلاك ودمار وزوال الأمم يكمن في الظلم وغياب العدل والمساواة بين البشر.. فإذا غاب العدل في أمة من الأمم وسادها الظلم والجور والفجور فعليها أن تنتظر عذاب السماء, ولذلك قال تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ) ([الأنبياء (11)].. وهذا شيء يسير من سنن الله في هذا الكون الواسع الشاسع.. فما تعيشه الأمة العربية والإسلامية اليوم من أوضاع مأساوية.. وفتن شعواء هو راجع أساساً إلى غياب العدل.. والصراع بين الحق والباطل صراعاً سرمدياً لا ينتهي حتى يرث الله الأرض ومن عليها.. فإيقافها يفسد حركة الكون والحياة.. وتحريكها يصلحها ويعلو من شأنها.. فهي معركة أزلية قد يكون ظاهرها الشر.. ولكن في جوهرها ومضمونها الخير والعدل والنصر.. لذا لابد أن نعترف أن للزمن إيقاعا مغايراً.. ووجوهاً شتى.. ومسارات متعددة.. فالزمن لن يتوقف إلا بزوال هذا الكوكب.. أما الذين يزعمون أن الزمن وليد الأصوات المخنوقة.. والمشاعر المكبولة لم يدركوا بعد أن موازين القوى غير مستقرة.. ودائماً ما تكون بين التأرجح بحسب مجريات الأحداث.. وفيضان المستجدات.. وهكذا يظل الهاربون من التاريخ إلى الاحتماء بجدار الماضي.. زاعمين أن مظلة الماضي ستقيهم حرارة الشمس.. وزمهرير الشتاء القارس.. ويبقى الماضي فاعلاً ومؤثراً في حاضرنا.. ومتحكماً في توجهاتنا شئنا أم أبينا..!!