شرع الرئيس الثالث للجمهورية العربية اليمنية إبراهيم محمد الحمدي خلال فترة حكمه القصيرة التي لم تتجاوز 42 شهرا في استعادة الدولة المنهوبة , والمختزلة في أشخاص نافذين من القوى القبلية المتخلفة كانت تشكل في حينه مراكز نفوذ وقوى انتهازية مصلحية فرضت وصايتها على الثورة والجمهورية وكانت تمثل دولة داخل الدولة. ً وباشر الحمدي مشروعه الوطني في إعادة البناء المؤسسي للدولة اليمنية الحديثة وبدأ بإزاحة تلك العناصر الطفيلية النافذة وتنحيتهم وإقصائهم من مناصبهم. وتبنت حركة 13 يونيو التصحيحية التي قادها في العام 1974 م القيام بالمهام المناطة برجالها وعناصرها الذين أختارهم بعناية لإحداث التغيير المنشود والقضاء على الفساد ورموزه بضربات استباقية مباشرة استهدفتهم كمنظومة وسلوك وثقافة وممارسات منحرفة وأعاد نوعا من الإعتبار والهيبة للدولة المصادرة ووظيفتها الوطنية والحضارية والخدمية في بضع شهور.ولاقت خطوات الحمدي التصحيحية تأييدا ومباركة شعبية وارتياحا جماهيريا غير مسبوق بإعتبار أن ماقام به الرجل يمثل خطوة في الإتجاه الصحيح ومبادرة كان من البد والواجب القيام بها وإن تأخرت بعض الوقت . في حين أن حركة الحمدي التصحيحية وخطواته الإصلاحية لاقت في المقابل لدى التيار المناهض والمناوئ لها من تلك القوى التي تضررت مصالحها رفضا وعداء كبيرين حتى دفع الحمدي في النهاية حياته ثمنا لما قام به كرجل دولة ومخلص ومنقذ لليمن واليمنيين مما أبتليا به من بلاء عظيم تمثل بتلك القوى الفاسدة ومراكز النفوذ المصلحية التي شكلت ولا زالت تشكل حجر عثرة تحول دون الوصول إلى بناء دولة حقيقية أو نجاح أي مشروع وطني وحضاري تحديثي وتقدمي يصب في هذا الإتجاه ويلبي متطلبات وطموحات أبناء الشعب اليمني في أن ينعموا بحياة حرة كريمة في ظل حكم.رشيد ودولة عادلة يسود فيها النظام والقانون الجميع بلا استثناء . وقبل مجيئ الحمدي إلى السلطة في شمال اليمن عبر حركة 13 يونيو التصحيحية التي أطاحت بسلفه الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني كان عدد من رموز وزعماء القوى القبلية اليمنية التقليدية يتصدرون المشهد السياسي في البلاد ويسيطرون على مفاصل الدولة ويتحكمون في كل كبيرة وصغيرة بل ويعتبرون الدولة مغنما واقطاعية حازوها بالفهلوة والمحسوبية وفرض سلطة الأمر الواقع وتجدهم يتبوأون أرفع المناصب في دولة الفوضى والإضطراب التي كانوا يمثلونها ويعتبرون رجالها ورموزها وقد ارتأى الحمدي ضرورة تنحيتهم وإبعادهم واستعادة الدولة منهم .وفي مستهل فترة حكمه القصيرة التي لم تتجاوز الثلاث سنوات تخلص من مراكز القوى والنفوذ القبلية وابعدهم بل أقصاهم من مناصبهم وولى بدلا عنهم رجال من ذوي الكفاءة والإختصاص وتبنى في الوقت نفسه سلسلة من الإجراءات الإصلاحية المتزامنة لمكامن الإختلالات الإدارية والمالية في جهاز الدولة وأعلن في ذات الوقت حرب شعواء على الفساد ورموزه في كل مؤسسات الدولة والحكومة ووفر واستعاد لخزينة الدولة الخاوية في بضع شهور في العام الأول من حكمه ملايين الريالات وانعكست خطواته الإصلاحية العملية ايجابا على حياة المواطن العادي ونعم بقسط من رغد العيش والأمان والطمأنينة على متطلباته الحياتية والخدمية . وتبنى الحمدي أيضا خلال فترة حكمه خطة خمسية طويلة الأمد أعتمدت تنفيذ حزمة من المشاريع الرائدة في المجالين التنموي والخدمي وفي مقدمتها مشاريع الصحة والتعليم والزراعة والري والصناعة والإسكان وغيرها . وأنجزت في عهد الحمدي جملة من المشاريع التي كانت قبله تعد من المستحيلات والبعيد الذي لايطال .والأهم من ذلك أن شهد عهد الحمدي وهو عهد فريد ومتميز في عهود رؤساء الجمهوريات الذين حكموا اليمن نجاح تجربة الحركة التعاونية وهي تجربة يمنية حميرية قديمة أدخلت عليها تعديلات تناسب العصر تولت تنفيذ وإنجاز جملة من المشاريع الخدمية والتنموية بمشاركة ومساهمة مجتمعية واسعة وكبيرة على مستوى كل منطقة في اليمن.واشتركت الحركة التعاونية الرائدة هذه مع الدولة جنبا إلى جنب في إعادة رسم وترتيب وبناء الواقع اليمني المعاش بل وتغييره إلى الأفضل والأحسن وأتاحت للدولة والمواطن فرصة تحقيق وانجاز مشروعات التعليم والصحة والري والزراعة في معظم مناطق البلاد النائية بتمويل مشترك . وكان لهذه الحركة التعاونية أثرها الإيجابي الملموس في حياة الناس من السكان المحليين في ريف اليمن خاصة وقد حققت هذه الحركة ماعجزت عنه تحقيقه حكومات تعاقبت في تولي زمام المسؤولية في اليمن في عهود سابقة. ولم يكتف الحمدي بما تحقق وبالمستويات التي وصلت إليها البلاد والدولة في عهده بل إن طموحاته تتجاوز وتتعدى وتفوق ذلك إلى ماهو أفضل وأكبر وأكثر وأعظم من كل ماتحقق وكانت لدى الرجل مزيد من الأفكار الخلاقة ولأنه صاحب قضية ومشروع وطني وحضاري نبيل أعم وأشمل فقد أطلق العنان لنفسه ولجهوده المخلصة ليحقق المزيد مما يحلم به أبناء شعبه وإن أغضب منه قوى خارجية وداخلية معادية تتربص به وتكيل له ولمشروعه الوطني والحضاري الدسائس والمؤمرات بيد أنه لم يتجمجم ويفتر حماسه يوما وهو يبني ويشيد يمنه الجديد الذي كان يحلم به ومعه الملايين من أبناء شعبه ووطنه حتى اللحظات الأخيرة ليوم استشهاده واستهداف حياته من قبل قوى التآمر والعمالة المرتهنة للخارج غداة اليوم الذي كان فيه متوجها إلى جنوب الوطن لإنجاز وتوقيع مشروع اتفاقية الوحدة اليمنية مع رفيق دربه وشريكه في الهم الوطني الواحد الرئيس سالم ربيع علي رحمهما الله !..