ونحن نحتفل بالعيد السابع لثورة 21 سبتمبر المجيدة التي تعتبر أول ثورة في الجزيرة العربية والخليج قامت بإرادة شعبية من أجل إحداث التغيير وتصحيح المسار الوطني والدفاع عن سيادة اليمن وحريته واستقلاله وذلك بخلاف كل الثورات التي سبقتها وكانت تعتمد على الدعم والتدخل الخارجي فتفقد هويتها الوطنية تماما وفي هذه المناسبة العظيمة لا بد أن نذكر بأن الشيء الذي لا يختلف عليه اثنان ولا ينكره إلا جاحد يتمثل في أن ثورة 21 سبتمبر الشعبية قد قضت على الاستبداد وأنهت الهيمنة السياسية الى الأبد لاسيما بعد سقوط مراكز النفوذ وتحالف القوى التي كانت تتحكم في مركز القرار السياسي اليمني سواء كانت قيادات سياسية وعسكرية أو وجاهات اجتماعية ومشيخية وهو ما يؤكد ان الفترة القادمة ستشهد حكما مختلفا تماما يعكس بالدرجة الأولى الارادة الشعبية التي تم تغييبها خلال العقود الماضية وسيكون من الصعب على أي طرف سياسي بعينه ان يحكم بمفرده حتى لو كان هذا الطرف قد حصل على ثقة الشعب عبر صندوق الانتخابات لسبب بسيط وهو ان الشعب اليمني قد اكتوى بنار الاستبداد والتسلط السياسي وتزييف ارادته والتحدث باسمها وعليه نؤكد ان الشراكة الوطنية التي أرستها ثورة 21 سبتمبر الشعبية يوم قيامها ممثلة في اتفاق السلم والشراكة ووقعت عليه آنذاك كل القوى السياسية بما في ذلك الرئيس الفار المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي ثم انقلبت على الاتفاق تلبية لرغبة الخارج قد دعت اليها لتشكل المدخل المناسب لتحمل المسؤولية وترجمة ارادة الشعب اليمني من خلالها وهي التي ستكون السائدة خصوصا بعد ان تم كسر حاجز الخوف لدى اليمنيين والقضاء على مشروع التوريث الذي كان يعد له كل طرف يصل إلى سدة السلطة او حتى يقترب منها. وبالرغم من التوجه الوطني الواضح لثورة 21 سبتمبر كحركة ثورية وطنية إلا ان المفلسين الذين تبلدت أفكارهم وتحجر وعيهم لم يستوعبوا بعد ما جاءت به من أهداف وطنية فحاولوا تشويه مسيرتها النضالية من خلال زعمهم ان ثورة 21 سبتمبر هي عبارة عن انقلاب وتريد ترجع النظام الإمامي ، ونحن نقول لهؤلا : إذا كانت هذه الثورة الشعبية التي تعتبر أنبل وأطهر ما انتجته التربة اليمنية وهدفها الأساس هو تحرير اليمن وقرارها السياسي من الوصاية الخارجية وبناء دولة وطنية حديثة تتسع للجميع تشارك في بنائها كل القوى الوطنية وتعتمد على ذاتها فهذا في حد ذاته كافيا ليكون فخرا للإمامة التي تتشدقون بها وأفضل بكثير من جمهورية ارتمت في حضن عدوها الذي حاربها منذ أول يوم تأسست فيه وسمحت له ليحكم اليمن بالنيابة عنها ويتحكم بمصير شعب بأكمله ولم يبق لها سوى النشيد والعلم لتتغزل به.. وخير مثال وبرهان أن الذين يطالبون اليوم بهذا النوع من الجمهوريات هم يقبعون في حضن نظام ملكي سلالي عفن عاصمته الرياض أفقد شعبه هويته الوطنية وجعله ينتسب إلى الأسرة السعودية التي تحكمه ، وهناك جزء من هؤلاء سلموا الجنوب بأكمله لحكام مشيخة الإمارات ليحتلونه ويقتلون أبناءه بل ويتسابقون على تأجير موانئه وجزره وكأنها ملك خالصا لهم اشتروها بحر مالهم ولذلك فقد ثار الشعب في الجنوب وما تشهده المحافظات الجنوبية والشرقية من تذمر ومظاهرات حاليا تطالب بخروج الاحتلال إلا دليل على عدم رضاء أبناء المحافظات الجنوبية على ما تقوم به قياداتهم السياسية من تصرفات غير وطنية وارتماء في حضن المحتل ، ألا يستحي هؤلاء من التشكيك في وطنية من يضحون بأنفسهم من أجل الدفاع عن وطنهم وعن سيادته واستقلاله وإعادة اعتباره وكرامته إليه اللذين سلبا منه بفعل تصرفات العملاء والمرتزقة الذين لا هم لهم إلا عبادة الأموال المدنسة ، وعجزوا خلال أكثر من نصف قرن عن بناء دولة حقيقية يتمتع أبناؤها في ظلها بكامل حقوقهم المشروعة بل لقد قادهم فشلهم وعجزهم للاستعانة بعدو خارجي ليغزوا اليمن ويحتله ويقتل أبناءه ويدمر بنيته التحتية ويعتبرون ذلك إنجازا في نظرهم يهللون له ويصفقون بحسب ما تعودون وتربوا عليه. إن آخر شيء كنا نتصوّره- نحن اليمنيين- قبل قيام ثورة 21 سبتمبر الشعبية التي قلبت الموازين وأعادت تشكيل الوعي الوطني أن يصل بنا العجز والإفلاس في بناء دولة وطنية قوية وحديثة إلى درجة تخويف أنفسنا من الماضي والترويج له بخبث وأن الأئمة والسلاطين عائدون إلى حكم اليمن وذلك تغطية على عجزنا وتضليل الجيل الجديد الذي لا يعرف عن حكم الأئمة والسلاطين والاستعمار شيئاً بعد مرور ستة عقود على زوالهما بقيام ثورتي ( سبتمبر وأكتوبر ) المجيدتين فهل يعني ما نردده ونذكّر الناس به خاصة هذه الأيام من قبل الذين يشككون في المرحلة الحالية أن النظام الجمهوري هش وغير ثابتة أركانه وأن بالإمكان القضاء عليه وإسقاطه ببساطة وبمجرد إطلاق شائعة هنا أو هناك ؟ ومن المفارقات العجيبة أن الذين يروجون مثل هذه الشائعات يصدقونها ويتعاملون معها إعلامياً وكأنها حقيقة واقعة ونعتقد أن ترويج مثل هذه الإطروحات ستجعل من الجيل الجديد الذي عاش في ظل النظام الجمهوري ولا يعرف غيره يعود إلى الماضي ويكتشف كيف كان آباؤه وأجداده يعيشون في ظل دولة كانت لها هيبتها وكانت في عز ضعفها قوية بشهادة قادة جمهوريين كبار وينعمون بالأمن والأمان بغض النظر عن الوضع المعيشي حينها حيث لم تكن توجد فروقات كبيرة بين دول المنطقة في تلك الفترة بينما هذا الجيل يعيش اليوم في ظل فوضى إدارية وأمنية وقتل وذبح للإنسان اليمني وحدوث فتن طائفية ومذهبية وحزبية في كل مكان حتى كاد المواطن اليمني يشكّل أرخص الأشياء في هذا البلد . إلى متى سنظل نضحك على بعضنا برفع الشعارات الجوفاء ودغدغة عواطف العامة بها بهدف كسب ثقتهم أو على الأقل تحييدهم حتى لا يقومون بمواجهة العدوان الخارجي على بلدهم ويقفون ضد الفساد ورعاته وضد القوى التقليدية والكروت المحروقة التي لا تزال تحلم بإدخال الشعب في متاهات لانهاية لها بحكم ما تمتلكه من خبرة طويلة في الدجل والتضليل اكتسبتها من ماضيها السيئ وتشغله بقضايا جانبية حتى لا يدافع عن حقوقه المشروعة.