آخر شيء كنا نتصوّره كيمنيين أن يصل بنا العجز والإفلاس في بناء دولة وطنية قوية وحديثة الى درجة تخويف أنفسنا من الماضي والترويج بخبث أن الائمة والسلاطين عائدون إلى حكم اليمن وذلك تغطية على عجزنا وتضليل الجيل الجديد الذي لا يعرف عن حكم الأئمة والسلاطين والاستعمار شيئاً بعد مرور أكثر من نصف قرن على زوالهما بقيام ثورتي (سبتمبر واكتوبر) المجيدتين.. فهل يعني مانردده ونذكّر الناس به أن النظام الجمهوري هش وغير ثابت أركانه وأن بالامكان القضاء عليه وإسقاطه ببساطة وبمجرد إطلاق شائعة هنا أو هناك؟. ومن المفارقات العجيبة أن الذين يروجون مثل هذه الشائعات يصدقونها ويتعاملون معها إعلامياً وكأنها حقيقة واقعة.. ونعتقد ان ترويج مثل هذه الأطروحات ستجعل من الجيل الجديد الذي عاش في ظل النظام الجمهوري ولا يعرف غيره يعود إلى الماضي ويكتشف كيف كان آباؤه وأجداده يعيشون في ظل شبه دولة وينعمون بالأمن والأمان بغض النظر عن الوضع المعيشي حينها حيث لم تكن توجد فروقات كبيرة بين دول المنطقة بينما هذا الجيل يعيش اليوم في ظل فوضى إدارية وأمنية وقتل وذبح للانسان اليمني وحدوث فتن طائفية ومذهبية وحزبية في كل مكان حتى كاد المواطن اليمني يشكّل أرخص الأشياء في هذا البلد وهو مايؤكد قول الشاعر الكبير عبدالله البردوني رحمه الله في قصيدته الحبل العقيم: نبطن العقم كالجنين ليرقى.. فوقنا كي نعود فيه الجنينا فنرى البؤس آكلاً وأكيلاً وترى العقم ساجنا وسجينا أي فرق مابين ذاك وهذا؟.. ذا هزيلٌ وذاك يبدو سمينا إنها قمة المأساة أن نصل إلى هذا المستوى من التفكير وأن نتعامل مع قضايانا ومعالجة مشاكلنا التي يتم ترحيلها أولاً فأولاً بهذا النهج غير المسؤول.. وعندما تتراكم قضايانا وتزداد تعقيداً يصعب حلها.. وهروباً من تحمل المسؤولية نفتح باب الدعاية المضللة لإشغال الرأي العام بها لا سيما وأن الشعب اليمني ينطلق في تفكيره من عاطفته وليس من عقله، فيصدق كل ما يُقال له ويتفاعل معه.. والمصيبة الأكبر إنه يتم الضحك عليه حتى من قبل البلهاء والأفاكين وحواة السياسة كما سبق وأشرنا إليه في مقال الأسبوع الماضي. إلى متى سنظل نضحك على بعضنا برفع الشعارات الجوفاء ودغدغة عواطف العامة بها بهدف كسب ثقتهم أو على الأقل تحييدهم حتى لا يقوموا بانتفاضة شعبية ضد الفساد ورعاته وضد القوى التقليدية والكروت المحروقة التي لا تزال تتحكّم في مصير الشعب اليمني وتحلم بإدخاله في متاهات لانهاية لها بحكم ما تمتلكه من خبرة طويلة في الدجل والتضليل اكتسبتها من ماضيها السيء وتشغله بقضايا جانبية حتى لا يخوض في الحديث عن هؤلاء والدفاع عن حقوقه المشروعة وكشف الظلم والاستبداد الذي يُمارس عليه من قبل الفاسدين الذين يعتبرون بقاءهم ووجودهم الدائم في السلطة معركة بالنسبة لهم حياة أو موتاً. ولذلك فإنهم سيلجأون إلى مختلف الأساليب من أجل التمسك بالسلطة وعدم التفريط فيها شاء الشعب اليمني أم أبى.. بدليل أن سماعهم الحديث عن قرب انتهاء اللجنة الدستورية من صياغة الدستور الاتحادي الجديد ترتعد له فرائصهم خاصة تلك القوى التي فقدت بسبب غياب حكمتها في التصرف مساحة كبيرة من خارطتها الانتخابية على الأرض وكانت تعتمد في السابق على دعم الرئيس السابق علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام في الوقوف إلى جانبها قبل أن تختلف معهما على قسمة الكعكة ففرق هذا الاختلاف بينهما.. ولأن الانتهاء من صياغة الدستور الاتحادي وإنزاله إلى الشعب ليقول كلمته فيه حيث بعد ذلك سيتم على أساس موقفه من الدستور والموافقة عليه بدء الاجراءات الجدية لبناء الدولة الاتحادية الحديثة المكونة من ستة أقاليم والتي عجزنا عن بنائها خلال أكثر من نصف قرن رغم الفرص التي تهيأت لليمنيين وما أكثرها في الشمال والجنوب قبل إعادة تحقيق الوحدة أو بعدها.. وخاصة عندما آلت الأمور بالكامل بعد حرب 1994م إلى يد الرئيس السابق علي عبدالله صالح ومنح صلاحيات دستورية لا ينازعه فيها أحد تخوّله - لو حسنت النية - إلى العمل على تحقيق أهداف الشعب اليمني التي كان يتطلع إلى تحقيقها منذ أمد بعيد.. ولكن لأن الغرور ركب رأسه فقد آ على نفسه إلا أن يدير الحكم خلال فترته الطويلة بالأزمات والتحويلات على حساب بناء دولة نظام وقانون مع إنه كان يتصرف بصلاحيات حكم موسعة ليس كملك وحسب وإنما كإمبراطور جميع كل خيوط السلطة كانت بيده ولم تكن المؤسسات مثل مجلس النواب ومجلس الشورى ومجلس الوزراء وما يتبعها إلا عبارة عن مؤسسات شكلية يتباهى بها أمام العالم ليقولوا عنه إنه ديمقراطي.. والكل يعلم إن مجلس الوزراء لم يكن يستطيع أن يتخذ قراراً واحداً أثناء اجتماعه الأسبوعي إلا بعد أن تأتي إليه التوجيهات من القائد والزعيم التي ترشده إلى مايجب اتخاذه من قرارات وهو ماجعل المؤسسات الحكومية تسير عقب ماتم الاصطلاح عليه بثورة الشباب التي تم الالتفاف عليها من قبل القوى نفسها التي قام عليها الشباب بالثورة على النهج لأنه لم يورث نظاماً وقانوناً بقدر ماورث ثقافة الفيد، وعليه فإن مجلس الوزراء يجتمع كل أسبوع لا ليناقش قضايا الشعب والوطن وإنما ليناقش قضايا الأحزاب المشاركة في هذه الحكومة وتوزيع نسبة التقاسم والمحاصصة في المناصب والوظائف.. وهذا يطرح أكثر من علامة استفهام حول من يمثّل الشعب في هذه الحكومة؟! [email protected]