ممَّا أثار -مؤخرًا- سخرية المواطن العربي المنقاد لأنظمةٍ حاكمة تدير شؤونه -لسوء الحظ- وفق أجنداتٍ ترسم في أروقة «البيت الأبيض» أنَّ القمة العربية ال34 التي انعقدت -يوم أمسٍ الأول- في العاصمة العراقية «بغداد» قد أنهت كافة جلساتها المفرطة في القصر بين فريضتي «الظهر» و«العصر»، بعد مناقشة قضايا تستعصي على الحصر. بيان ختامي معلب ينم عن عجز مركب من نعم الله على الأمة في هذه المرحلة الحساسة والمهمة أنها تحكم بأنظمةٍ وحكام يقدرون قيمة الوقت ويستغلونه أفضل استغلال، فينجزون ما يوكل إليهم من مهام -لا سيما تلك المتعلقة بالقضايا المصيرية التي ستترك أبلغ الأثر في ذاكرة الأجيال- في أوقاتٍ قياسية وبأسرع ما يتيحه لهم المجال من درجات الاستعجال، وقد دفعهم حرصهم على استغلال الوقت إلى الانفضاض من جلسات القمة الباعثة نتائجها على الإسعاد بعد سويعاتٍ معدوداتٍ من لحظة الانعقاد. وقد لجأ المؤتمرون -في سبيل تحقيق ذلك المأرب- إلى الاستعاضة عن صياغة بيانٍ ختاميٍّ حديثٍ ومواكب بنصوص «بيانٍ ختاميٍّ معَّلب»، ومن المؤكد أنها ستفي بالغرض، لأنَّ نصوص البيانات الختامية للقمم العربية -بما فيها القمم الطارئة- ذات عبارات إنشائية فضفاضة وذات صور جمالية خيالية ومحسنات بديعية تجعلها بعيدةً كل البعد عن همومنا السياسية والمجتمعية الواقعية، يحسبها القارئ -لكثرة ما يعتمد في صياغتها من التواءات حبلى بالنبوءات، الأمر الذي يجعلها بيانات لا محدودة الصلاحيات وصالحةً لكل الأوقات الماضي والراهن منها والآت. وقد تعاطى البيان -بكل تأكيد- مع ما يُرتكب في حقِّ أطفال «غزة» من مجازر -على مدى سنةٍ و7 أشهر- بما تعاطت به البيانات السابقة من عبارات الاستنكار والإدانة والشجب والتنديد، وبما يعكس عجز أنظمتنا العربية التام عن نصرة أبناء «فلسطين» العظماء الذين رووا التراب الفلسطيني على مدى 77 عاما -ذودًا عن «المسجد الأقصى»- بأنهارٍ من الدماء، بل وعجزها عن إغاثة أطفال «قطاع غزة» حتى بكسرة خبزٍ أو شربة ماء. انصباب همّ عباس على سلاح حماس ولأنَّ «قضية فلسطين» أجدر القضايا العربية والإسلامية بالهيمنة على أجواء القمة وبالاستحواذ على اهتمام المؤتمرين بل وباهتمام كافة العرب والمسلمين، كون الشعب الفلسطيني -لا سيما في «قطاع غزة» المحاصر- يتعرض -منذ 19 شهرًا أو أكثر- لمجازر ليس لها مثيل في التأريخ المعاصر، فقد استعد المؤتمرون وجميع من حضر جلسات المؤتمر بكل ما حباهم الله من حواس لاستيعاب كلمة «البرنس» محمود عباس، باعتباره الرئيس الحالي ل«منظمة التحرير الفلسطينية» والرئيس الحالي لما يسمى «السلطة الوطنية الفلسطينية» والرئيس الحالي ل«حركة فتح» ذات التأريخ النضالي العريق، ظنًّا منهم أنَّ كلمة هذا التسعيني ستختزل معاناة كافة أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق اختزالًا لا تشوبهُ شائبة تمييز أو تفريق، وأنَّ أول طلبٍ سيتقدم به إلى أعضاء المؤتمر هو العمل على إيقاف ما يتعرض له شعبه الفلسطيني المناضل والصابر من مجازر أنتجت -لكثرتها- أزمة أكفانٍ وأزمة مقابر. بيد أنَّ محتوى كلمة هذا الرئيس الإمَّعة مثَّلَ لأعضاء مؤتمر القمة وللوفود المجتمعة مفاجأةً صادمة غير متوقعة، فقد انحصر معظم همَّ هذا العميل الفاقد للحدِّ الأدنى من الإحساس الأشد استخفافًا بحياة الناس بنزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وليس أدلّ على ذلك من استهلال بنود كلمته ذات المدلولات العمالية بالفقرة النصية التالية: (يجب تمكين دولة فلسطين من تولي مسؤوليتها بغزة، وعلى حماس وجميع الفصائل تسليم السلاح للسلطة الفلسطينية). وفي هذا الطلب المفرط في الأنانية تأكيد تماهيه المعهود مع «الكيان الصهيوني» الذي يعتمد على سلطته التي تُنعت ب«الوطنية» -بصورة دائمة- في التجسس على المقاومين الفلسطينيين وإفشال ما أمكن إفشاله من عملياتٍ مقاومة. اضطلاع «سانشيز» بموقف مشرف لعل أفضل ما قيل في القمة المذكورة أعلاه وكان محتواه أكثر لفتًا للانتباه طرح «بيدرو سانشيز» رئيس الوزراء الإسباني الذي تقدَّم إلى مؤتمر القمة العربية -بالرغم من كونه مسؤولًا حكوميًّا محسوبًا على القارة الأوروبية- بمداخلةٍ ذات منطقٍ صادق ومضامين شديدة الوضوح في مناصرة «فلسطين»، أشير إلى أهم مضامينها في سياق تقرير إخباري تحليلي بعنوان [بمشاركةٍ دولية: قمة بغداد تدعو لوقف حرب غزة ودعم الحلول السياسية في سوريا والسودان] نشره موقع «راديو مونت كارلو» في ال17 من مايو الحالي بما يلي: (دعا رئيس الوزراء الإسباني «بيدرو سانشيز» -في مداخلته خلال القمة العربية- إلى "مضاعفة الضغط على إسرائيل" لوقف الهجمات على غزة. وأشار «سانشيز» إلى أنَّ أكثر من 50 ألف فلسطيني قتلوا خلال الهجمات الإسرائيلية، وأعلن أنَّ بلاده تعد مشروع قرارٍ في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمطالبة إسرائيل بوقف هجماتها وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة. وشدد «سانشيز» على أنَّ بلاده "ستبذل كل ما في وسعها خلال اجتماع مجموعة «مدريد» لوقف الحرب على غزة وبناء سلام دائم"، مؤكدًا وجوب إنهاء "الكارثة الإنسانية في غزة على الفور"، وأضاف أنَّ إسبانيا ستقوم بالضغط على إسرائيل بكل الوسائل التي يتيحها القانون الدولي). فكان «سانشيز» بوقوفه هذا الموقف المشرف والرصين عربيًّا أكثر من بعض العرب بل فلسطينيًّا أكثر من بعض الفلسطينيين).