منذ اللحظات الأولى التي أعقبت عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023 ضد العصابات الصهيونية المارقة، برز اليمن ضمن دول محور المقاومة، داعمًا ومساندًا للشعب الفلسطيني عسكريًا، بخوض غمار معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، محققًا نجاحات وانتصارات غير مسبوقة في جولات الصراع مع كيان العدو الصهيوني الغاصب. ناصر الخذري كان موقف اليمن التاريخي على المستويين العسكري والشعبي، وأيضًا السياسي، واضحًا دون مواربة. ولم تقتصر العمليات العسكرية اليمنية على الفعل وردة الفعل، بل خاض حربًا مفتوحة مع كيان العدو الصهيوني وداعميه، وعلى رأسهم أمريكا، فتوسّع مسرح العمليات القتالية ليشمل المسطحات المائية من المحيط الهندي شرقًا، مرورًا بالبحرين العربي والأحمر، وخليج عدن، وباب المندب الذي أُغلق تمامًا أمام الملاحة الصهيونية ووصولا إلى البحر المتوسط . وسطرت قواتنا المسلحة، وهي تخوض معركة إسناد الطوفان، ملاحم بطولية أجبرت المارينز الأمريكي وحاملات الطائرات الأمريكية على مغادرة مياه اليمن الإقليمية، وأيضًا منطقة الشرق الأوسط. قائد ميداني استثنائي في هذه المعركة الهجومية الأولى في تاريخ العرب ضد العصابات الصهيونية، برز كثير من القادة المخلصين في قواتنا المسلحة، وعلى رأسهم رئيس هيئة الأركان العامة اللواء الركن محمد عبدالكريم الغماري، القائد الميداني الذي دوّخ العصابات الصهيونية وأرعبها بخططه العملياتية التي أشرف عليها، وكان لها الأثر الكبير في تكبيد العدو خسائر كبيرة في مياه البحر الأحمر وفي عمق المناطق الفلسطينيةالمحتلة. من جبهة إلى أخرى، ومن موقع إلى موقع، قضى القائد الغماري مسيرة حياته الجهادية يتفقد المرابطين ويشرف على سير العمليات القتالية بنفسه، راسمًا بذلك مسار المواجهة مع قادة المناطق العسكرية، وخطط خوض معركة الدفاع عن السيادة الوطنية وإسناد الشعب الفلسطيني ضد كيان العدو الصهيوني وداعميه الأمريكان. وبخبرته العسكرية الواسعة ومشاركته في جبهات الدفاع عن الوطن لأكثر من عقد ونيف، استطاع اللواء الغماري أن يضع بصماته الواضحة في القوات المسلحة في مجالات التدريب والتأهيل والتسليح. عرفه الجميع فارسًا لا يهاب الموت، قضى جل وقته بين المجاهدين قريبًا منهم، يتلمس همومهم، يضع لهم الخطط، ويشاركهم في تنفيذها في ميادين القتال، إلى جانب متابعته لكافة المهام العملياتية المسندة لمختلف صنوف القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية. رعب يلاحق العدو الدور الجهادي الكبير للقائد الغماري أوجع العدو الصهيوني وأصابه في مقتل، وأفشل مخططاته الهادفة إلى الحد من عمليات قواتنا المسلحة المساندة للمقاومة الفلسطينية، مما ضاعف الخسائر والهزائم المتوالية التي أعادت كيان العدو إلى نقطة الصفر، وبات في مأزق كبير أمام استمرار الضربات القادمة من اليمن، التي حولت ليل تل أبيب والمناطق الفلسطينيةالمحتلة إلى كابوس رعب يلاحق حكومة وجيش العدو والمستوطنين الصهاينة. وأمام الفشل الاستراتيجي، بدأ كيان العدو بالتخطيط لعمليات اغتيال القادة في محور المقاومة، التي طالت قادة في كتائب القسام والجهاد، وأيضًا قادة في حزب الله وإيران، وصولًا إلى اليمن، حيث طالت رئيس حكومة التغيير والبناء وعددًا من أعضاء الحكومة، إلى جانب العملية الغادرة والجبانة التي طالت اللواء محمد عبدالكريم الغماري، ليرتقي شهيدًا خالدًا على طريق القدس، ويلحق بركب كوكبة من الشهداء القادة في فلسطين، أمثال القائد يحيى السنوار ومحمد الضيف وغيرهم من القادة العسكريين الميدانيين لتتجسد بذلك قوة الترابط العميق بين معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، وبين معركة طوفان الأقصى، التي امتزجت فيها دماء المجاهدين اليمنيين مع دماء إخوانهم المجاهدين من أبناء شعب فلسطين المحاصر في قطاع غزة، في معركة تاريخية تعمدت بالدماء الطاهرة للقادة والجنود على حد سواء. غاية وهدف ومهما يكن فإن عملية الاغتيال الصهيونية الغادرة والجبانة التي طالت رئيس أركان الجيش اليمني اللواء الغماري ونجله الشاب حسين وعددا من مرافقيه لا تمثل إنجازًا عسكريًا للعدو الصهيوني كما يتوهم، ولا انتصارًا .. لأن القوات المسلحة اليمنية تزخر بالكثير من القادة الأبطال الذين يحملون الراية قائدًا تلو قائد، تجمعهم غاية وهدف أسمى هو الجهاد في سبيل الله حتى تحقيق النصر أو نيل الشهادة. وهذا ما يغفله العدو الجبان، فالمسار الجهادي مستمر، وهو هدف وغاية كل مؤمن نذر حياته للجهاد في سبيل الله للدفاع عن مقدسات المسلمين ونصرة المستضعفين. اللواء الغماري واحد من القادة العظام الذين خسرناهم، نعم، لكننا نفتخر به وبمآثره التي سطرها في مختلف ميادين وجبهات قتال الأعداء، حتى لقي الله شهيدًا خالدًا في أقدس معركة يواجه فيها الحق صلف وظلم وظلام الصهيونية التي تعبث بدماء إخوة لنا في قطاع غزة، وتدنس مسرى الرسول وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين (المسجد الأقصى المبارك). ستظل راية الجهاد مرفوعة، ولن تنال من معنويات وإرادة أبطال القوات المسلحة اليمنية، قادة وضباطًا وجنودًا، العصابات الصهيونية مهما أمعنت في سفك الدماء، ومهما اغتالت من القادة، فاليمن مصنع الرجال الصناديد، أولي القوة والبأس الشديد الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم بقوله: "عبادًا لنا أولي بأسٍ شديد" . عظمة التضحيات في اليمنوفلسطين، امتزجت دماء القادة والجنود والمواطنين أيضًا في أقدس معركة، وهم يواجهون الصليبيين الجدد، أعداء الإنسانية والإسلام (الصهاينة). فدماء الشهداء، قادة ومرؤوسين، ستظل الوقود الذي يشعل جذوة المقاومة، وتضيء الدروب للأجيال القادمة لتحذو حذوهم وتسير على خطاهم لمواجهة كيان العدو الصهيوني، الذي لن يحقق أيًا من أهدافه مهما اغتال من قادة المقاومة، سواء في فلسطين أو اليمن أو أي من دول محور المقاومة المساندة لشعب فلسطين. فالمقاومة لن تموت، لأنها فكرة، والفكرة لا تموت، بل تتوسع وتزداد قوة وفتوة كلما مر الزمن، وكلما أوغل العدو في سفك الدماء. فكم من قادة المقاومة اغتال المحتلون منذ أكثر من قرن ونيف من الزمن، منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين وحتى اليوم، وكم من القادة ارتقوا، وجذوة المقاومة تزداد اشتعالًا وتوهجًا. فالقضايا المصيرية لا تموت، بل تبقى حيّة في قلوب الأحرار جيلًا بعد جيل، حتى تتحقق الأهداف والغايات في تحرير أرض فلسطين من دنس الصهاينة الغاصبين، ويتطهر المسجد الأقصى المبارك من رجس اليهود والعملاء. واجب ديني وإنساني سيظل يمن الإيمان والحكمة حاضرًا في ساعة العسرة، لن ترهبه اغتيالات القادة أو استهداف الأعيان المدنية، بل ستشعل فيه العزيمة والإرادة بشكل أكبر، ليواصل الدفاع عن سيادته، ويساهم في إسناد شعب فلسطين في إطار الواجب الديني والإنساني والأخلاقي، الذي يحتم عليه القيام بواجب جهاد الأعداء حتى يكتب الله النصر، مهما بلغت التضحيات. دعائم قوية في اليمن، ارتقى الرئيس صالح الصماد شهيدًا، وسار على نهجه قادة في الحكومة وفي القوات المسلحة، من أبرزهم القائد الميداني رئيس هيئة الأركان العامة اللواء الركن محمد الغماري، الذي سيظل حاضرًا بما أرساه من دعائم قوية في مفاصل القوات المسلحة، مثل التصنيع الحربي الذي يفاجئ العدو قبل الصديق بأسلحة نوعية متطورة، لأجيال من الصواريخ الفرط صوتية (فلسطين 2) ذات الرأس الحربي الواحد والانشطارية متعددة الرؤوس، والطائرات المسيّرة من طراز "صماد" بأنواعها التي وصلت إلى الجيل الرابع، و"يافا" وغيرها من الطائرات والصواريخ، التي حتمًا ستحمل اسم اللواء الغماري، ليظل هذا الاسم رعبًا يلاحق العدو أينما حل وأينما ظل. وسام الشهادة اللواء الغماري، في مسيرته الجهادية، برز قائدًا ميدانيًا منذ وقت مبكر، وقدم مواقف بطولية خالدة، ثبت وصبر وجاهد محتسبًا الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى. لم تغره الحياة الدنيا بمتاعها الزائل، ولم يرضخ لشهوات النفس وحب السلطة بل قضى أغلب وقته بعد تسنّمه رئاسة أركان الجيش في ميادين وجبهات القتال، يدافع عن وطنه ويسهم في نصرة القضية الفلسطينية، حتى نال وسام الشهادة بعد أن خاض صولات وجولات ألحقت بالأعداء خسائر كبيرة، جعلت فرائصهم ترتعد كلما ذُكر اسم هذا القائد البطل، الذي سيظل خالدًا في سفر التاريخ العسكري لليمن، وفي وجدان ونفوس أبناء الشعب وكل أحرار الأمة العربية والإسلامية. المجد والخلود للقائد اللواء الركن محمد عبدالكريم الغماري ولكل الشهداء، والشفاء للجرحى، والنصر لليمن وفلسطين، والخزي والعار للعصابات الصهيونية المارقة وداعميها الأمريكان، ولا نامت أعين الجبناء.