المتغيّرات الدولية تتسارع باتجاهات خطرة، فروسيا تواصل إعلانها عن أسلحة في البحر والبر والجو تستخدم الطاقة النووية ويمكنها البقاء لفترات طويلة وتحميلها رؤوساً نووية، وأمريكا تعلن من آسيا على لسان رئيسيها أنها ستعود للتجارب النووية ولا ندري إنْ كان المقصود أسلحة نووية جديدة أم مخزونها النووي، وأوروبا والغرب مُصِرُّون على التصعيد في المواجهة الأطلسية الروسية من أوكرانيا ويمدّدون المواجهة إلى البلطيق وبولندا وشرق أوروبا، والولايات المتحدة ليست بعيدة عن هذا ولا ينبغي أخْذ تصريحات ترامب حول وقْف الحرب على محمل الجد رغم لقاء ألاسكا مع بوتين، واللقاء المحتمَل في المجر والذي على ما يبدو أنه تم إلغاؤه.. ماذا يعني لنا كل هذا في المنطقة العربية والشرق الأوسط عموماً بالنظر إلى الأهمية الجيوسياسية التي جعلت من هذه المنطقة الأكثر سخونةً بعد أن اعتقد الأمريكي والصهيوني أن مشاريعهم في الهيمنة عبر إعادة رسم الخرائط وإقامة مملكة المجرم نتنياهو التلمودية التي على ما يبدو لن تمتد من النيل إلى الفرات بل ستتجاوز ذلك إلى المنطقة الإسلامية لاسيما الدول الكبرى التي تدخل في إطار الشرق الأوسط مثل تركيا وإيران وباكستان..؟! في الأسبوع الماضي تناولنا ما يجري في العالم والمنطقة وفقاً لمعطيات تطوَّرت خلال أيام، كلها تؤكد أن العالم في كُلّيَتِه بين خيارين، إما الذهاب إلى خيار انتحاري وقد تبدأ الأمور بغلطة أو تَراجُع أمريكا والغرب وتحالفاتهم في العالم وخاصةً في ما يُسمّونه الشرق الأوسط إلى القبول بنظام دولي يقوم على تعدُّد الأقطاب، وهذا يتطلب إنهاء التوحُّش الرأس مالي والهيمنة الأحادية وإدراك أن هذا العالم في ظل الثورة الرقمية أو أخذ الأمور إلى الدمار الكوني، وهذا خيار يستبعده العقل والمنطق والمصالح، ولكن على ما يبدو أن التوحُّش والغطرسة لم تعقل بعد، ولقاء ترامب والرئيس الصيني شي -رغم النغمة التفاؤلية- كان فاشلاً، والاتفاق المحدود لن يستمر إلا بوصول أمريكا والغرب إلى قناعة بأنهم ليسوا وحدهم في هذا العالم، ونظرية الحديقة والغابة العنصرية ستقود حضارتهم الاستعمارية إلى الانهيار بعد أن اكتشف العالم أن قِيَمها أخذت منحى انحطاطياً لم تعد تتقبلها البشرية بما فيها مجتمعاتهم.. هنا يمكننا القول إن التعبير المكثَّف في منطقتنا لهذا كله، المجرم نتنياهو والصهاينة هم تجسيد للتوحُّش العنصري الفاشي في أبشع مظاهره، ومع ذلك نجد النخبة الأمريكية التي صفَّقت طويلاً لخطاب نتنياهو في عهد بايدن، تؤكد أن كل ذلك سِمة عامة تمتد من هذا الكيان الوظيفي في ما يُسمى بالشرق الأوسط وحتى الدولة العُظمى التي تريد أن تحافظ وتعمّق هيمنتها الكونية، وهذا لا ترفضه فقط روسيا والصين وإيران وفنزويلا واليمن بل البشرية كلها.. في هذا السياق، يمكن فهم أهمية الاستقرار الإقليمي ودعوة اليمن إلى وقْف النظام السعودي والإماراتي عدوانهما المستمر على اليمن وتنفيذ الخطة المتفَّق عليها بوساطة عُمانية، والتي ماطلت السعودية في تطبيقها قبل طوفان الأقصى وخلال إسناد اليمن لغزة في مواجهة الإبادة الصهيونية وبعده، حيث تذرَّعت السعودية بوقْف هذا الإسناد ووقْف حصار إسرائيل من البحر الأحمر من قِبَل اليمن لتطبيق هذا الاتفاق، مع أننا ندرك أن السعودية تلعب معنا لعبة قديمة لن يصبر الشعب اليمني عليها طويلاً؛ ومن مصلحة الجميع السلام والاستقرار، لأن الرهان على الصهاينة والأمريكان كُلفته غالية على تلك الأنظمة التي منذ زمن طويل لا تعنيها مصلحة شعوبها بقدر ما تعنيها مصالح ومخططات الحُماة القُدامى والجُدد.. ويبقى الأمر لله في البداية والنهاية.