تتجدد جراح الأمة، وتتوالى فصول حكاية مؤلمة عنوانها: كرامة تُستباح ومقدسات تُهان. لقد باتت مشاهد تدنيس القرآن الكريم، والإساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، واقتحام المساجد، طعنات متتالية في جسد الأمة، تثير غضبًا سرعان ما يتبدد في زحام الصمت والتجاهل. من شوارع السويد والنرويج، حيث يُحرق المصحف الشريف تحت حماية الشرطة، إلى ساحات أوروبا التي شهدت تمزيقه على يد اليمين المتطرف، وصولًا إلى حادثة تكساس المروعة، حيث دُنّس بوضعه في فم خنزير؛ تتوالى هذه الأفعال الشنيعة، كاشفة عن عداء متجذر للإسلام، يتغذى على الكراهية، ويستهدف قدسية ما نؤمن به، في محاولة يائسة لإطفاء نور الله بأفواههم. ولم يسلم من سهام الحقد شخص النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أرسله الله رحمة للعالمين. فمن الرسوم الكاريكاتورية المسيئة في الدنمارك وفرنسا، إلى الأفلام التي تُحاك لتشويه صورته النقية، وتتوالى المحاولات البائسة لتجريد الأمة من قدوتها ومصدر إلهامها، وكأنهم يدركون أن ضرب الرمز هو أول خطوة في كسر الروح وتفتيت الهوية. وتأتي هذه الاعتداءات في وقت يُستباح فيه المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، حيث يتعرض لاقتحامات متكررة من قبل المستوطنين الصهاينة ومسؤوليهم الأنجاس، تحت حماية جنود الاحتلال. إنهم يعملون على هدم المساجد والمآذن، وطمس الهوية الإسلامية في القدس والضفة الغربية، في محاولة ممنهجة لسلب الأمة عزتها وكرامتها من جذورها. إن العدو لا يجرؤ على كل هذا إلا لأننا نحن من تراجعنا وتخاذلنا. تخلينا عن القرآن فهمًا وتطبيقًا، وعن الجهاد بمعناه الشامل، وعن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. صمتنا المطبق على دماء إخواننا في غزة ولبنان، واليمن وإيران وسوريا والعراق ، وتدنيس الأقصى، جعل العدو يطمئن إلى أن الأمة لن تتحرك، مهما بلغت الإهانة. لقد رهنا مصيرنا للتبعية، وخضعنا لابتزاز الغرب، فخافت معظم الأنظمة العربية من تصنيفات الإرهاب، وباعوا مبادئهم، وتبرأوا من هويتهم، خشية على استثماراتهم ومناصبهم. في معادلة ذل لا تليق بأمة الإسلام، فأصبحت كرامتنا مرهونة برضا واشنطن وعواصم الغرب. لكن من بين كل هؤلاء الجبناء الصامتين، برز الشعب اليمني وقائده كاستثناء نادر ومشرّف. فما إن صدرت الإساءات إلى القرآن الكريم على يد ذلك المسخ الكافر، حتى خرج قائد الثورة اليمنية ببيان إدانة صريح، داعيًا الشعب إلى التعبير عن غضبه ورفضه لهذه الجريمة البشعة. ولبّى اليمنيون النداء، فخرجوا بالملايين في مشهد مهيب، يهتف بالكرامة، ويستنكر الإهانة، ويؤكد أن المقدسات ليست محل مساومة. كان أبناء اليمن وحدهم من ملأوا الساحات، ورفعوا المصاحف فوق الرؤوس، وأعلنوا أن القرآن خط أحمر، وأن الإساءة إلى الدين لن تمر دون عقاب. في زمن الجُبن والصمت والخذلان، كان اليمنيون في طليعة المدافعين، سواء عن المقدسات الدينية أو عن إخوتهم المظلومين من المسلمين في غزة ولبنان، وهم بهذا يثبتون أن الأمة لا تزال تنبض، وأن الكرامة لا تزال تسكن القلوب التي لم تُدنّس بالخوف أو التبعية. وهنا علينا أن ندرك أن ما نواجهه هو صراع ديني حضاري وجودي عميق. فالغرب يرى في الإسلام تهديدًا لقيمه المادية، واليهود يرون في القرآن فضحًا لمؤامراتهم. وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿وَلَن تَرضىٰ عَنكَ اليَهودُ وَلَا النَّصارىٰ حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم﴾. هذا العداء متجذر في أعماق التاريخ، ويُدار بأدوات ناعمة وخشنة، هدفها الأسمى تفكيك الأمة وإضعافها، ومحو هويتها. وفي مواجهة هذا الواقع المرير، لابد من نهوض شامل، يبدأ من الوعي وينتهي بالفعل، من خلال: 1. العودة الصادقة إلى القرآن: فهمًا وتطبيقًا، لا تلاوة فقط، ليكون منهاج حياة ودستور أمة. 2. إحياء فريضة الجهاد بمفهومها الشامل: جهاد الكلمة، والفكر، والاقتصاد، والسلاح، والإعلام، لنُقدّم رؤيتنا، ونبني حضارتنا. 3. مقاطعة المعتدين: اقتصاديًا وثقافيًا، وإعلامياً وسياسياً ودعم البدائل الإسلامية، لنوصل رسالة واضحة أن كرامتنا ليست للمساومة. 4. الوحدة الإسلامية الحقيقية: تجاوز الخلافات، وبناء مشروع حضاري جامع، فالفرقة ضعف، والوحدة قوة. ما بين تدنيس المقدسات وتشويه الهوية، وبين الصمت الرسمي والتواطؤ الإعلامي الغربي، تتعرض الأمة لأشرس هجمة في تاريخها الحديث. لكن حين تعود إلى قرآنها، وتستعيد وحدتها، وتنهض بمشروعها الحضاري، ستفرض احترامها، وتستعيد مكانتها. ولنعلم أن الدفاع عن المقدسات واجب شرعي ومسؤولية تاريخية. يبدأ من الوعي، ويُترجم إلى فعل. فكرامة الأمة لا تُستعاد إلا بالعمل، والتضحية، والإيمان أن النصر وعدٌ إلهي لا يُخلف .