أنتج غلاء الأسعار الذي ضرب ميزانيات السعوديين أنماطا من السخرية والنكتة، اكتشفها السعوديون في أنفسهم من خلال ردود أفعالهم وتعليقاتهم على ما اعتقدوا أنه مهدد مباشر لرفاهيتهم، بعد أن وصل التضخم معدلات تاريخية لم تكن في حساباتهم. وعلى غير عادة السعوديين، اتجهوا إلى التعليقات الساخرة والنكتة لتهوين الطامة (غلاء الأسعار) التي نزلت بهم وتخفيف آثارها المحبطة على واقعهم، وكانت بداية ذلك بإطلاق حملة إعلامية مضادة لرفع أسعار الألبان. وتم استخدام الهاتف الجوال كوسيط إعلامي لإطلاق تلك الحملة التي توافقوا على تسميتها (خليها تخيس)، ويري مراقبون اقتصاديون أن الحملة نجحت في تخييس (إفساد) صلاحية ألبان الشركات السعودية وألحقت بها أضرارا كبيرة (لم تعلنها الشركات). وتطورت المعالجات الشعبية للتعامل مع رفع الأسعار والتضخم لتستخدم الشعر النبطي (العامي) الذي يجيده ويعشقه السعوديون للتندر من موجة الغلاء والإحباط الذي أصابهم بفعل هذه الموجة (التسونامية) التي كانت عالية حتى على معالجات الحكومة التي رفعت الرواتب 5%، غير أن الشكوك ساورت الكثيرين حول صفر يمين الخمسة مفقود في الموجة، ولكنهم سرعان ما فقدوا الأمل وعادوا إلى الشعر ليسليهم في مصابهم الجلل، وقد بدأت الهجمات الشعرية المضادة بمجاراة لقصيدة متسابق شاعر المليون ناصر الفراعنة (المرشح الأقرب لخطف اللقب) التي يقول فيها: ناقتي ياناقتي .. لارباع .. ولاسديس وصّليني لابتي من ورا هاك الطعوس حايل ٍ رابع سنّها من خيار العيس عيس خفها لادرهمت كنه بالنار محسوس في دجى خالي خلا لاحسيس ولانسيس تدوخك من شدة البرد طقطقة الضروس . فعارضه شاعر يحمل هموم المعيشة وزوجته بقصيدة عصماء يقول فيها : خمستي .. يا خمستي .. لا رباع و لا سديس زودوا لي راتبي وين أودّيها الفلوس؟! افرحي يا حرمتي وافطري فول وتميس وش لك أنتي باللحم والتمر ونشبة ضروس! قالت أرقد وانكتم يا مهايط يا تعيس آخر عهدي بالتمر واللحم وأنا عروس! وقد وجد السعوديون في جيرانهم من يواسيهم في حالتهم المعيشية، وأيضا من يشمت بهم فهذا شاعر إماراتي يصف الحال في دبي ويقارنه بحال السعودية في قصيدة يقول فيها: سر يمنا لدبي يا مرحبا الساع....... دبي تحفظ للبني ادم وقاره! لا تنتظر يا خوي تحسين الأوضاع.....ما أطولك ياليل( ن ) بعيد( ن ) نهاره! صارت مثل بدبي لا طاح بالقاع..... حظ الصبي قالوا بصدق العباره! حظك سعودي؟ ويه ياقل الأسناع..... لا فاد ربح ولا سلم من خساره! إيه بدل؟ هذي ثمن كيس نعناع..... حتى رواتبكم بدل ( للطراره )! ولكنه استثار حفيظة شاعر سعودي فانبرى له بالرد قائلا: من شاعر المليون ضاع الفتى ضاع ومثلك يحب يكون وسط الاثاره يامرحبا بالي ملك كل الابداع شاعر عليه الله باين وقاره من ديرة (ن) فيها الوحش قط ماجاع انا سعودي مذهبي دين مناع خادم لبيت الله ببسيط العباره ماجيت أدور عرض شاري وبياع والرزق عند اللي يرد الخساره لا بنتظر يا خوي تحسين الأوضاع ولاعيش مع هيفا ونانسي وساره ورد آخر على ذات القصيدة بقوله : احنا غدينا بين ناهب وطماع عيو علينا لانجيكم إعاره سارت مراكبنا بلا ريح و شراع والموج عالي ما نشوف المناره الرأي حنا ماخذينه بالاجماع محنا منللي رد فعله أثاره ياكل يدينه بأقرب الوقت لاجاع ولا نه شبع قيّل بجوف المغاره لاهو يتاجر ولامع الناس بياع ولاهو منلي وسط كبده مراره مرات طيعه يوم مرات لك طاع والمر هو و الحلو كله عطاره وللي يغره سلك ناعم ولماع بكره يشوف المهزله والمعاره . وعن هذه الحالات الشعرية الساخرة وانتشارها في التعبير عن الواقع تقول الاختصاصية الاجتماعية نهى اليوسف ل(العربية .نت) "تؤثر التغيرات الاقتصادية على الحالة الاجتماعية؛ لأنها تؤثر بشكل كبير على مزاج الفرد وتؤسس لأنماط ربما كانت محبطة، سواء في سلوكه الاجتماعي أم الاقتصادي وكيفية صرفه على نفسه أو أسرته". وزادت قائلة "وعندما لا توجد بدائل تمتص التغيرات السلبية فإن المعالجة الأكثر بروزا هي اللجوء إلى الترفيه عن النفس والترويح بالضحك من خلال التعليقات الساخرة أو النكتة، سواء كانت شعرا أم في إطار الحكايات والمواقف؛ لأنه في الواقع في مثل هذه الظروف توجد كثير من المفارقات التي تتسبب في حياكة النكتة وقولها، خاصة لأولئك الذين يملكون روح الدعابة، ويتقبل المجتمع ذلك للتخفيف عن نفسه، ولذلك لا غرابة في اتجاه الناس إلى النكتة والسخرية من الواقع؛ لأن ذلك ملاذ من الإحباط والاكتئاب". العربية نت