أعلن الفاتيكان ، نبأ وفاة، البابا يوحنا بولس الثانى، زعيم الكاثوليك فى العالم، بعد معاناة طويلة مع المرض. وقد أعلنت مصادر الفاتيكان نبأ الوفاة وسط حشد من مسيحى أوروبا يصل إلى 70 ألف من أتباعه..واستقبل الجموع خبر الوفاة بمنتهى الحزن والأسى، وتم انتزاع خاتم الباباوية من يد يوحنا بولس الثانى. وكانت وكالة "ناسا" الإيطالية قد قالت فى وقت سابق : إن قلب البابا قد توقف تماماً عن العمل. وكانت مصادر كنائسية بالفاتيكان، قد صرحت قبل ذلك : إن حالة البابا يوحنا بولس الثانى، خطيرة وسيئة للغاية وأنه كان يعانى من حالة حمى شديدة. وصرح الناطق الرسمى باسم الفاتيكان، جواكين نافارو فالس، بأن البابا يوحنا كان يفقد الوعى ثم يستفيق. وكان الكردينال الألماني، جوزف راتسينجر، عميد مجمع الكرادلة، قد أعلن في تصريحات أوردتها شبكة "سكاى إيطاليا" أن البابا : " كان يعلم انه يحتضر وألقى على تحية أخيرة عندما زرته صباح اليوم السبت". وكما أصبح معروفاً في أوساط الكاثوليك أسم الكاردينال الذي سيعلن من شرفة كنيسة القديس بطرس من سيخلف البابا يوحنا بولس الثاني على رأس الفاتيكان، إلا أن الغموض يحيط بمن سيحظى بإجماع مجمع الكرادلة بعد وفاة البابا. وكانت الوعكات الصحية المتتالية للبابا البولندى الأصل قد فتحت فى الآونة الأخيرة باب الخلافة على رأس الكنيسة الكاثوليكية على مصراعيه وأصبح كبار مسئولي الفاتيكان يناقشون الموضوع في وسائل الإعلام بعد أن كان ذلك في حكم المحظور قبل سنوات. وقد ظل موضوع الخلافة على رأس الفاتيكان في غاية التعقيد رغم الحالة الصحية للبابا في الأشهر الأخيرة . وقد بدأ المتتبعون لشئون الفاتيكان منذ أشهر في العد العكسي لنهاية حبرية بولس الثاني التي تعتبر ثالث أطول عهدة على رأس الكنيسة الكاثوليكية. وتبقى خلافة البابا مفتوحة على جميع الاحتمالات لغياب تجانس في وسط المجمع الانتخابي المكون من 120 كاردينالاً، مما يضطر المتتبعين لشئون الفاتيكان إلي تحاشي الخوض في ترجيح كفة هذا الأسم على ذلك ليصبح البابا ال265 في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. ولكن تشكيلة مجمع الكرادلة الحالي، الذي عينه بولس الثاني، تغلب عليها ما سماه المحلل الإيطالي المتخصص في شئون الفاتيكان جان كارلو زيزولا بالنزعة العالمية، إذ أن كرادلة دول العالم الثالث يمثلون نحو40% من المجمع أى ما مجموعه 54 كاردينالاً، وذلك أمام تراجع الكتلة الإيطالية (24 كاردينالاً) التى فقدت كرسى البابوية منذ أكثر من أربعة قرون. وفي ضوء هذه المعطيات يرى البعض أن البابا القادم قد يكون من خارج أوروبا وربما من أميركا اللاتينية ليكون ذلك اعترافاً ملموساً بكون نصف كاثوليك العالم من تلك المنطقة. وفي ظل هذا التوجه الثالثي في سيناريوهات خلافة البابا فإن كاثوليك أفريقيا وخاصة النيجيريين بدؤوا يحلمون ويحلمون من أجل أن يصعد من مجمع الكرادلة دخان أبيض ليعلن بابا أسود على رأس الكنيسة. ورغم أن المعطيات العددية لا تعطي للإيطاليين حظاً في إستلام زمام الفاتيكان الذي ضاع منهم مع البابا أدريانوس السادس(1522- 1523) فإن بروز أسماء كرادلة إيطاليين في تسيير دواليب الفاتيكان داخلياً وخارجياً تعطي بعض الأمل لعودة قيادة الفاتيكان إلي أياد إيطالية فوق أراض يعتبرها السائحون جزءا من روما. ويتم انتخاب البابا ضمن طقس خاص ، إذ أن الكرادلة المؤهلين لاختيار بابا جديد يدخلون اجتماعاً مغلقاً وينقطعون عن العالم حتى ينتخبوا من بينهم البابا الجديد. وفي غضون ذلك تكون ساحة القديس بطرس مكتظة بجماهير غفيرة تنتظر من سيكون "النائب" الجديد، ولا يستبعد أن تدخل القنوات التلفزيونية على الخط هذه المرة ليتابع العالم أجمع هذه العملية الانتخابية الفريدة من نوعها والضاربة في التاريخ. وبعد كل جولة يتصاعد دخان من مدخنة الشرفة التي تطل على الساحة فإذا لم يتم الاختيار يصعد دخان أسود وإذا تم الاختيار يصعد دخان أبيض، ويخرج بعد قليل عميد الكرادلة إلي شرفة كنسية القديس بطرس ويعلن أسم البابا الجديد. وقد فتح البابا منذ مدة باب خلافته على مصراعيه بعد أن كلف رسمياً الكاردينال الشيلي أرتور ميدينا إستيبيز بمهمة إعلان اسم من سيختاره مجمع الكرادلة بعده لكن الجميع ما زال ينتظر صوت الكاردينال الجديد . وبحسب دستور الفاتيكان الصادر في 1996، فإن القداس الديني الجنائزي عند وفاة البابا يجب أن يتم على مدى تسعة أيام على أن يتم الدفن ما بين اليوم الرابع واليوم السادس الذي يلي الوفاة. ويتوقع أن يدفن حسب العرف في كاتدرائية القديس بطرس إلا إذا حددت وصية الدفن مكانا آخر أو طريقة مغايرة. ويبدأ المجلس الرعوي البابوي وهو أعلى هيئة دينية كاثوليكية الإعداد لجنازة رسمية ودينية حسب الطقوس المسيحية المتبعة في مثل هذه الحالة، وسيشارك العديد من قادة العالم الجنازة التي ستنطلق من المقر الرسمي للبابا في الفاتيكان. وكانت حياة البابا تعرضت في السنوات الأخيرة لعدة انتكاسات صحية وقام بإجراء عدة عملية جراحية منها عملية أجريت أخيرا في القصبة الهوائية، كما أن إصابته بداء باركنسون (الشلل الرعاش) فاقم من حالته. ولعل أكبر إنجازات البابا هي الاضطلاع بدور كبير في القضاء على الشيوعية في شرقي أوروبا وتعزيز العلاقات المسيحية اليهودية، ودعم التبشير الكنسي. وكان البابا ووافق بصورة مفاجئة على عدد من التعيينات الكنسية أمس حيث عين 17 من الأساقفة وكبار الأساقفة الجدد, كما قبل استقالة ستة آخرين في خطوة اعتبرت علامة على دنو أجله. وقد تمكن يوحنا بولص الثاني الذي جاء للفاتيكان من خشبة المسرح من أن يظل طيلة أكثر من ربع قرن في واجهة الأحداث الدولية من خلال فتحه للكنيسة الكاثوليكة على العالم وبانخراطه المستمر في كبرى النقاشات المتعلقة بماضي وحاضر ومستقبل الإنسانية. لكن حضور بابا الفاتيكان يبقى أكثر قوة في حياة أتباع الكنيسة الكاثوليكية -باعتباره يستمد سلطته مباشرة من المسيح في نظرهم- لما يمثله من رمزية خلاصية وغفرانية ولكونه حول كنيستهم إلى فاعل ذي نفوذ قوي في الساحة الدولية. فإلى جانب الرسالة الروحية الخالصة التي كان يضطلع بها، دخل الرجل التاريخ بمساهمته الكبيرة في انهيار المعسكر الشيوعي وذلك من خلال مساندة الكنيسة ماديا ومعنويا لحركة" التضامن" العمالية البولندية التي عصفت بالنظام الشيوعي في البلاد لتسرع بالتالي بسقوط المعسكر بكامله. ولهذا لا يتردد البابا البولندي الأصل الذي رأى النور عام 1920 في اتهام الكتلة الشيوعية بتدبير محاولة اغتياله على يد شخص يدعى محمد علي آغا في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي. لكن التوجه الكوني لبابا واسمه الحقيقي كارول فويتيلا وهو البابا الأول غير الإيطالي منذ البابا أدريانوس السادس (1522- 1523)، اكتسب قوة أكثر من خلال تشجيعه الحوار بين الديانات عبر سلسلة من اللقاءات وفي التقريب بين الكنائس المسيحية. وسيحتفظ التاريخ ليوحنا بولص الثاني بكونه أول بابا في التاريخ تطأ قدماه مسجدا في بلد مسلم إذ تم ذلك أثناء زيارة البابا لسوريا في مايو/أيار 2001. وكان البابا قد زار عام 1986 المغرب وخرج عشرات الآلاف لاستقباله واستمعوا لخطاب ألقاه في أكبر ملعب لكرة القدم بالمملكة. وفي علاقاته مع اليهودية اعترف الفاتيكان بإسرائيل بشكل رسمي عام 1986 وزار في نفس العام كنيسا في روما مع كل ما يحمله ذلك الاعتراف وتلك الزيارة من أبعاد عقدية. وفي مراجعة كبيرة لماضي الكنيسة في شبه اعتراف بالخطيئة، فتح الفاتيكان عدة ملفات سوداء في تاريخ الكنيسة تشمل محاكم التفتيش والحروب الصليبية وتجارة العبيد وما يسمى محرقة اليهود. وإذا كانت العلاقات مع اليهود واليهودية تتجه نحو نوع من "التطبيع" بفعل الضغوط القوية للوبيات اليهودية التي توجهت بالشروع في فت ح ملفات الفاتيكان في عهد البابا بيوس الثاني عشر المتعلقة بمواقف الكنيسة مما تعرض له اليهود على يد ألمانيا النازية، فإن التوجه التكفيري لا يبدو أنه سيشمل الماضي الصليبي للكنيسة ومعاناة المسلمين مع محاكم التفتيش في إسبانيا في القرن الخامس عشر. في مقابل ذلك فإن البابا أبدى مواقف مناصرة للقضايا العربية وخاصة للقضية الفلسطينية حيث فتح لأول مرة أبواب حاضرة الفاتيكان عام 1981 للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وهاجم بشدة الجدار العازل الذي يبنيه الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وكان من أشد المعارضين لشن الحرب على العراق عام 2003. وعندما تولى يوحنا بولص الثاني مقاليد الكنيسة الكاثوليكية عام 1978 كان أصغر بابا في القرن العشرين حيث كان عمره آنذاك 58 عاما وجاء ذلك بعد ارتقاء سريع لسلم الكهنوت الكاثوليكي بعد أن أصبح كبير أساقفة كراكوف، رابع أكبر مدن بولندا. لم تكن المراحل الأولى من حياة كارول فويتيلا تحمل إرهاصات توليه قيادة الفاتيكان في يوم من الأيام إذ كان يحلم في أن يصبح ممثلا وكان في شبابه يهوى كرة القدم والتزلج وكان من عشاق المسرح. لكن الانعطافة الحاسمة في حياة فويتيلا كانت أثناء الاحتلال النازي إبان الحرب العالمية الثانية حيث درس علم اللاهوت سرا لبعض الوقت ثم نصب قسا عام 1946 وارتقى سلم الكهانة حتى أصبح كبير أساقفة عام 1964 ثم كاردينالا عام 1967. وخلال توليه للبابوية جاب يوحنا بولص الثاني العالم 27 مرة زار خلالها أكثر من 100 دولة وحول الفاتيكان لآلة لإنتاج القديسين حيث تم في عهده أكبر عدد من عمليات التقديس و"التطويب". لكن مهمة يوحنا، الذي يصارع المرض منذ سنوات، لم تكن رحلة استجمام في عالم سريع التطور والتحول في جميع الميادين ومتشابك العلائق والمصالح حيث أن عددا من آرائه في بعض أوجه الحياة المعاصرة كالطلاق ومنع الحمل والإجهاض أثارت جدلا حادا في العالم شمل حتى بعض الأوساط الكاثوليكية.