بدأ اليوم بالعاصمة الدانماركية كوبنهاغن أضخم قمة عالمية للمناخ تهدف لإبرام اتفاقية دولية لمواجهة التغير المناخي والحد من ظاهرة الانحباس الحراري وجمع مليارات الدولارات للدول الفقيرة، في شكل مساعدات وتكنولوجيا نظيفة. ويجتمع نحو 15 ألف مشارك من 192 بلدا بهذه القمة التي تتواصل حتى ال18 من الشهر الجاري، وتختتم بحضور 105 من زعماء العالم من بينهم الرئيس الأميركي باراك أوباما والهندي مانموهان سينغ. وأثار هذا الحضور والتعهدات للحد من الانبعاثات الغازية من قبل أكبر الدول المتسببة فيها بقيادة الصين والولاياتالمتحدة وروسيا والهند، آمال التوصل لاتفاق بعد مفاوضات متعثرة العامين الماضيين وأضافت جنوب أفريقيا زخما جديدا عشية الحدث، إذ تعهدت الأحد بخفض انبعاثاتها من الكربون ب34% أدنى من المستويات المتوقعة عام 2020 إذا قدمت الدول الغنية المساعدة المالية والتكنولوجية. وتسعى القمة إلى لتوصل لاتفاق أكثر شمولا وصرامة وملزما قانونا لتوسيع بروتوكول كيوتو للحد من الانحباس الحراري أو الحلول محله حيث تنتهي المرحلة الأولى منه عام2012. كما يتعين التغلب على انعدام الثقة بين الدول الغنية والفقيرة بشأن تقاسم عبء الحد من الغازات. وقال رئيس أمانة لجنة الأممالمتحدة المعنية بالتغير المناخي إيفو دي بوير "كوبنهاغن نقطة تحول بالفعل في الاستجابة الدولية لتغير المناخ". من جهته أكد المدير التنفيذي لبرنامج البيئة الأممي آشيم ستاينر أن كوبنهاغن ستكون المحطة الأخيرة لمسار المفاوضات حول البيئة متوقعا الخروج باتفاق. وقال بهذا الخصوص "إلى من يعتقدون أن اتفاقا في كوبنهاغن أمر مستحيل، أقول ببساطة إنهم مخطئون فهذا مؤتمر عالمي تشارك فيه مائة دولة، إنه لقاء لاستكمال مسار مفاوضات دامت أكثر من عامين". وفي سياق التوعية بأهمية القمة وإنجاحها، نشرت اليوم 56 صحيفة ناطقة بعشرين لغة عبر العالم افتتاحية موحدة تدعو الزعماء لاتخاذ إجراءات عملية للتصدي للتغير المناخي خلال القمة. وقالت أكبر الصحف العالمية على غرار لوموند الفرنسية ولاريبوبليكا الإيطالية وغلف تايمز القطرية وميامي هيرالد الأميركية بصوت واحد "ندعو المشاركين بالقمة لعدم التردد وعدم الوقوع في الخلافات وعدم رمي المسؤولية على الآخرين والتحرك لإنقاذ الأرض". وفي السياق نفسه أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أنه يعتقد أن قمة كوبنهاغن ستفضي إلى «اتفاق توقع عليه كافة الدول» الأعضاء في الأممالمتحدة. وقال بان في حديث لصحيفة «برلينغسكي تيديندي» الدنماركية: «إني متفائل بشأن كوبنهاغن. سنتوصل إلى اتفاق وأعتقد أنه سيوقع من قبل كافة الدول الأعضاء في الأممالمتحدة وستكون قمة تاريخية». وأضاف «نتمتع بالروح السياسية المناسبة. اتفق جميع رؤساء الدول والحكومات على هدف مكافحة ظاهرة الاحتباس. الآن علينا أن نتفق على طريقة تطبيقه. ستسير الأمور بشكل جيد». وتابع أن «قمة كوبنهاغن هي الفرصة المناسبة للتفاوض حول ما نعرفه» داعيا إلى «عدم هدر الوقت لأن كافة الحكومات في العالم متفقة على أن متوسط درجات الحرارة يجب ألا تزيد على درجتين مئويتين». وللضغط على المندوبين، تجري آلاف المنظمات غير الحكومية استعداداتها على قدم وساق في العاصمة الدنماركية، إذ تمركز خبراؤها في مقر المؤتمر وبات ناشطوها مستعدين لتنفيذ بعض التحركات المدهشة. ورست سفينة «اركتيك صنرايز» التابعة لمنظمة «غرينبيس»، أمس، قبالة البرلمان الدنماركي ورفعت يافطة كتب عليها «مناخنا، مستقبلنا، قرارنا». وفي موازاة القمة سيقام منتدى بديل يشارك فيه نحو 10 آلاف شخص قرب المحطة المركزية، حيث سيقدم ضحايا التقلبات المناخية في بنغلاديش ونيجيريا وغرينلاند شهادات عن معاناتهم بسبب الخلل نتيجة ارتفاع الحرارة 0.8 درجة مئوية خلال قرن. وهذا الحدث التاريخي الذي سيحاط بإجراءات أمنية مشددة مع انتشار أكثر من نصف عدد قوات الشرطة الدنماركية، أي ستة آلاف على الأقل، ويمكن رفع درجة التأهب إلى 85%. ويبدو أن هدف القمة الحد من ارتفاع معدل درجات الحرارة بدرجتين مئويتين، غير واقعي نظرا إلى التزامات الجهات الرئيسة في المفاوضات. وأكدت دراسة نشرتها منظمة «كلايمت أناليتيكس» الألمانية العلمية غير الحكومية، أول من أمس، أنه في الإطار الحالي للمفاوضات، نتجه إلى زيادة درجة حرارة الأرض بثلاث درجات ونصف درجة بحلول نهاية القرن. والثمن الذي يتوجب دفعه سيتمثل في تراجع محاصيل الحبوب وانقراض عدد كبير من الأنواع الحية وارتفاع مستوى المحيطات والهجرة القسرية لمئات ملايين الأشخاص الذين يفرون من الفيضانات والجفاف. وتفاديا لهذا السيناريو يسعى اتفاق كوبنهاغن لتبني خفض كبير لانبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة باستخدام النفط والغاز والفحم الحجري وقسمها إلى النصف بحلول عام 2050 مقارنة مع 1990 بحسب علماء مجموعة الخبراء المفوضين من الأممالمتحدة. ويوصي هؤلاء بالسعي اعتبارا من 2020 إلى خفض ما بين 25 إلى 40% من انبعاثات الدول الصناعية. ومنذ تبني معاهدة الأممالمتحدة حول التقلبات المناخية في 1992 في ريو، ازدادت الانبعاثات العالمية ب 30%. وينتهي العمل ببروتوكول كيوتو في نهاية 2012. وكيوتو هي أول معاهدة دولية لخفض الانبعاثات العالمية التي تم تبنيها في 1997 ودخلت حيز التنفيذ في 2005. ولا بد من إيجاد أداة دولية جديدة لتمديد البروتوكول وخصوصا ترسيخ الجهود لمكافحة الاحتباس. وأظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه أمس أن قلق العالم إزاء التغير المناخي تراجع خلال العامين المنصرمين. وأبرز المسح الذي أجرته مؤسسة «نيلسن» لاستطلاعات الرأي وجامعة أكسفورد أن 37% من أكثر من 27 ألف مستخدم للإنترنت في 54 دولة قالوا إنهم «قلقون جدا» بشأن التغير المناخي انخفاضا من 41% في استطلاع مماثل قبل عامين. وقالت مؤسسة «نيلسن» عن الاستطلاع الذي أجري في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «انشغال العالم بالتغير المناخي يفتر». وربطت التراجع بالتباطؤ الاقتصادي العالمي. وفي الولاياتالمتحدة تراجع عدد من تشغلهم تلك القضية إلى 25% من 34%. وفي الصين، أكبر مصدر للانبعاثات الغازية، ارتفع عدد من يشغل بالهم التغير المناخي إلى 36% من 30%. وأوضح المسح أن القلق بلغ ذروته في أميركا اللاتينية ودول آسيا والمحيط الهادئ وعلى رأسها الفلبين التي ضربها الإعصار كيتسانا في سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث بلغت النسبة 78%. ولم يغط الاستطلاع معظم أفريقيا. وأنحت دول شرق أوروبا، وهي الأقل قلقا بشأن التغير المناخي، باللائمة على النشاط الإنساني في انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري جراء حرق الوقود الأحفوري. وجاءت استونيا في ذيل القائمة إذ قال 10% من سكانها فقط إنهم قلقون بشأن تلك الظاهرة. وتجري قمة كوبنهاغن وسط إجراءات أمنية مشددة. فقد أغلقت السلطات الطرق المحيطة بمركز «بيلا سنتر» الذي تعقد فيه الاجتماعات ويبعد نحو 7 كيلومترات من وسط العاصمة الدنماركية. وقطعت السلطات بعد ظهر أمس لفترة قصيرة الطرقات المؤدية إلى «بيلا سنتر»، بسبب الاشتباه في حقيبة متروكة حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية. وهذه الحقيبة، التي تبين لاحقا أنها غير مفخخة، دفعت بالأجهزة الأمنية إلى منع الانتقال من وإلى المركز لمدة نصف ساعة.