تحدثنا كتب التأريخ عن حركة طبعت بداية الالفية الثانية وهي حركة الحشاشين بقيادة حسن الصباح الذي ارهب العالم، ونحن على تخوم الالفية الثالثة يتحول العنف الاصولي الى عنف اسلامي، ولكن الاسلام، الذي عرف قبل ذلك تطرف الخوارج، كان قد انتج ايضاً عقلانية المعتزلة. لذا فإن الذين يقرنون الاسلام بالارهاب، لا يتأملون الاسباب التي تنتج اجتهاداً اسلامياً متسامحاً في فترة معينة، واستظهاراً لاهوتياً مغلقاً في فترة اخرى، حيث ان القراءة المتفحصة للمصادر القدسية للاسلام، وعلى رأسها القرآن، ترينا انه عندما أكد على حق محاربة الشر والظلم، فإن ذلك ليس من قبيل التدين بمعناه الضيق، فمبادئ اللاعنف هي الاقرب الى روح الدين المجرد، لذا فإن القران عندما أقر مبادئ القتال وأمر به في مواضع معينة، بدلاً من الرضوخ للظلم، فإنه لم يقر مبادئ دين مجرد او اخلاق، وانما كان يضع قواعد سياسية واجتماعية. لذا فإن العنف ليس نتاجاً سماوياً، بل هو نبت ارضي، وكأي نبت لا بد ان تتوافر له عوامل انبات، وسأركز على عامل واحد، بعد ان بدأ البعض يستبعد ويضعف من اولوية عوامل الانسحاق الاجتماعي والقمع والفقر، اذ ان القائمين بالعمليات، بات بعضهم يأتي من مناطق الوفرة المالية والتسامح السياسي، ومن طبقات متوسطة ومن ذوي التعليم المتقدم احياناً، لذا سأعود الى العامل الذي يراه الكثيرون اساساً وهو مشكلة قبول الاخر، حيث ان الكثيرين من الكتاب الغربيين بدأوا يطرحون ظاهرة «الغاء او تهميش الاخر» كأحد اهم الظواهر التي تسهم في تكريس وبلورة الارهاب في العالم، ويرون بأن تلك الظاهرة تنتشر في كثير من دول الجنوب وخاصة الدول العربية والاسلامية، ويتهمون الاسلام بأنه دين منغلق لا يسمح بالحوار، الامر الذي يدفع العديد من التيارات الشعبية المهمشة وقطاعات مختلفة من المجتمع، الى ممارسة النشاط الارهابي للرد على تلك الظاهرة. وفي المقابل، فإن كتابنا يذهبون في طرحهم الى أن المشكلة لا تكمن في غياب ظاهرة «احترام الاخر» في الاسلام، انه بعيد كل البعد عنها، بقدر ما تتعلق بطبيعة النظم السياسية الحاكمة في بعض البلدان، النظم التي تقبض بشدة على السلطة وتتبع وسائل القمع والارهاب ضد مواطنيها، وتمنعهم من حقوقهم ومنها الرأي والرأي الاخر، وهذا يفضي الى لجوء القوى المهمشة الى استخدام اساليب العنف والقوة للرد بالمثل. وايضاً يرون بأن «تهميش الاخر» هو من اهم سمات المجتمعات الغربية الديمقراطية. ففي الوقت الذي تمارس فيه تلك المجتمعات الديمقراطية في الداخل، ومنها احترام الاخر، تراها تنغلق على نفسها في الخارج وتعمل على تجاهل الاخر ان لم نقل الغائه، الامر الذي يثير حفيظة الاخر ويدفعه تجاه تبني سياسات عدوانية للرد على ذلك التهميش، ومن بين تلك السياسات ما سوف ينطوي حتماً وفي كثير من الاحيان على استخدام العنف او القوة. لو طبقنا عامل «الغاء الاخر» على القائمين بالعمليات الانتحارية في العراق تحديداً، والذين صعدوا من وتيرتها بشكل غير مسبوق، اذ تجاوزت العشرين خلال اقل من اسبوع، فكيف تهيأ هذا العدد من منفذي هذه العمليات، وكيف تم اقناعهم بطريقة الموت هذه، وبشرعية الاهداف التي يهاجمونها، هل هم نتاج ظاهرة «الغاء الاخر»، ام هم انفسهم يمارسونها، لكن الفرق هنا انهم لا يلغون الرأي الاخر بل يلغون الاخر من الوجود، وفي الوقت الذي تناقش فيه شعوب اخرى حق الموت الرحيم، فهذا البعض منا يمنع الاخر ليس من حق الحياة، وانما من حق الموت الطبيعي، فكيف عندئذ يتم البحث معهم في قبول او الغاء الاخر، وهل ان الغرب متجن علينا عندما يطالبنا بإصلاح مناهجنا؟ وهل ان الاصلاح السياسي والاجتماعي هو الذي يجب أن نبدأ به، ام البداية يجب ان تكون للديني لكي لا نعكس الاولويات. وهناك تحول المتقدمين الى مراكز التطوع للجيش والشرطة الى اهداف مفضلة للعمليات الانتحارية، فهل ينتقل الاشخاص من الايمان الى الكفر، بمجرد اصطفافهم للتطوع بحثاً عن لقمة العيش، واذا سلمنا جدلاً بأن الكافر يجب ان تستحل دماؤه، فإن جزءاً كبيراً من سكان الارض بلا اديان، فلماذا لا يكونون اهدافاً لهم؟ وهل هناك امة تنفق على مساجدها وعلى ائمتها لكي تكون مخرجاتها هذا التدمير وهذه العدمية. انهم نتاج طبيعي لذلك النوع من التثقيف المستمر والفتاوى الدينية. ربما هناك من يرد بأنهم حالات معزولة، يقبل هذا المنطق لو لم تكن هناك جماعات تتضامن معهم بالدعم المالي واللوجستي والايواء والدلالة والتغطية والمباركة الاعلامية والسكوت الديني. ففي الوقت الذي وقف الازهر، والذي ينظر اليه ليس كمؤسسة دينية مصرية، بل كمركز افتائي ومعنوي للعالم الاسلامي، فاعتبر مرتكبي الانفجارات الاخيرة في مصر (خفافيش الظلام، ويعملون على ارهاب المواطنين والنيل من امنهم واستقرارهم، وان اعمالهم تخريب تحرمه جميع الاديان السماوية والعقول الانسانية)، فإنه يصمت الى جانب باقي المراكز الافتائية امام موجات الموت اليومي لعشرات العراقيين، وهذا يثير سؤالاً مؤلماً ولكنه كبير، هل ان الحكم على الفعل وفقاً لهوية الضحية؟ وقد سبق ان ارسل الازهر الى طالبان وفداً يطلب منهم عدم تفجير تمثال بوذا، في حين لم يرسل من يحاول ان يثني هذه الجماعات من ان تفجر اماكن العبادة وتقتل المصلين، فهل تمثال بوذا اولى بالحماية ممن يشاركك في الاسلام ويختلف معك بالاجتهاد؟ " الشرق الأوسط" الواجب ان تتحد كل مراكز الافتاء في تحريم دم المسلم، بل الانسان الذي كرمه الله وجعله خليفته في الارض، وان لا تكتفي ببيانات الشجب والادانة، فهذه مفردات السياسيين، ومن هنا فالمكلف ينتظر فتاوى التحريم والتحليل في هذه القضايا، والا فقدت مثل تلك الهيئات مبررات وجودها.