لم يكن مكان التفجيرات الإرهابية الخسيسة التي استهدفت مدينة السلام شرم الشيخ هو وحده الملمح البارز في هذه الجريمة النكراء, إذ إن توقيتها هو الآخر يحمل معاني متعددة, فلقد وقعت هذه التفجيرات في يوم مصر الوطني الذي نحتفل فيه بثورة يوليو المجيدة, ومارس فيها الإرهابيون أسلوبهم القذر, وأعادوا به الإعلان عن كراهيتهم لمصر والمصريين, ونحن نعرف عداءهم لنا, وحربهم المعلنة والمكبوتة ضد سياستنا, والتي تزداد ضراوتها كلما عرفت مصر طريقها نحو التقدم, وسعت إلي أخذ مكانها الطبيعي بين دول العالم. وتكشف هذه الجريمة عن أن الإرهاب يعيش حالة من الانحسار والضعف في بلدنا, تزداد طرديا مع انتعاش الاقتصاد وحيوية السياسة المصرية, ويسعي يائسا إلي تعطيل كل ذلك, فلقد وقعت التفجيرات, ونحن نستعد لانتخابات رئاسية تكرس المعني الحقيقي للجمهورية, ذلك الهدف الغالي الذي نحققه بعد53 عاما علي قيام ثورة يوليو, والذي يكرس مبادئ المواطنة والمساواة بين المصريين أمام القانون باختيار الشعب لرئيسه عن طريق الاقتراع السري المباشر. ولقد جاءت الضربة الغادرة في الوقت الذي تتجه فيه مصر وأحزابها وقواها السياسية نحو هذا الهدف, وفي ظل مناخ يشير إلي إنتعاش نسبي في كل مجالات الاقتصاد وخاصة السياحة, ومايشكله ذلك من استقرار في سعر صرف الجنيه بالنسبة للعملات الأخري, وزيادة مواردنا النقدية من مجالات عديدة, أهمها التصدير وزيادة الانتاج من البترول, والغاز الطبيعي اللذين يشكلان رصيدين من الأرصدة القوية لاقتصاد متطور ينمو بزيادة الإنتاج الزراعي والصناعي مع ربطه بالأسواق الأوروبية والأمريكية والآسيوية عن طريق شبكة من الاتصالات والعلاقات الاقتصادية والسياسية القوية والاستراتيجية. وكل ذلك يهدد عرش الإرهاب لأنه يفتح آفاقا رحبة أمام المصريين للتقدم والتحديث, كما أن هذه العملية القذرة وقعت في وقت يشيد فيه الجميع بالدور المصري البارز لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني والعمل علي حشده خلف قيادته لمحاصرة التطرف والعدوان الإسرائيلي, وأيضا رفض الاحتلال الأمريكي للعراق, وكل مايشكل تهديدا للاستقرار الإقليمي والدولي. وقد جاء الرد المصري حاسما حيث حرص الرئيس حسني مبارك علي أن يكون موجودا بين شعبه ووسط السائحين في شرم الشيخ, ثم في الغردقة, ولاشك أن إدراك المصريين ووعيهم لأهداف الإرهابيين سوف يعمل علي محاصرة هذه الظاهرة البغيضة ومحاربتها بكل الأساليب والوسائل سياسيا وأمنيا وثقافيا, حتي نتخلص جميعا من آفاتها, وإننا في هذه اللحظة الأليمة التي نودع فيها الشهداء والضحايا, نذكر العالم بواجباته في أن مقاومة الإرهاب واستئصاله يحتاجان إلي تعاون عالمي بارز يوقف الحروب, ولايوسع الخلافات بين الثقافات والأديان. وعلينا في مصر أن نتكاتف ونتحد في إدارة العملية السياسية وننبذ أي لغة للعنف والفوضي, وأن نرتقي بالتنافس السياسي ونجعله نموذجا يحتذي به الآخرون, وأن نحتفظ بالقدرة والتطور والنمو والتغيير السياسي والاقتصادي في هذا المناخ الملئ بالصعوبات الداخلية والخارجية. وكما قلت في مقالي يوم الجمعة قبل الماضي فإن مصر تواصل عمليات الإصلاح والتغيير من منطلق وطني ولاتتأثر بأي عمليات إرهابية تحدث هنا أو هناك. وإذا كان الذين فجروا فندق غزالة بخليج نعمة ودمروا السوق التجارية بشرم الشيخ يريدون أن يوقفوا المصريين ويوقفوا عملية الإصلاح والنمو, فإن الرد المصري العملي والبسيط الذي نقوم به منذ الثمانينيات والتسعينيات, هو ألا نتوقف عن مقاومة الإرهابيين ومحاصرتهم, وأن نواصل العمل في كل المجالات, ونبذل مافي وسعنا لكشفهم أمام أنفسهم وأمام العالم, حتي نقضي تماما علي هذه الظاهرة القبيحة.