من الصعب أن يدرك الزائر لمدينة صنعاء القديمة لمعاني وأسرار فن العمارة اليمنية والأصعب منه أن يستطيع ذلك الزائر للمدينة أن يفك طلاسم والغاز التصاميم الهندسية لبيوت المدينة الساحرة..فما يمكن أن يقرأه الزائر بسهولة هو أنه وسط مدينة فائقة الجمال رائعة المنظر أنيقة المظهر وبالتأكيد سيرى أنه يتجول في أروقة متحف مفتوح - وكما قال عنها أحد المستثرقين الإنجليز " من قال لك أن هناك مدينة أجمل من صنعاء فلا تصدق " . هذه المدينة العريقة لا تكفي لوصفها والحديث عن جمالها وأسرار تصاميمها وبناؤها مجلدات فكل منزل فيها يروى تفاصيل مرحلة إبداع للإنسان اليمني وكل سوق فيها يحكي نهضة اقتصادية وحنكة تجارية عاشها الشعب اليمني ، جوامعها ومآذنها لها قصص أخرى ، كل شبر و حجر منها له تاريخ ومعنى، كل شي في مدينة صنعاء القديمة يتحدث عن عبقرية الإنسان اليمني في التعامل مع البيئة المحيطة به ليصنع منها أعجوبة تاريخية وإنسانية يبقى صداها على مر العصور.. ومن هنا سنحاول أن نرفع أعيننا قليلاً لنرى ذلك الجمال ونستمتع بذلك السحر ونحاول أن نخوض في عنصراً واحد من عناصر الجمال الطبيعي والساحر و ونقراء ما تنطق به بيوت صنعاء القديمة ونسجل ما جمعناه في زياراتنا المتكررة للمدينة القديمة ووتأملنا الطويل في أسرار البيت الصنعاني . ومن خلال هذا العرض القصير عن لهذا والذي مايزال الشاهد الحي على عمق وأصالة الحضارة اليمنية العريقة وذلك من حيث تصميمه المعماري والعوامل التي أثرت على هذا التصميم وأدت إلى الوصول إلى هذا الطراز من البناء بالإضافة إلى وظائف الفراغات الهامة في البيت والتي أعطته هوية مميزة وواضحة انفرد بها عن غيره من المبان ، ولقد اثبت هذا البناء منذ زمن طويل اصالته وقدرته على تلبية كافة احتياجات المجتمع والبيئة والسكان والناتجة عن عادات وتقاليد اجتماعية ومتطلبات بيئية ومناخية وكذا اثبت أيضا قدرته على التكيف مع ما يطرأ من تغيير وتجديد في البيئة المحيطة به. قبل الخوض في التحليل الوصفي للبيت الصنعاني من الداخل لا بدا ان نشير إلى بعض النقاط الهامة التي ستجعلنا على مقربة من بعض أسرار هذا البيت اليماني العتيق .. فالمدن اليمنية بصورة عامة ومنها مدنية صنعاء عبارة عن تجمعات من البيوت تبدأ من مركز كثيف نوعا ما وتتناقص هذه الكثافة تدريجيا باتجاه أطراف المدنية حيث يفصلها في العادة سور عن المزراع والوديان المحيطة بها من الخارج. ومن هنا يمكن القول ان البيت الصنعاني يمتاز بارتفاعة الكبير وطوابقة التي تترواح في المتوسط بين خمسة الى ثمانية طوابق ومخططها الخارجي يأخذ الشكل الرباعي وتبنى غرف الاستقبال"الديوان او المفرج" في الطوابق العلوية من البيت والتي دائما ما تزين واجهاتها بنقوش وزخارف جميلة ،ويختلف طول الديوان من بيت إلى آخر ويترواح طوله بين أربعة أمتار ونصف إلى سته أمتار ونصف،وكذا الغرف المخصصة للنوم تتراوح أطوالها من ثلاثة أمتار ونصف إلى خمسة أمتار وعرضها لا يزيد عن أربعة أمتار نتيجة لاستخدام الأخشاب المحلية في علمية تسقيف البيوت الصنعانية. وفي هذا البيت نجد ان مرافق الخدمات العامة والخاصة بساكني المنزل والضيوف كالحمامات والمطابخ والمخازن والدرج تتموضع في الجزء الشمالي من المبني وهذا يعد من أسرار وخفايا البيت الصنعاني. الطابق الارضي: يكون المدخل بارتفاع الطابق الأرضي وفي منتصف المبني وينقسم إلى قسمين الأول الطابق النصفي ويسمي ب"المسروق" لانه لا يستغل بالشكل المطلوب ولكن يأخذ مساحة واسعة من المبني دون فائدة تذكر ويحتوي الطابق الأرضي على الإسطبل "وهو مايعرف بأماكن الحيوانات "،بالإضافة إلى استخدامها كمخازن للأعلاف والحبوب والأدوات المنزلية ،كما ان في البيوت القريبة من الشارع تستثمر الواجة الأمامية لبناء دكاكين والمعاصر زيوت او غيره.. اما النصفي الآخر من الطابق الارضي يكون ارتفاع الفراغات فية صغير ويستعمل لخزن الحبوب بشكل اساسي في معظم البيوت. الطابق الأول: تم بناءه بحيث يكون مطلاً على المدخل الرئيسي ويتم الوصول إليه اما عن طريق الدرج الرئيسية او من باب يفتح عليه بواسطة درج خاص متفرع عن الدرج الرئيسي .. ويختلف في تصميمه وشكله فيمتاز بوجود حجرة كبيرة"صالة"يمكن منها الدخول إلى كافة الغرف في الطابق وتستخدم بالعادة كغرفة للطعام. الطابق الثاني: هذا الطابق عادة مشابه تماما للطابق الأول من حيث مساحته وعدد غرفه واستعمالاته ومظهرة العام، إلا ان اهم ما يميزه ان نوافذه تكون كبيراً نوعا ما وومنقوشة بالزخارف، ويبني المطبخ في أحيانا في هذا الطابق فوق المخزن الموجود في الطابق الأول وقد يكون بناء المطبخ والمخزن مستقل عن البناء الرئيسي للبيت كما في بعض البيوت والتي مازالت قائمة الى الآن . الطوابق العلوية قبل الطابق الأخير: وتخصص هذه الطوابق كغرف للنوم وغرف خاصة بالنساء وهي ولاتستخدم الا خلال النوم او الراحة إذا توجد هذه الغرف عادة في الطوابق العلوية من البيت الصنعاني , ويجدر الإشارة إلى ان غرف النساء تكون معزولة عن الغرف التي يجلس فيها الرجال. الطابق الأخير: ويحتوي على"المفرج" وهو عبارة عن مكان مخصص لاستقبال الضيوف والأصدقاء ويكون أعلى البيت وهو أفضل مكان من حيث المساحة والإطلالة وله نوافذ كثيرة وكبيرة من جميع الاتجاهات وله ملحقات خاصة به كالحمامات وموضع خلع الأحذية . المطبخ: يختلف مكانه من بيت إلى آخر وغالباً مايكون في الجهة الشمالية من المبني , ويزود المطبخ بمدخنة تسمى للتخلص من الدخان المتصاعد خلال عملية الطهي وصناعة الخبز , ويمكن . الحمامات: وتتألف من مرحاض حجري وموضع لغسل الملابس وإناء كبير , وقناه لنقل مياه الصرف الخارجي , وتقع الحمامات فوق بعضها البعض على ارتفاع الطوابق , مما يعني أن فتحة عمودية تمر خلال المراحيض السفلية , وهذه الفتحة عبارة عن علبة حجرية مخصصة من الخارج بحيث يبدو كجزء من جدران الحمام الداخلي وتنزل فتحة للتنظيف تفتح إلى خارج البيت . مطاحن الحبوب معظم البيوت الكبيرة في صنعاء القديمة لاتخلو من وجود عدد من المطاحن الحجرية لطحن وهرس الحبوب في أسفل البيت وتسمى طبقة المطاحن ,وقد اختفت كثيراً ولم تعد تمارس الا في بعض البيوت وخلال المناسبات . وتوجد غرفة خاصة للحبوب مقسمة إلى عدد من الفراغات الصغيرة مفصولة عن بعضها بقواطع يصل ارتفاعها إلى متر وتسمى "أحقُب" وهي خاصة بالحبوب كالبر والشعير والذرة وغيرها , وتفتح لها عدد من الفتحات الصغيرة للتهوية . *المراجع :البيت الصنعاني- مكتب الثقافة