آن الأوان لكي نسأل أيها الاسلاميون الأعزاء من هو حصان دونالد ترامب في الشرق الأوسط ... بنيامين نتنياهو أم رجب طيب اردوغان ؟ لا مجال للسؤال عن دور ذلك الملك الذي مهمته فقط أن يلعق بقايا الأطباق الفارغة ... كل ما يتفوه به الرئيس التركي , ولا يتعدى اللغو اللغوي , هو لتغطية الصفقة الخطيرة التي عقدت بين الوفد التركي والوفد الاسرائيلي في أذربيجان , والذي لا بد أن تظهر نتائجه تباعاً , ربما البداية من دمشق بالذات . تركيا واسرائيل في خندق واحد وفي طريق مشترك , هذا ما يفترض أن يعلمه الأتراك , ويعلمه كل من يتوجس مما يمكن أن ينتهي اليه جنون رئيس الحكومة الاسرائيلية , وحتى جنون دونالد ترامب . المعلومات التي حصلت عليها الاستخبارات الروسية , وكانت وراء تحذير فلاديمير بوتين , تؤكد أن الخلاف داخل مجلس الأمن القومي الأميركي يعود الى طرح ترامب مسألة استخدام الأسلحة النووية التكتيكية ضد ايران , وبعدما وضعت وكالة الاستخبارات المركزية بين يديه معطيات بالغة الحساسية , حيث لا مجال لاخضاع آيات الله الا باللجوء الى تلك الأسلحة . في هذه الحال , يضطر آية الله خامنئي الى تجرع كأس السم , كما تجرع آية الله خميني هذه الكأس , عندما اضطر للموافقة على وقف النار مع الرئيس صدام حسين (وقد أعلن ذلك للملأ) , بعدما فاجأته الضربات الصاروخية العراقية . ها هي ساعة الجحيم بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو الذي ما زال يراهن على اللجوء الى الرؤوس النووية اذ ما تمنعت الولاياتالمتحدة عن المشاركة في الحرب , ودون أن يبقى سراً أنه فوجئ بقوة الرد الصاروخي الايراني , وبالاصرار على المواجهة , بعدما كان يراهن على أن تكون الضربة الأولى المدخل الى السقوط المدوي للنظام , ليكتشف انه بات ينزلق , شيئاً فشيئاً , الى حرب استنزاف لايمكن له خوضها , وبعدما أظهرت حرب غزة , وبعد أكثر من 20 شهراً على احتدامها , مدى نقاط الضعف في القوة العسكرية الاسرائيلية , بالرغم من كل ذلك الدمار الأبوكاليبتي , وبالرغم من المذابح اليومية التي تفوق الخيال البشري , بعدما كان للكاتب البرتغالي خوسيه ساراماغو قد وصف خيال العالم الغربي بخيال القردة .. لنتذكر أنه عندما فكر ترامب , خلال ولايته الأولى , بضرب كوريا الشمالية نووياً , كونها "القنبلة في خاصرتنا على الباسيفيك" , أعلن الجنرال جون هايتن , قائد القوات الاستراتيجية الذي يمسك بمفاتيح الغرفة النووية , رفض أي أمر من الرئيس اذا ما كانت المصلحة العليا للدولة لا تقتضي ذلك . النتيجة أن دونالد ترامب وكيم جونغ أون ما لبثا أن ظهرا معاً في صورة واحدة وضاحكة . مستشاره السابق , وأحد كبار مؤيديه , ستيف بانون قال له "لا ترتكب خطأ جورج دبليو بوش , وتضرب رأسك بالصخور" . هل نراه يرتكب ذلك الخطأ القاتل , وبذريعة واهية , بل وساذجة , بل وخادعة , أي البرنامج النووي الايراني , أم نراه في صورة واحدة , وضاحكة , مع آية الله خامنئي الذي نعتقد أنه جاهز لاستقباله ساعة يشاء . هوذا السؤال الذي يطرح داخل الدولة العميقة في الولاياتالمتحدة , "أي مصلحة لبلادنا في التبني الأعمى للسياسات العسكرية الاسرائيلية , بعدما اظهرت التطورات أنها فقدت اي دور تكتيكي , أو استراتيجي , لها بسقوطها بين الرمال والدماء في غزة؟" . حتى أن المعلقين الاسرائيليين أنفسهم يقرون بأنه لولا الامدادات الأميركية اليومية , لكان المقاتلون الفلسطينيون على أبواب تل أبيب . اذا كانت دولة ما طارئة على الهوية التاريخية وعلى الهوية الجغرافية , للمنطقة , وتعاني من أزمة البقاء واللابقاء , هل ترفع راية السلام , ولا نقول الاستسلام , أم توغل ومنذ قيامها , في تلك الايديولوجيا , وتلك الاستراتيجيا , المجنونة , والى حد التفكير بالضربات النووية التي قد تحول الشرق الأوسط الى مقبرة , لنذكّر بسؤال المؤرخ بن موريس "لماذا لم تقولوا لنا منذ البداية أننا ذاهبون للعيش داخل مقبرة ؟" . كثيرون يطرحون السؤال الآن , ولا يجدون من خيار سوى العودة من حيث أتوا , ولو بالقوارب المطاطية . لا موسى الآن ليشق , بعصاه , البحر أمامهم . وها أن الفيلسوف اليهودي نورمان فلنكشتاين , يخاطب , من شيكاغو , الرئيس الأميركي "الى أين تذهب باليهود حين تسلم قيادتهم لذلك المجنون ؟" , ليذهب أكثر في كلامه "لنتصور أن أدولف هتلر هو من يقود اليهود , ولكن الى أين ؟" . نعرف ماذا ينتظر نتنياهو , وهو الذي وضع نفسه , داخل حلقة النار , ولكن ماذا يريد أن يحقق ترامب لأميركا , أميركا العظمى , حين يدفع ببلاده نحو تجربة اشد هولاً من التجربة الأفغانية والتي انتهت بالهروب من هناك تحت أنظار رجال "طالبان" , وقهقهات رجال "طالبان" ؟ جدعون ليفي رأى في شوارع اسرائيل الآن شوارع خاركيف , المدينة الأوكرانية التي حولها الروس الى خراب , ليضيف عبر "هاآرتس" ان الدولة العبرية ليست ب"الأسد الصاعد" , النص التوراتي الذي جعل منه نتنياهوعنواناً لحربه , بل هي "الأسد المريض" . المريض عقلياً , ولكن هل من يستطيع القول ان مكان دونالد ترامب التاريخ , لا المصح العقلي ؟ الفرنسي أوليفيه روا , ينبش قبر فرنكلين روزفلت , ليقول لترامي "لا تنتحر , ولا تدع أميركا تنتحر" . ابواب المفاوضات أفضل بكثير من أبواب الجحيم !!