رغم بقاء المنطقة العسكرية الأولى في وادي وصحراء حضرموت منذ غزو الجنوب واحتلاله عام 1994؛ واستمرارها بإثارة الفتن وبممارسة كل أشكال القتل والتنكيل بأهلنا في حضرموت؛ وتحويل المنطقة إلى ممر آمن للتهريب بأنواعه؛ وفي مقدمتها السلاح الذي يصل إلى الحوثيين. ومع كل ذلك مازالت الأمور في حضرموت تحت السيطرة ومستقرة؛ ونأمل أن تبقى كذلك حتى تنفرج الأزمة؛ عبر توافق أهلها الكرام وبحرصهم المشترك على تجنيب حضرموت المخاطر المحتملة؛ إن لم ينتصر الجميع لأمنها واستقرارها ومستقبلها.
وهو الأمر الذي نثق به تماما؛ لأن عقلاء وحكماء ورموز حضرموت كثر؛ ومن مختلف التوجهات السياسية والمدنية والاجتماعية.
وهو ما يبعث على الثقة والاطمئنان لدى الجميع؛ وبأن الأمزجة والرغبات لن يكون لها أي تأثير سلبي على حلحلة الأمور؛ ولن يقبلوا كذلك بتدخل بعض الرموز من (شرعية) الفساد والاحتلال؛ والتي كان لها دورها فيما يحصل اليوم بحضرموت.
ولعل الإقدام على تشكيل وحدات عسكرية وخارج المؤسسة العسكرية الرسمية للدولة؛ وخلافا للقانون وبعيدا عن أي توافق حضرمي؛ أكان ذلك متعلقا بموافقة وموقف السلطة المحلية الذي يصفه البعض (بالغامض وغير الحاسم) أو بموقف القوى والمكونات السياسية والاجتماعية الحضرمية الأخرى الرافضة لذلك؛ إنما هو العامل الأكثر تصعيدا وخطورة على حضرموت وأمنها ووحدتها الداخلية في هذه الظروف.
فالتخاطب مع الآخر عبر وسائل القوة بغية فرض هذا المشروع السياسي أو ذاك؛ والتخلي عن الحوار والتفاهم؛ لن يكون إلا تعميقا للأزمة وخدمة لمن يتربصون بحضرموت شرا.
وإنه لمن المؤسف حقا بل والمستغرب والباعث على القلق؛ أن تكون هناك قوى خارجية تدعم وتشجع بعض الأطراف الحضرمية على القيام بتكوين مثل هذه التشكيلات العسكرية الخاصة بها - وموقفها هذا ليس بريئا وله بكل تأكيد أهدافه وليس حبا بمن يتم دعمهم -.
وسيكون لذلك تداعياته الخطيرة التي لا يمكن التنبؤ بمألاتها؛ ليس على حضرموت وحدها بل وعلى المستوى الوطني العام للجنوب وعلى استقرار المنطقة؛ بالنظر لما يخطط ويحاك ضد المشروع الوطني الجنوبي.
فهناك من يعمل حثيثا وبكل الطرق والأشكال لجعل حضرموت مشغولة بنفسها؛ لتبتعد كما يعتقدون عن دورها وريادتها للمشروع الوطني الجنوبي؛ فحضرموت كانت وستبقى في قلب هذا المشروع بل ورافعته الوطنية والتاريخية.
فالرهان كان وسيبقى - وكما أكدنا على ذلك مرارا وتكرارا - على وعي وثقافة وسلوك أهلنا في حضرموت؛ وعلى عمق انتمائهم الوطني؛ والمشهود لهم بذلك عبر التاريخ بالحكمة والقدرة على تجاوز المحن.
فهم وحدهم الأجدر على تحديد ومعرفة من يصدر لهم المتاعب والمشكلات والأزمات؛ وبعناوين متعددة مكتوبة بحبر المال السياسي؛ وبلغة السيطرة والأطماع.
وسوف تثبت حضرموت التاريخ والحضارة؛ الفن والثقافة؛ بأنها جديرة وكما كانت دوما بالدفاع عن حقوقها ومصالحها؛ وعن مكانتها وطنيًّا وتاريخيًّا؛ وسوف تبقى قاطرة الجنوب المؤهلة لقيادته وبأمان نحو المستقبل الذي يليق به ويستحقه.