الهزيمة لا تُحل هكذا بلا أسباب، بل لا بد من وجود معطيات كثيرة تؤدي إلى الفشل والهزيمة. والهزيمة لا تقع مصادفة، بل هي من صنع أيدي المهزومين، ومن صلب خورهم، ومن نتاج ما فعلوا. "شرعية الهزيمة" وعلى مدى السنوات الماضية قدّمت خدمات كبيرة للمشروع الحوثي الإيراني، بدءًا من مقولة "لسنا أبو فاس"، ثم الانسحابات التكتيكية من تخوم صنعاء، مرورًا بتهريب الأسلحة عبر نقاط قوات المنطقة العسكرية الأولى، التي أكّدتها تقارير أمنية وإعلامية، فكل ذلك كثّف القناعات بأن أي وجود لشرعية الهزيمة يصب في صالح الحوثي، وأن تحرير صنعاء يبدأ ببسط القوات الجنوبية سيطرتها على صحراء ووادي حضرموت والمهرة، وعلى المنافذ البرية والبحرية، لقطع شريان التهريب وتضييق الخناق على الإرهاب.
لم يعد أمام الأطراف اليمنية إلا أن تستوعب الحدث، وأن محاولات التنصل من مواجهة الحوثي انتهت، وأن ما بعد الوادي والمهرة يعني أن "يغادروا مربع الإعلام والنواح والاتهامات إلى مربع الفعل والميدان". ومن فرّطوا في بلادهم فلن يعيدهم التحالف العربي حكامًا بدعوى وهم يسمونه "الغطاء القانوني للشرعية"، الذي لا يعكس وجودًا فعليًا للسيادة، بل وجودًا افتراضيًا لها.
خيارات الرئيس عيدروس الزبيدي لم تصدر إلا لضرورتها السياسية والعسكرية على المستوى الجنوبي أولًا، ثم لتأثيرها على الوضع في اليمن بشكل عام. فمشروع "الهزيمة في الشرعية" ظل جامدًا منذ سلّموا صنعاء للحوثي، ولم يناضل لاستعادتها إلا بالإعلام، وحتى الإعلام لم يكن جلّه موجّهًا للحوثي بقدر ما كان أغلبه ضد الانتقالي ومشروع الجنوب. وعلى ذلك نفهم الأسباب الحقيقية وراء تمسك "مشروع الهزيمة" بحضرموت والمهرة، فعشر سنوات من الفشل والهزيمة كافية، فلم يضع خططًا حقيقية لمواجهة الانقلاب، بل ظلوا متمسكين بحضرموت والمهرة، مستشهدين ومتمسكين بقول كبير من كبارهم حين احتلت إريتريا جزيرة حنيش، حيث قال: "حنيش هان"، مشيرًا إلى صحاري حضرموت وشبوة والمهرة. وليعلموا أن "حنيش هان" انتهى ولن يعود.