استقبلت العاصمة صنعاء الذكرى الثانية والخمسين لثورة 26 سبتمبر المجيدة بحالة استثنائية فرضتها ظروف وأحوال لا تسر ولا توجب القيام بأي مظهر من مظاهر الاحتفاء، كيف لا وقد داهمتها المليشيات الحوثية المسلحة وهدت كبريائها واسقطت عظمتها وطأطأت شموخها واستحلت حرماتها وأرعبت سكانها وساكنيها، وألبستها لباس الحزن والكآبة حتى أفقدتها مباهج الفرحة والاحتفال. قد يتساءل البعض ما علاقة العنوان بالمقدمة، فأقول العلاقة تكمن في تلازم ذكرى الثورة مع التذكير بأهدافها السامية التي قامت من أجل تحقيقها، إلاّ أنه ومع شديد الأسف وبالغ الأسى أن يمضي أكثر من نصف قرن من الزمن ولم تحقق هذه الثورة أهدافها بالمعنى الصحيح والمفهوم الكامل!! كيف ذلك؟؟؟.
نذكّر بأن الهدف الثاني من أهداف هذه الثورة الخالدة هو: (بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها) والذي تتلخص مهمته في الدفاع عن الجمهورية وحماية أمنها وسلامة أراضيها ومقدراتها الدفاعية، وبالنظر إلى الإطار العام لهذا الهدف والنتيجة المرجوّة من تحقيقه وقياساً على معطيات واقع الحال فقد تأكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا يوجد الجيش الوطني بمعناه الصحيح والكامل، لأن الجيش بمعناه الواسع والشامل يعني منظومة متكاملة من القيم والمفاهيم التربوية (العقيدة القتالية) تحملها جموع الأفراد والقيادات المختلفة مسنودة بما يكفي من العدة والعتاد والتشريعات اللازمة، وفوق هذا وذاك إرادة سياسية مستمدة من إرادة الشعب وتسعى إلى تحقيق آماله وطموحاته في العزة والكرامة ونعمة الحال والمآل.
ويمكن القول أن بعض من أجزاء هذه المنظومة متوافرة بأعلى درجات الجودة والكمال، فالأفراد ينحدرون من سلالة شعب عريق، أصلاً في الشجاعة والإقدام، ويتمتعون بقدر كاف من صفات الرجولة والشهامة والاستبسال، وأما الآلات والمعدات والعتاد الحربي ففي اعتقادي أننا قد أفرطنا في توفيرها بما يزيد عن الحاجة وسد الطلب، ومن أراد الوقوف على حجم الانفاق في هذا الجانب فعليه الرجوع إلى موسوعة وكيبيديا الإلكترونية وسيجد ما يكفي من المعلومات عن هذا الأمر، وأما الهياكل القيادية فحدث ولا حرج من كثرة المسميات وتعدد الأسماء والشخصيات والرتب والشارات التي تتربع على عرش المناصب وتتولى القيادة، ولكن ما هي العقيدة القتالية التي تحملها هذه القيادات، وما علاقتها بالإرادة الشعبية التوّاقة إلى الحرية والعدالة والمساواة والتقدم الحضاري؟؟.
وبالمعنى الدقيق والتفصيلي فإن الجيش ليس إلاّ فرعاً من فروع القوات المسلحة، وهو ما يعرف (بالقوات البرية) إلى جانب القوات الجوية والدفاع الجوي والقوات البحرية والدفاع الساحلي، وهذه القوات تخضع لثلاثة مستويات من القيادة، يتمثل المستوى الأول في القيادة العليا للقوات المسلحة والموكلة للأخ المشير الركن عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام ويتمثل المستوى الثاني في وزارة الدفاع والموكلة للأخ اللواء الركن محمد ناصر أحمد علي الحسني وزير الدفاع عضو مجلس الوزراء عن حزب المؤتمر الشعبي العام، ويتمثل المستوى الثالث في رئاسة هيئة الأركان العامة والموكلة للأخ اللواء الركن أحمد علي الأشول، ومع وجود هذه المستويات القيادية المتدرجة فقد تعرض الجيش اليمني لأضرار وخسائر معنوية ومادية وبشرية جسيمة نتيجة لسياسات القيادات السياسية والعسكرية التي تتجاذبه يمنة ويسرة وتتلاعب به في كل ميدان ومناسبة بدون أدنى اعتبار لضخامة المسئولية وأمانة القيادة، فدماؤهم مهدورة وأنفسهم مكدورة ومعداتهم وأسلحتهم منهوبة وحقوقهم مسلوبة، كل هذا في ظل تهريج خطابي واسع وتضليل إعلامي شامل لتغطية عجز تلك القيادات عن الوفاء بواجباتها تجاه الجيش والشعب على حدٍ سوى، الأمر الذي شجع الجماعات المسلحة على المزيد من أعمال العنف ضد قوات الجيش والأمن، بل ومصادرة حقوق وحريات الشعب بالاستيلاء على أجزاء من البلاد، توِّجت باحتلال العاصمة صنعاء بدون ابدأ أدنى حد من المقاومة والرفض المعهود من أبناء القوات المسلحة التي تأبى الخنوع والاستسلام، لولا المنهجية التآمرية التي تتبعها معظم القيادات العسكرية في الوقت الراهن.
وفي ظل ازدياد الحشود المسلحة على مداخل العاصمة صنعاء وفي أغلب مناطقها الحيوية لفرض مطالب سياسية بقوة الحديد والنار، وتحدياً للإرادة الشعبية المتمثلة في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، تفاجئنا تلك القيادات بتصريحات وتلميحات غير مفهومة للمنطق والعقل، غير أن الواقع والممارسة استطاعت أن تترجم تلك الأقوال وتصبها في قوالب الأفعال كدلائل عجز وخيانة وتآمر مفضوح لم يدع أي مجالاً للتأويل بغير ذلك.
وقبل أن نسترسل في الكلام نستعرض معكم طائفة من تلك التصريحات والأقوال لكي نبني عليها أدلتنا وبيان حجم الكارثة التي أصابت الوطن في مقتل في جميع النواحي جرّاء تلك الممارسات:
1 القوات المسلحة مؤسسة حيادية بعيدة عن كل أشكال الحزبية أو الولاءات الضيقة وأنها تقف على مسافة واحدة من الجميع وهم يتنافسون سلمياً وديمقراطياً من أجل تقديم الأفضل للوطن والشعب.
2 القوات المسلحة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام كل ما يهدد الأمن والاستقرار.
3 القوات المسلحة لن تقف مع أي طرف ضد الآخر وستستميت دفاعاً عن الأمن والاستقرار.
4 حماة الوطن يعرفون أعدائهم ويعرفون أين يوجهون سلاحهم وأن هذا السلاح هو سلاح الشعب لحماية الشعب وحماية سيادة الوطن وأمنه واستقراره وحماية مكاسب الثورة والجمهورية والوحدة.
ونحن نقول لتلك القيادات لقد وضعتم أنفسكم في حرج كبير عند ما وقفتم تلك المواقف المخزية بأن جعلتم المليشيات المسلحة طرف والتلفزيون والقيادة العلياء للقوات المسلحة والبنك المركزي وغيرها من مرافق الدولة السيادية طرف آخر، وفضحتم أنفسكم بأن تركتم المليشيات المسلحة تحتل أعلى قيادة لكم، بل وتنهب الأسلحة والعتاد رغم أنوفكم وأنتم مصرون على ضرورة الوقوف على مسافة واحدة من تلك الأطراف، فيا عجب العجاب.
ثم بأي منطق تتحدثون عن صمود القوات المسلحة وعن أسلحتها وعتادها وعن واجباتها في الدفاع عن الوطن وسلامة أراضيه ومقدراته الدفاعية .....؟؟؟؟
إن جيشاً تتصرف في مصيره قيادات عسكرية عتيقة هرمت وشاخت، وتمرغت في وحل الولاءات الضيقة وعبادة المصالح الذاتية، لا يمكن أن ينتصر ولا يمكن أن يحقق أي نجاحات وطنية تعلو بها الهامات وتسمو بها المقامات، فهذه القيادات الفاشلة لا تجيد سوى التخطيط للفشل والهزيمة المادية والمعنوية، والوضع الراهن للبلاد خير شاهد والله خير الشاهدين ...
ونسأل الله أن يعظم لنا الأجر في هذه المصيبة التي ابتلينا بها، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون.