قال أستاذ السكان والتنمية المساعد بجامعة صنعاء الدكتور عبد الملك احمد الضرعي أن الفساد المالي والإداري في اليمن يعتبر احد المحاور الرئيسية في خلق عدم الثقة بين الحكومة والمانحين الدوليين وإعاقة تدفق المساعدات الدولية. مؤكداً أن الخروج من دائرة الأزمات السياسية والأمنية التي تعانيها اليمن تستدعي اتخاذ قرارات شجاعة من النظام السياسي تقوم على التأكيد على مبدأ الشراكة والمسئولية الوطنية في السلطة والقوة والثروة ، وتفعيل تلك الشراكة من خلال تجريم كل الأفعال والممارسات التي تسيء إلى ذلك المبدأ في حال ثبوتها قضائياً, وأشار الضرعي في محاضرته التي ألقاها بالمركز اليمني للدراسات التاريخية وإستراتيجية المستقبل ( منارات ) ورأسها الدكتور محمد الحاوري وكيل وزارة التخطيط والتعاون الدولي إلى أن المؤتمرات التي عقدها المجتمع الدولي والخاصة بالأمن والتنمية في اليمن وفي مقدمتها مؤتمرات ( لندن والرياض وبرلين وأبو ظبي ) خلال الفترة بين 2006و2010م قد عززت من الاهتمام الدولي باليمن إلا أنها لم تحقق الحد الأدنى من مطالب الحكومة اليمنية المتصلة بتمويل مشروعات الخطة الخمسية الربعة (2011-2015م) والتي قدرت بمبلغ (44) مليار دولار. وأكد في محاضرته التي جاءت بعنوان ( الأمن والتنمية في الجمهورية اليمنية بين رهانات الفشل وإمكانات الحل ) أن الحكومة اليمنية لم تستلم من المبلغ التي وعدت بها الدول المانحة عام 2006م والذي وصل إلى (5.7) مليار دولار سوى (10%) ، نتيجة عدم الثقة بين الحكومة والمانحين والتي أصبحت إحدى المشكلات المعيقة لتدفق الدعم الخارجي. ونفى الضرعي أن تكون اليمن قد وصلت إلى درجة الدولة الفاشلة كصفة أطلقتها المنظمات الدولية.. مؤكدا انه لا زالت هناك إمكانية لتدارك بعض الأخطاء التي شهدتها السنوات الماضية. وذكر الضرعي أن التحديات الأمنية التي شهدتها اليمن خلال العقدين الماضيين أثرت بشكل مباشر في مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية من خلال الكلفة الاقتصادية والبشرية الباهظة لتوتر الأوضاع الأمنية والتي كان أولها حرب صيف1994م التي كلفت الاقتصاد الوطني حوالي (12) مليار دولار ،وأدت إلى تراجع النمو الاقتصادي إلى (-1.4) ومعدل تضخم (77%) وغيرها من الخسائر، أما في العقد الأول من القرن (21) فقد تعددت التحديات الأمنية ومنها حرب صعدة ،والتي قدرت العديد من التقارير خسائرها الأولية نتيجة الحرب السادسة فقط بحوالي (750مليون دولار)،يضاف إلى ذلك الضرر الكلي أو الجزئي لحوالي (4141)منزلاً ،و(64) مزرعة لإنتاج الفاكهة،و(24) مزرعة لإنتاج الدواجن، و(201) منشأة حكومية منها (116مدرسة)، و(36) منشأة صحية ، و(26) منشأة أخرى ومسجد، لذلك تقدر احتياجات إعادة الإعمار بحوالي (20) مليار ريال ، وهو ضعف المبلغ الذي خصص لإعادة الإعمار عقب الحرب الخامسة ، يلي كل ذلك الخسائر البشرية التي تقدر بآلاف ألقتلى والجرحى والمشردين والأرامل والأيتام. وأضاف: لقد أدت مثل هذه الأحداث إلى تنامي مؤشرات انعدام الأمن الغذائي لحوالي (2.7)مليون من سكان اليمن مطلع عام 2010م حسب تقديرات الأممالمتحدة ، والتي أشارت أيضاً إلى أن اليمن سيحتاج لحوالي(105) مليون دولار خلال عامي(2010-2011م) لتغطية العجز الغذائي لثلاثة ملايين شخص ، منهم حوالي ربع مليون من مهجري حرب صعدة. ونوه بالقول: إذا كانت تلك الصورة تمثل جانباً من آثار حرب صعدة السادسة ، فإن بعض المؤشرات الإحصائية الأخرى تقدر خسائر الحروب الخمسة السابقة بحوالي (150) مليار ريال وأوضح الدكتور الضرعي أن اليمن تعاني من مشكلات أخرى كلفت الاقتصاد اليمني خسائر كبيرة ،مثل تبعات المشكلة الصُّومالية التي وصلت كلفتها على الاقتصاد اليمني إلى حوالي (700) مليون دولار موزعة على خسائر الاقتصاد الوطني والصيادين والتأمين وتجهيزات الأمن الساحلي ، يضاف إليها أعباء حماية المياه الإقليمية من أعمال القرصنة واستضافة حوالي (700)ألف لاجئ واستعرض عدة حلول ومقترحات تتطلب من واضعي السياسة والمجتمع المدني مناقشتها بما يساعد على تجاوز المخاطر الحالية التي تمر بها اليمن. مؤكداً أن تجاهل مناقشتها قد يوصلنا إلى مرحلة الفشل فعلا, والتي تتمحور حول إجراءات تنفيذية مؤسسية ومعالجات من منظور تخطيطي, مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة اتخاذ الإجراءات البيئية التي تعزز من استدامة الموارد الطبيعية واستغلال ثروات البيئة البحرية المتنوعة في مواردها الاقتصادية وكذا ما تمتلكه اليمن من كميات كبيرة من الثروات المعدنية ومصادر الطاقة وما تتمتع به من تنوع تضاريسي ومناخي, وموارد سياحية متعددة المظاهر, يمكن من خلالها الاستغلال الأمثل لها من اجل معالجة بعض المشكلات الناجمة عن التحديات البيئية الراهنة. ودعا الضرعي إلى إعداد إستراتيجية لمواجهة الفساد خاصة وأنه يشكل حرباً صامتة لا تقل خطراً عن الحروب التقليدية، وتعزيز الإجراءات المناهضة للفساد من خلال ثلاثة محاور, مواجهة الفاسدين في الجهاز الإداري للدولة عبر تفعيل تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، والقدرات الضبطية للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، مؤكدا ان العلنية في طرح تلك القضايا شعبياً على قدر كبير من الأهمية لما لذلك من دور في محاصرة جرائم الفساد قبل وقوعها, ومواجهة المفسدين وهم أصحاب المصالح من خلال استرجاع ما تم الحصول عليه دون وجه حق وبالمخالفة للقوانين، وتعزيز دور الشريك الثالث وهم الصامتون (الأفراد المتعرضون للضرر المباشر أو المتذمرين من قضايا الفساد ،ولكنهم صامتون ليأسهم من مواجهة الفاسدين). وأكد الضرعي إن الحفاظ على الوحدة والجمهورية والديمقراطية مسئولية كل القوى السياسية والوطنية، ويعد المساس بتلك الثوابت في حال ثبوتها قضائياً جرائم ماسة بالثوابت الوطنية ، ويمكن أن يندرج تحت طائلة المسائلة القانونية كل من مارس أو تسبب في المساس بتلك الثوابت سواء كان في الحكم أو المعارضة أو خارجهما, والدعوة إلى حوار وطني مفتوح لكل القوى السياسية دون شروط ، إصدار قرارات إضافية تعزز من الحكم المحلي واسع الصلاحيات. وأوضح الضرعي أهمية اتخاذ عدد من الإجراءات لتعزيز الأمن الفكري ومواجهة الرؤى الفكرية العقائدية المذهبية أو السياسية، التي دفعت بالعديد من الشباب إلى الانخراط في جماعات مسلحة تناهض الثوابت الوطنية, أبرزها إعادة النظر في عناصر العملية التعليمية من مناهج دراسية وإعداد معلمين وإدارة تربوية ومرافق تعليمية ، وبما يتوافق مع المعايير الدولية لجودة التعليم ،ويعزز من مبدأ الولاء الوطني ، ويساعد على إحداث تغييرات إيجابية في البنى الاجتماعية تتوافق مع المبادئ السمحة لديننا الإسلامي الحنيف ، ومع الثوابت الدستورية والقانونية والأهداف التنموية, وإعداد إستراتيجية موحدة لوسائل الثقافة الاجتماعية التي تشمل وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، ومرافق التعليم العام والخاص ، والمساجد ، ومنظمات المجتمع المدني ، والمنابر الثقافية الأخرى ، بهدف تعزيز مبدأ الإنتماء والولاء الوطني وحب الوطن والدفاع عنه ، معززة بالإجراءات التي تؤكد على مبدأ المواطنة المتساوية والعدالة أمام النظام والقانون. لافتا بأن الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها اليمن تشكل أبرز المشكلات المهددة لأمن الفرد، مما يستدعي اتخاذ حزمة من الإصلاحات المالية والإدارية، تتمثل في خفض معدلات البطالة السافرة والمقنعة من خلال تجريم التعدد الوظيفي أو الوظائف الوهمية، ومحاسبة كل من يثبت تسترهم أو تورطهم في مثل تلك الجرائم، وترشيد الدرجات الوظيفية المعتمدة سنوياً من خلال توزيعها وفق خطط اقتصادية واجتماعية تقوم على مبدأ التخطيط للوظيفة العامة وفق الاحتياجات الحقيقية للجهات ذات العلاقة وبما يخدم برامج وخطط التنمية الشاملة, والحد من الإنفاق الحكومي في المجالات غير الاستثمارية والإنتاجية, كالسفريات الخارجية لكبار المسئولين وشراء السيارات الفارهة، وتشييد المباني الحكومية بتصاميم هندسية عالية الكلفة وغيرها، كونها ستوفر ملايين الدولارات لصالح الخزينة العامة. ومؤكدا بأن الأمن يشكل أحد العناصر الهامة التي تساعد على نجاح خطط وبرامج التنمية، ويقترن بضوابط إعداد إستراتيجية أمنية وطنية واقعية، تقوم على التوازن بين المسارات الأمنية المختلفة الدولية والوطنية والشخصية والفكرية وغيرها ، وتؤكد على مبدأ الإجراءات الأمنية الوقائية التي تساعد على تخفيف مخاطر المعالجات الأمنية اللاحقة, والتأكيد على دور الفئات الاجتماعية المختلفة في إسناد الأمن الوطني. ولفت الضرعي إلى عدد من الإجراءات التي ينبغي اتخاذها في الجوانب الاجتماعية والقانونية, مقدما رؤية للمعالجات من منظور تخطيطي وفق أربع مراحل تتناول كافة محافظات الجمهورية.