محاوله جريئة مرت بسلام دون حوادث، فقد رافقت طائرات "ف 16" المقاتلة وطائرات دون طيار قافلة عبر الصحراء ضمت السفيرة الأميركية دبرا جونز و149 موظفا في السفارة الأميركية في طرابلس معظمهم من رجال مشاة البحرية )المارينز( في رحلة استمرت خمس ساعات الى الحدود التونسية حيث وصلوا بسلام كما صرح المتحدث باسم البنتاغون الادميرال جون كيربي. مدمرة أميركية أيضا راقبت عن بعد من شواطئ المتوسط في إجراء احترازي حال تعرض القافلة لهجوم من مليشيات مسلحة. وبمجرد وصول القافلة الى الأراضي التونسية، أعلن وزير الخارجية جون كيري أن الولاياتالمتحدة اتخذت القرار بإخلاء جميع الموظفين وإغلاق السفارة بسبب تردي الأوضاع الأمنية في العاصمة الليبية واشتداد القتال بين المليشيات المتناحرة بالقرب من السفارة الأميركية. كيري قال إن هناك خطرا حقيقيا يتهدد العاملين دون أن يشير إذا ما كانت الولاياتالمتحدة قد تلقت معلومات محددة باعتداء وشيك، لكن المحللين يجمعون على أن الوضع الأمني المتردي يحول ليبيا الى دولة فاشلة وتخوف الإدارة من تكرار أحداث الاعتداء على قنصليتها في بنغازي عام 2012 كان وراء القرار. الخارجية أصدرت بيانا تحذيريا لرعاياها بعدم التوجه الى ليبيا وحثت مواطنيها الموجودين هناك على مغادرتها فورا. مسؤولون في الخارجية يقولون إن الوضع الأمني غير مستقر وإن الحكومة الليبية لم تكن قادرة على بناء جيش قوي أو وحدات من الشرطة تحمي البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 مما أدى الى حالة من الفوضى والاقتتال الداخلي بين المليشيات المسلحة التي تقاتل على خطي قبلي وجهادي عقائدي. رغم هذا التقييم إلا أن الاتهامات توجه الى إدارة الرئيس باراك اوباما بالعجز والتقصير وترك ليبيا تتحول الى دوله فاشلة، فقد استخدم الجمهوريون في الكونغرس حادثة مقتل السفير الأميركي السابق كريس ستيفين وثلاثة أميركيين آخرين في حادث الاعتداء على القنصلية في بنغازي كسلاح ضد الإدارة الأمر الذي أدى الى لجان تحقيق ولاحقات ولجان استجواب في الكونغرس، مما أدى الى تعيين جون كيري كوزير للخارجية بدلا من مرشحة البيت الأبيض المفضلة سوزان رايس بعد اتهامها من قبل الجمهوريين بالتغطية لظروف الحادث عندما قالت إن الهجوم رد فعل عفوي من جماهير غاضبة على فيلم مسيء للإسلام وتبين لاحقا تورط تنظيم أنصار الشريعة في حادث الاعتداء. البيت الأبيض أدرك آنذاك أنها لن تحصل على مصادقة مجلس الشيوخ فقرر لاحقا تعيينها في منصب مستشارة الأمن القومي دون الحاجة الى مصادقة الكونغرس. هذا السجال الدائر في واشنطن كان جزءا من حسابات الإدارة في إغلاق السفارة وإخلاء موظفيها كما يرى العديد من المراقبين للوضع الليبي، فالإدارة لا تريد حادثا مشابها يتكرر قبل أشهر من انتخابات الكونغرس النصفية في نوفمبر القادم أو حتى يلاحق هليري كلينتون التي مثلت أمام لجان استجواب مشحونة بالعواطف في الكونغرس بعد مقتل السفير، وذلك حال ترشحها للانتخابات الرئاسية القادمة. البرامج السياسية الحوارية على المحطات الأميركية ركزت اليوم الأحد، على قرار الإخلاء بصور تعيد الأميركيين بالذاكرة الجماعية إلى إخلائهم من سايجون إبان حرب فيتنام، وأشارت إلى الأزمات المتتالية التي تضرب الشرق الاوسط والتوتر مع روسيا بسبب أوكرانيا وطريقة تعامل إدارة الرئيس باراك أوباما والمتهم بالفشل في لعب دور قيادي من وجهة نظر الجمهوريين. المصادر الليبية تضع عدد القتلى في طرابلس عند 97 منذ بدء الاقتتال قبل أسبوعين، الأمر الذي يقلق الإدارة كثيرا خصوصا وسط الفلتان الأمني عبر الحدود ونقل الأسلحة إلى الجماعات الجهادية في شبه جزيرة سيناء ونشاطات القاعدة عبر الحدود مع مالي. جون كيري قال إن القرار بإغلاق السفارة مؤقت وإنها ستراجع الوضع الأمني. الموظفون سيتابعون عملهم من السفارة الأميركية في تونس ودول الجوار الي حين تحسن الوضع الامني، لكن القرار بالعودة قد يأخذ وقتا في ظل غياب مؤشرات عن تحسن قريب في الأوضاع. وإلى ذلك الوقت، فإن الولاياتالمتحدة تعتبر أن حماية أمن موظفيها هو القرار الأهم فهي بالتأكيد لا تريد ان تري مواطنين أمريكيين دبلوماسيين أو غيرهم مختطفين أو قتلى.