من الضروري تحديد أولوية الثورة السلمية في هذه المرحلة، مرحلة تستدعي من شباب الثورة العمل على تحويل أفكارهم إلى مؤسسات ثورية مدنية ذات طابع مدني وبحثي وعلمي تعمل على إنجاز أهداف الثورة دون استثناء، بطرائق وخيارات مغايرة للمسارات التي تمر بها الثورة الآن. عندما توجد مؤسسات ثورية نزيهة، تمتلك رؤية وطنية شاملة لمختلف القضايا، ويعمل عليها شباب الثورة بالاستفادة من خبراء وأكاديميين بإخلاص وطني بهدف مواصلة فعل النضال السلمي، وبناء الوعي الجمعي، سنجد شعباً يعمل على تحويلها إلى واقع في شتّى الميادين، وستكون هذه المؤسسات الرافد الحقيقي لبناء مؤسسات الدولة المدنية مهما كان شكل النظام السياسي في البلد. لدى كثير من مكوِّنات الثورة تصورات كثيرة لمختلف القضايا، دواعي الحالة الوطنية تستوجب الوصول إلى رؤية مؤسسية واحدة تستوعب اختلافات وتباينات تلك المكوِّنات، وتعبّر عن الحلم الوطني الجامع. تعليلات ومخاوف ثوريين قادرين على المبادرة لبناء مؤسسات مدنية متعددة الاهتمامات، ليست سوى نوعٍ من الهروب المقنع عن واجبهم تجاه الثورة التي يتشدقون بها، ستصبح الثورة السلمية - رغم عظمتها في وعي الناس الآن - أقلّ من ربيع حلم حل ورحل دون أثر دال على ثورة، وفعل يعبذر عن إرادة شعب تجلت لحظة قلب الدنيا على الواقع الرث. ما لم تتحول الأفكار إلى مؤسسات، سيظل الماضي بسواطيره وكلاب الحراسة سنين قادمة نتيجة لغياب مؤسسات ضامنة لاستمرار الثورة في إحداث التحول التاريخي بالبلد، وصون تضحيات الشعب ودماء الشهداء والجرحى التي سالت على أرصفة مُدن الثورة خلال 2011 و2012. لا يخفى على أحد تشظيات الواقع الثوري بفعل الانتهازيين وانتماء الكثير للثورة لغايات سياسية مرحلية بدليل تغليبهم للانتماء السياسي على الانتماء الثوري في منعطفات وتحدّيات مفصلية مرت بها الثورة، ورغم ذلك هناك شباب وقيادات حزبية تنتمي لمستقبل الناس أكثر من انتمائهم الحزبي. هناك من ينتمي للثورة بصدق وحس وطني لا يهتز، وهؤلاء من يراهن عليهم لأنهم يمثلون ثورة بعظمة ثورتنا السلمية التي عجز المدججون بالايديولوجيا عن فهم معانيها واستيعاب أبجدياتها حتى اللحظة، وبين الاتجاهين يبقى الأمل بالوصول إلى الحلم موجوداً. بالأمس، كان وطني سجناً وعليه شاويش ومليون كلب حراسة، واليوم صار منفًى تحرسه الأشباح، فمن يتقصى ظلمات المرحلة، وينقّب عن وطنه وسط الركام، سيدرك بألاّ شيء تغيّر بشكل جذري حتى الآن، بدليل بقاء ملفات وقضايا، وتحديات تحول دون حسم قضيتنا الوطني، وهذا ما يستدعي من شباب الثورة تحديد أولوياتهم في هذه المرحلة، للدفع بعملية التغيير نحو تطلعات الناس. هناك من يظن أن رحيل الماضي مسألة وقت، مهما تحايل العابثون بأقدارنا ومقدراتنا، لكن معطيات عديدة تكذّب تلك الظنون، وكأن ما حدث مجرد إزاحات آنية للسواطير، وتموضعات تكتيكية لوجوه موسمية، سيقومون بدورهم كما شاء لهم من يشكلون عُمق المأساة الوطنية. للثورة السلمية قيم وأهداف يجب تعزيزها، وإيصالها إلى مكامن الوعي الجمعي بهدف حشد طاقات وجهود الجماهير، والنخب المخلصة لحلم الدولة المدنية، بدلاً من الأنين العاجز عن تقديم حلول وبدائل تدفع نحو تحقيق الحلم الوطني المتجسّد في معجزة الثورة السلمية في بلدنا، مفخخ بجماعات العنف والموت ولصوص المال العام.