الحديث عما يحدث في الجنوب على أنه نتيجة لتدخلات إيرانية تسعى إلى زعزعة الأمن وتدمير مصالح البلاد , محاولة بائسة للتهرب من الاعتراف بمظلومية الشعب الجنوبي, وعدالة قضيته المتعلقة بحقوق منهوبة ومواطنة منزوعة قبل كل شيء. فتدخلات إيران -إن وجدت- لا تغفر ما يرتكب من الجرائم بحق أبناء الجنوب, ولا تجُبّ الظلم الذي يتعرضون له منذ زمن طويل. فليس بوسعنا طي كل ملفات القتل والنهب ومصادرة الحقوق والإقصاء , لمجرد تصريح أو بيان من مسؤول أو حتى من رئيس الجمهورية يؤكد أن إيران لها يد في إثارة الشارع الجنوبي . ولو سلمنا جدلا بأن إيران تدعم الحراك - مع أني استبعد ذلك تماما - فهي بذلك تكون قد وجدت ثغرة مناسبة للتدخل (المزعوم) أي أنها استغلت وجود مشكلة وقضية هامة لتقوم بإثارتها , وهذا ليس مبررا لتدخل إيران , ولكنه دليل على استهتار الدولة , وعدم تعاطيها بجدية مع المشاكل الهامة والقضايا الملحة التي قد يفتح تجاهلها ثغرات لتدخلات خارجية مزعجة . بمعنى آخر , لو كانت الدولة تحلت بشيء من المسؤولية تجاه ما يحدث في الجنوب , واتخذت خطوات جادة للتصالح مع الشارع الجنوبي , والنظر في مطالبه . لما كان لإيران أن تثير القضية إلى هذا الحد , على فرض أن ما يحدث هو نتيجة تدخلاتها . ولا أظن أن فخامة الرئيس وغيره من متهمي إيران , يحملون إيران مسؤولية وجود شيء يسمى "القضية الجنوبية" , أي أنه لم يكن لها وجود إلا حين تدخلت إيران , فمظلومية الجنوب وقضيته معروفة منذ زمن طويل , فإيران - إذا تدخلت - لم تأت لتخترع للجنوب قضية ومطالبا من العدم وتحرك ابناءه ليطالبوا بها . على الأطراف التي تهول وترعد بالتدخلات الإيرانية أن تكف عن التهرب من أصل المشكلة , ففي الجنوب حقوق منهوبة لم تقم إيران بنهبها , وإنما أطراف شمالية ..وفي الجنوب جرائم حقوقية لم تقم إيران بارتكابها بحق أبناء الجنوب وإنما قوى محسوبة على دولة "صنعاء" . في الجنوب , فضية عادلة ومطالب مشروعة مثلها مثل بقية القضايا والمطالب الأخرى بل تعد هي الأولى من حيث حساسيتها وخطورتها . وما لم يتم التعامل مع هذه القضية بمسؤولية وجدية , فلا عجب أن تتدخل إيران وغير إيران , وقد قال شاعر لم أعد أذكر اسمه : (لا يُلام الذئب في عدوانه ..إن يكُ الراعي عدو الغنم ) , ولا أقصد هنا تشبيه أحد ب"الغنم" طبعا . بالمفتوح , مادام الإصلاح مستمرا في استفزاز أبناء الجنوب , والرئيس وغيره يصفونهم ب"الحراك المسلح" , ويتهمونهم بالعمالة لإيران , متجاهلين جدية القضية وتطورها المستمر , ومادام صوت الإقصاء والعداء هو الذي يرتفع , فمن غير اللائق كيل التهم لإيران وتحميلها المسؤولية , وانا لا أدافع هنا عن إيران , ولا أشرعن لأي تدخل , ولكني أقول بأن هناك قضية جنوبية , ومطالب عادلة , قبل كل شيء.