يتعرض الحزب الاشتراكي اليمني إلى نقد قاسي بسبب موقفه الأخير المعلن من شكل نظام الحكم, الذي تبنى فيه فكرة الفيدرالية من أقليمين, وتفاوت هذا النقد بين نقد الحريص ونقد شامت أو له دواعي وأهداف سياسية, ومع ذلك أعتقد أن الحزب في موقفه كان صائباً , وأعده تحوًلاً في سياساته وتصب في مصلحته, وهي بداية تعاطي مع السياسة باعتبارها ميدان معرفي متحرك, ولا جمود فيها, أنها ميدان التعبير عن المصالح, فإما أن تعبر عن مصالح وتتسع قاعدتك الجماهرية أو تتقلص. وتعرضت السياسة في بلدان الاستبداد إلى الاختلاط بميادين أخرى, حيث تأثرت السياسة في ذهن المثقف العربي ونخبه السياسية بالدين , وأخذت السياسة تتعامل مع مفاهيم السياسية بقداسة , وحكم عليها بالجمود والغياب, وكما هو معرف أن السياسة في ظل الأنظمة الاستبدادية تغيب لأنها زائدة دودية لا حاجة إليها, فالأنظمة الاستبدادية لا تحتاج السياسة وسيلة إدارة شأن الناس , فهي تكتفي بالقوة والعنف باعتبارها أنجع الوسائل, والسياسة حسب أرسطو نقيض الاستبداد. إن موقف الحزب الاشتراكي الأخير موقف سياسي بامتياز وبدأ يحرر ممارسته السياسية من حقل الأفكار غير ذات العلاقة بالفكر السياسي, بدأ يحرر المعرفة السياسية من حقل الإيمان ميدان صناعة القينيات, وذات يوم كان هناك ظن لدى معظم الناس ولازال هذا الظن سائداً وعلى أساسه تم تقسيم الناس بأصحاب المشاريع الصغيرة وأصحاب المشاريع الكبيرة, وكأن الخروج على ثوابت الوضع القائم خروج عن الجنة المنتظرة. القضية ليست اصحاب مشاريع لا كبيرة ولا أصحاب مشاريع صغيرة , المسألة يمكن تلخيصها عبر ما عرف في فلسفة افلاطون بنظرية المٌثل أو نظرية الكهف, جميعنا أصحاب المشاريع الصغيرة واصحاب المشاريع الكبيرة نشبه أولئك البشر الذين تحدث عنهم افلاطون في نظريته, جميعنا أسيرو كهف " الوحدة" أو بشكل أدق هذا الشكل من النظام السياسي, ولم نكن نعرف غيره حتى باتت هذه "الوحدة" تمثل لنا الحقيقة المطلقة والوحيدة, وكل ما عداها ظلا وأشباح وأكاذيب, ولم يحاول أحداً منا الخروج من هذا الكهف, وحتى إذا وجد من حاول الخروج, فإنه يتهم بالكفر والارتداد والخروج على الثوابت الوطنية, ولم يدر بخلدنا أننا محبوسين في كهف فيه صور ومعارف أسرتنا بحكم العادة, كما أننا لا نعرف أن هناك تصورات ومعارف أخرى خارج الكهف, وإذا ما استطعنا أن نتحرر من هذا الكهف, سنكتشف أن ما ألفناه وعشنا معه مجرد ظلال وأن هناك أشكال أخرى من وحدات أخرى لم نعرفها, وعلينا أن نعرفها ونبحث عنها وندرسها ونعيها, ونبحث عن محاسنها ومثالبها. وفي الأول والأخير خطوة كهذه تفرض علينا أن نتحرر من عبادة هذه الشعارات وتقديسها, أي علينا أن ننظر إلى هذه المفاهيم, مثل الوحدة الاندماجية والوحدة الفيدرالية والوحدة الكونفدرالية وحتى الانفصال ايضاً باعتبارها وسائل تنظيم حياة الناس وترتيب مصالحهم, المهم في أي شعار أن يتخلص من لا معقوليته ولا يتحول إلى تخريج, والحرب الذي لا يعكس في شعاراته مصالح الناس يفقد تأييدهم. عن: الأولى