د. فؤاد الصلاحي في حكاية الفيلم الوثائقي، قلت بعد مشاهدته: لا جديد في القصة ولا وثائق جديدة، إنما مجرد إعادة سرد الحكاية وفق شهود تكلموا لأول مرة علنًا، ولم يقولوا جديدًا سوى مروية مكان قتل الرئيس صالح. وهذا لا يفرّق كثيرًا؛ ففي الأصل كان رئيسًا لدولة فيها كل المؤسسات، ومنها العسكرية والأمنية، وعدد من أجهزة المخابرات، وجميعها لم تمكّنه من معرفة ما يجري داخل العاصمة، وحول منزله، وداخل مكتبه، ناهيك عن القبائل التي موّلها وأغدق عليها، فهربوا منه ساعة الحاجة إليهم. وقد قلنا سابقًا: إنه لم يكن رجل دولة، بل رجل سلطة استفاد مع أقاربه وأعوانه ومجموعات متحالفة معه وفق نهج المحاصصة والغنيمة، منها أحزاب معروفة، أصبح كثير من قياداتها من كبار الأثرياء، ثم قبائل وجماعات متعددة تجاريًّا أو تحوّلت للعمل في التجارة وفق الإغداق عليها بالمال، لتتشكل معه طبقة تجارية منافسة لمثيلاتها من تعز وعدن وحضرموت، وكان واعيًا لذلك. ولم يستفد من تحالفاته الخارجية في اللحظة الحاسمة ولا قبلها، لأنه كان بإمكانه أن يكون رجل دولة، ويستفيد من الدعم الخارجي لتحقيق برامج تنمية شاملة، وبرامج خدمات عامة، واستثمار واسع، مثلما تفعل دول الجوار. وربما كانوا ضمّوا اليمن سريعًا إلى المجلس (حافظ صالح على شكل الدولة وحضورها الرمزي كما ورثه من سلفه)، لكن مناوراته خلقت شكوكًا في سلوكه السياسي، الأمر الذي قرر الخارج الإقليمي إنهاء صفحته من خلال المبادرة أولًا، مع أنها ضمنت له الحماية القانونية. لكن خطأه في الشراكة مع حليف قرر سابقًا الثأر منه – وهذا أمر معروف وفق منطق العصبية القبلية – ثم مكن حليفه من أدوات القوة التي كانت بحوزته، وهذا خطأ كبير جدًّا أصبح معروفًا للعامة والخاصة. إذًا.. ماذا أراد الفيلم الوثائقي أن يقول في السردية العامة التي أُعلن عنها؟ لا جديد سوى مكان قتل صالح. لكن الأهم في الإشارات، وهي ما أرادت الجهة السياسية التي أوعزت بإخراج هذا الفيلم، وهنا الجديد. هناك رسائل خارجية وداخلية. الأخيرة تتضمن إعادة ترتيب المشهد السياسي وفق فرز داخل عائلة صالح الكبيرة، ومواقفهم أثناء الساعات واليوم الأخير، فغاب الحديث عن أحدهم أصبح جنرالًا حاليًا وله قوات مدعومة خارجيًا، ثم الإشارة إلى فكرة ترتيب شخوص وقيادات تحل محل مجلس القيادة، ودمج اثنين من أقارب صالح في بنية السلطة الجديدة. لكن الفيلم سحق رواية سابقة جعلت من صالح رمزًا وشهيدًا، كان قد تبناها المؤتمر الشعبي ومناصرو صالح، وصوّرته رئيسًا هاربًا تم قتله في الطريق التي لم يستكمل فيها هروبه، ولم تتقدم قبائله لنجدته. وهذا يحقق هدفًا رئيسيًا لتلك الجهة المُعدة والممولة للفيلم. وهذا الأمر الأخير – أي نكوص قبائله عن المساندة – كتبت عنه مرارًا، بأن القبائل ليست قوية بذاتها، بل اكتسبت القوة في عهد صالح فقط، وهي دون ذلك من الضعف والهوان. والدليل: تعامل الحوثي معها صغيرًا وكبيرًا، ومواقفهم منه. إذًا، المخرج الإقليمي يمسك بزمام المبادرة مرة أخرى لصناعة مشهد سياسي لا يحقق الاستقرار لليمن، لكنه يصنع نظامًا هشًّا يحقق من خلاله أهدافه سياسيًّا واقتصاديًّا، وفق تعدد المصالح لطرفي الإقليم اللذين أصبح لديهما جماعات وشخوص يتم الارتقاء بهم سياسيًّا وقياديًّا نحو سلطة جديدة لا تؤسس لدولة قوية، بل وربما ستكون منقوصة السيادة، لأن هذا الأمر لا يهم ذلك الخارج، بل يؤسس لسلطة ضعيفة تعمل دومًا في تمرير مصالح الخارج الذي يدعمها ويُساندها. وهنا، لن يكون للأحزاب والمكونات الأخرى أي صوت أو فاعلية، لأنها ستكون شريكة في أي سلطة وفق ذات النهج، أي المحاصصة والغنيمة، وهي موافقة مسبقًا لذلك، لأنها لا تمتلك مشروعًا للتغيير أو لإعادة البناء، ومكتفية بدور التابع. وقد صرّح ذات مرة قياديان في الحزبين الكبيرين أنهما سيمثّلان دومًا في أي حكومة أو سلطة، ولن يتم استبعادهما من المشهد السياسي…!!! من حائط الكاتب على الفيسبوك