ولم يقتصر ثقل الخسارة على هذا أيضا، بل إن الأسى يتسع أكثر في قلوب قليلة فقط، لأن لا أحد تقريبا تذكر مديحة الحيدري بعد عام من غيابها، وهو ما كان يبدو واضحا ساعة رحيلها، حيث لم يكترث سوى القليلون، ولم يشعر بفقدانها سوى من أدرك قيمتها الحقيقية، ومنجزاتها التي يصعب أن تتكرر. توفيت مديحة منتصف يوم الجمعة 18/1/2008، بعد عودتها إلى منزلها من أحد المستشفيات الذي أسعفت إليه صباح ذات اليوم. الجرأة هي أهم ما ميز الحيدري خلال حياتها الفنية، وهي ما وضعت لها فيما بعد مكانة متميزة ساهمت إلى جانب السمات الفطرية الرائعة التي كانت تمتلكها في تمكينها من طريق النجاح والإبداع. شاركت في أغلب المسلسلات الدرامية والكوميدية اليمنية إضافة إلى حضورها الكبير كفنانة يمنية في عدد كبير من المسلسلات الخليجية. ولدت مديحة الحيدري في 14 أبريل عام 1965، بمنطقة المخادر في إب، وكانت انطلاقتها الفنية الحقيقية في العام 1976 بمشاركتها في مسرحية "الفار في قفص الاتهام" للكاتب المسرحي عبد الكافي محمد سعيد. درست المسرح وحصلت على دبلوم فيه عام 1983، كما التحقت بالمسرح الوطني اليمني بوزارة الثقافة والإعلام. شاركت الحيدري في أعمال درامية كثيرة للتلفزيون والإذاعة حيث شاركت خارج اليمن في مسلسل «أيام الندم» الذي عرض في 1997م ومسلسلات تاريخية لإذاعة مسقط، وكذلك مسلسل «زهرة الجريح» في عمان و«خذ وخل» والسعودي «دولاب الزمن» و«عواطف قاتلة» مع الممثلة الأردنية نجلاء عبد الله وإخراج محمد العوالي، و"سوالف حريم" للمخرج وائل فهمي عبد الحميد. ثمة الكثير من الآثار التي لن تنمحي من ذاكرة الدراما اليمنية بعد مديحة الحيدري، فقد أثبتت خلال رحلتها الفنية قدرتها على تقديم صورة واعية عن المرأة اليمنية التي يمكن لها أن تلقي عنها أغطية التخلف، والإقصاء والتهميش، وبوجودها في ساحة الفن أعطت نموذجا يحتذى به عن قدرة المرأة على الحضور حتى في تلك الساحات التي يصعب على امرأة من هذا الواقع الحضور فيها، ومنذ بدأت بالتمثيل صار للمرأة اليمنية دورا في الدراما والمسرح، ولم يعد قاصرا أو محدد على الرجال، أو بزمان ومكان معينين. شاركت في الدراما التلفزيونية منذ بداية الثمانينيات، وكانت ممثلة رئيسية في أول مسلسل يمني مصري مشترك حمل اسم "وريقة الحنا" ولعبت دورها أمام الفنانة المصرية إحسان القلعاوي، والفنانة المصرية أمينة رزق التي أطلقت عليها لقب "سندريلا اليمن". وشاركت في مجموعة كبيرة من الاعمال التلفزيونية الدرامية وصل عددها إلى 97، منها على المستوى المحلي مسلسلات "الفجر"، "أسرار المجانين"، "سعدية"، "طشة وناشر"، "الثأر"، "الكنز"، "مقامات رمضانية"، "رماد الشوك"، "سيف بن ذي يزن" فيلم "القارب"، ومسلسلا "تلفزيون عبر العصور"، و"فنطزية". شاركت في عدد كبير من المسرحيات ابتداء من "سيف بن ذي يزن" للشاعر عبد العزيز المقالح، ومسرحية "أقدام وسيقان" " في دولة قطر للمخرج صفوت الغشم. كما شاركت في مسرحية "البوفيه" للكاتب المصري علي سالم، مسرحية "شهرزاد" للكاتب علي أحمد باكثير، مسرحية "الهوية المفقودة" للكاتب المسرحي عبدربه الهيثمي. حصلت مديحة الحيدري على جائزة أفضل ممثلة في "مهرجان المسرح اليمني الأول" في مسرحية "أصول اللعبة" للمخرج محمد الرخم، وشاركت في أوبريت «على شرفة القمر السبئي» للكاتب محمد الشامي، و«سهيل اليماني» للمخرج أحمد الزيادي. إضافة لمشاركتها في عدد من برامج الأطفال في الفترة بين عامي 1982 و1987. علاوة على مشاركتها في عدد من الأعمال الاجتماعية التي تستهدف التثقيف الصحي والعناية بالمرأة والطفل. كما شاركت في عدد من المسلسلات في الخليج العربي مثل مسلسل "أيام الندم" في سلطنة عمان للمخرج عبدالله حيدر، و"سوالف حريم" من إخراج المصري وائل فهمي عبدالحميد، "دولاب الزمن" للمخرج محمد العوالي،" خذ وخل" للمخرج سائد هواري، وغيرها. واشتركت في عدد كبير من المسلسلات الإذاعية وصل عددها إلى 120، مثل مسلسل "لطائف السمر"، "حكاية في قصيدة"، "قلوب على الأوتار"، "جزيرة الأحلام"، "إلا الحب"، "أحلام الفجر"، "شمعة في مهب الريح"، "إسأل مجرب"، "خلوا لسعد حاله"، "لا مزوج سلي ولا عزب مستريح"، و"همس السواقي"، وكانت معظم هذه الاعمال من تأليف الكاتب علي السياني وإخراج عبدالرحمن عبسي. لمديحة الحيدري بنتان (روزا وريما)، ويكفيها بعد موتها أنها ظلت السباقة في تاريخ المرأة اليمنية حتى بعد رحيلها، فقد قامت الحكومة اليمنية -ولأول مرة- بنعي وفاة شخصية نسائية عبر وزارتي الثقافة والإعلام وكانت الفضائية اليمنية وفي سابقة مشرفة قد تبنت بيان النعي وبثه في الأخبار الرئيسة مقدمة التعازي الحارة للجمهور ولأسرة الفقيدة وزملائها ومحبيها.