كانت المسافة من المكان الذي نحن فيه والخط المسفلت حوالي 260 كم.. فسرنا على الأقدام لمدة ثلاث ساعات ونصف إلى جبل الشوك، وهناك تفرقنا ثلاث فرق حيث ذهب ثلاثة أشخاص في طريق وذهب شخص واحد في طريق آخر والبقية وعددنا أربعة عشر شخصاً ذهبنا في طريق ثالثة لعل وعسى نجد الماء والأكل وننجو من الموت فلم نجد شيئاً، وفي طريق عودتنا من جبل الشوك مات أحدنا ونحن في طريقنا إلى السيارة التي تركها صاحبها غارقة في الرمال.. مات رفيقنا من الظمأ والجوع والتعب ونحن ننظر إليه ولم نستطع أن نفعل له شيئا.. تركناه ومشينا إلى أن جاء المساء وافترشنا رمل الصحراء إلى اليوم الثاني وبدأنا بالمسير ونحن لا نعرف أين الشرق من الغرب في بحر من الرمال المتحركة، وعندما انتصف النهار ووصل بنا الحال إلى الانهيار التام.. كان القدر حاضراً حيث أن زملاءنا الثلاثة الذين ذهبوا لوحدهم سلكوا طريقاً فوجدوا بعد معاناة شديدة إبلاً ترعى فقرروا مهاجمتها للحصول على اللبن، خافت الإبل وهربت ثم ظهر الراعي السوداني وأخذهم إلى مكان وأسقاهم وأطعمهم وبالصدفة جاء شخص سعودي يبحث عن ناقة له فحدثه السوداني فأخذ زملاءنا إلى الشرطة وبلَّغوا عنا وقالوا للشرطة إن لنا زملاء تائهين في الصحراء وممكن أن يموتوا من الجوع والعطش فتحركت الشرطة والدفاع المدني والمجاهدين، والبحث الجنائي واستمروا لساعات يبحثون عنا وفي الوقت الذي أيقنا بالموت ولم نعد قادرين على الحركة أو الكلام أطلت سيارات الشرطة فأغاثونا بالماء والعصير وأخذونا إلى مستشفى الملك عبد الله في مدينة بيشة، وأحد زملائنا شرب الماء ثم مات بعدها مباشرة.. وبعد ذلك تحركت السيارات للبحث عن الشخص الذي مات من الظمأ في الصحراء، واستمرت العملية أربعة أيام تقريباً إلى أن وجدوه وهو في بداية التحلل .. فأخذوه إلى ثلاجة مستشفى بيشة مع الشخص الثاني الذي شرب ومات.. وبعد كل هذه المعاناة والعذاب وقد رأينا الموت حاضراً في الصحراء أخذتنا الشرطة إلى الجوازات ثم إلى الترحيل عن طريق منفذ حرض.. هذا ما حدث لهذه المجموعة التي روى قصتها عبد الجبار حمود وثمة حكايات لم يروها أحد لأن المجموعة ماتت بكاملها، فمنهم مجموعة من خمسة وعشرين شخصاً ماتوا في الصحراء مع المُهرب ومجموعة من ستة عشر شخصاً .. وغيرها من المجموعات..