عندما كنا في عز شبابنا، بلا تلفزيون ولا من يتلفزون، كان تركيز بعض مجانين الكرة من أمثالي على إذاعة لندن التي تنقل بلغة شكسبير أحداث ونتائج الدوري الإنكليزي.. في السبعينيات والثمانينيات خرق آذاننا اسم ليفربول مطولاً (10 ألقاب في الدوري خلال العقدين و4 ألقاب في كأس ابطال اوروبا و2 في كأس الاتحاد الأوروبي) وحفظنا أسماء نجومه أمثال كيغان ودالغليش وسونس وراش.. كذلك تألق نوتنغهام وأستون فيلا أوروبياً، وبقي مانشستر يونايتد يغط في سبات عميق الى أن صحا واستعاد لقب بطل الدوري بعد أكثر من ربع قرن وتحديداً في 1992/1993، ثم كرت السبحة بفضل فيرغسون. سبحة النادي العتيد مع فيرغسون تضم حتى اليوم 38 حبة (لقباً) منها 13 لقباً في الدوري و5 في كأس انكلترا و2 في دوري الأبطال و1 في كأس العالم للأندية.. وكم كانت الرحلة شاقة. لقد ساءت نتائج اليونايتد مع رون اتكينسون فأُقيل في 6 نوفمبر 1986 عندما كان الفريق في المركز ال21 قبل الأخير وتسلم فيرغسون المهمة على أمل أن يواصل النجاحات التي حققها مع أبردين بطل اسكتلندا (مجمل ألقاب فيرغسون مع سانت ميرين وابردين واليونايتد هو 49 لقباً). انتزع الفريق المركز الحادي عشر في الموسم الأول لفيرغسون 1986/1987 ثم الثاني في الموسم التالي ولكن بفارق كبير خلف ليفربول، ثم الحادي عشر في 1988/1989.. وافتتح اليونايتد الموسم 1989/1990 بالفوز على أرسنال حامل اللقب 4/1 ولكنه سجل بعد ذلك تعادلين و6 هزائم منها واحدة أمام السيتي 1/5، فرفعت لافتات ضد فيرغسون في مدرجات أولد ترافورد وطالب نقاد كثيرون بإقالته (في مذكراته وصف فيرغسون تلك الفترة بأنها الأشد ظلمة في مسيرته). ما أنقذ المدرب كان تخطي نوتنغهام القوي في الدور الثالث لكأس إنكلترا.. كانت تلك خشبة الخلاص فعلاً لأن الكأس ارتاحت في خزائن الفريق على حساب كريستال بالاس معلنة باكورة إنجازات فيرغسون في مانشستر.. وفي الموسم التالي 1990/1991 كانت المفاجأة حيث فاز اليونايتد على برشلونة بهدفين لمارك هيوز مقابل هدف واحد لرونالد كومان في نهائي كأس الكؤوس الأوروبية. تغييرات عدة أقدم عليها فيرغسون من موسم الى آخر الى أن ضم الفرنسي كانتونا من ليدز في 1992/1993 فشكل ثنائياً خطيراً مع هيوز ليتوج الفريق بطلاً للدوري للمرة الأولى منذ 26 عاماً.. وبلغ فيرغسون القمة عندما حقق اليونايتد الثلاثية في موسم واحد للمرة الأولى (الدوري والكأس ودوري الأبطال في 1998/1999). جدد فيرغسون جلد فريقه باستمرار منذ 1986 والنجوم الذين عملوا تحت قيادته كثر جداً، وبفضل نظرته الثاقبة كان معظم خياراته ناجحاً، هذا فضلاً عن شخصية مبتكرة وقوية تمكنت من الثبات وبقوة عند المحن. أكثر من مرة خيّل للمراقبين أن فيرغسون سيعتزل وهو في القمة فخاب ظنهم.. ولكن باعتبار أن لكل بداية نهاية فها هو ابن غلاسكو يؤكد في 8 مايو 2013، أي وهو في سن ال71 و5 أشهر وأسبوع واحد (من مواليد 31 ديسمبر 1941)، اعتزاله بعدما قاد اليونايتد في 1497 مباراة (893 فوزاً و337 تعادلاً و267 خسارة). بعد ساعة من بيان اليونايتد باعتزال فيرغسون كانت قد هطلت 1.4 مليون تغريدة تتغزل به، وسؤال واحد فرض نفسه: من سيكون الخلف؟ وهل من مفاجأة؟ والمهم أن الجماهير ستحتفل بمدرب أسطوري سيظهر للمرة الأخيرة في «اولد ترافورد» الأحد المقبل على هامش المباراة ضد سوانزي سيتي. لم يطو السير فيرغسون صفحة، بل طوى كتاباً. محمد حمادة