تدرك روسيا أن تعويذات سوتشي تشكل أحد عناصر الجذب ورغم اختيارها لنماذج ناجحة إلا أنها لم تسلم من انتقادات متعددة المصادر. زاهر الحلو منذ بزغ الأولمبياد بكساء الحداثة عام 1896 اقتصرت رموزه على شعار "أسرع أعلى أقوى" ثم الدوائر الشهيرة بمعية البارون بيار دو كوبرتان عام 1912 مروراً بالعلم بعدها بسنتين فالشعلة في أولمبياد 1936 والنشيد الأولمبي وصولاً إلى عام 1972 تاريخ الاعتماد رسمياً على تعويذة خاصة بكل نسخة ألعاب، صيفية كانت أم شتوية. وقبل مؤتمر اللجنة الأولمبية الدوري بنسخته ال73 عام 1972 في ميونيخ شهدت دورة غرونوبل الشتوية عام 1968 أول تعويذة غير رسمية، قبل الإقرار الفعلي من ألمانيا لتشهد بعدها انسبورك النمساوية عام 1976 أول تعويذة شتوية رسمية عبارة عن رجل ثلج، سبقتها ميونيخ بنسخة صيفية عام 1972 بأول تعويذة أولمبية رسمية. ووفقاً للقانون الأولمبي يمكن أن ترمز التعويذة لشخص ما أو حيوان أو شخصية وهمية خرافية، لكن الجامع بين الرموز الثلاثة هو ثقافة البلد ومدى تداخلها مع التعويذة التي ستمثلها والهدف منها إلى نشر المبادئ الأولمبية والتسويق للألعاب، علماً بأن العامل الترويجي يكبر بطولةً بعد أخرى. ولا تلزم اللجنة الأولمبية الدولية البلد المنظم بآلية محددة لاختيار التعويذة، ما يعني أن الأمر يتم بطريقة مختلفة من دورة إلى أخرى وفقاً لما تراه الجهة المنظمة، وفي الغالب تكون تصويتاً لعامة الناس. وكما كان ل"ميشا" الدب الأسمر شهرة كبيرة في أولمبياد موسكو الصيفي عام 1980، الأمر ذاته تحاول روسيا تحقيقه من خلال تعويذات دورة سوتشي الفهد الثلجي والدب القطبي والأرنب البري، إذ تأمل أكبر دولة في العالم جغرافياً أن تدخل قلوب الناس من خلال نماذجها التي اختارتها بناء على تصويت عام بعد مسيرة قيصرية شملت اقتراحات رسوم من 24 ألف مصمم. عام 2008 بدأ منظمو سوتشي 2014 عملية تصويت لاختيار تعويذة ألعابهم، فاختار سكان المدينة دُلفيناً على مزلاجين لكن النتيجة لم تلقَ استحسان الرسميين فارتأوا توسيع رقعة التصويت على مستوى البلد عامة، وبعد أكثر من جولة شملت استبعاد مرشحين بارزين صبت أكثرية 1.5 مليون صوت لمصلحة النماذج الثلاثة المذكورة خلال برنامج مباشر على الهواء، وذهب المركز الأول للفهد الذي نال حظوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تلاه الدب القطبي ثم الأرنب البري. وعدت هذه الحالة الأولى من نوعها التي يتم خلالها اختيار التعويذة عبر تصويت على مستوى البلاد. الأرنب البري منتشر في روسيا على نحو كبير لاسيما في الجبال على ارتفاعات عالية، وغالباً ما يكون بني اللون يعرف بسرعته العالية التي قد تصل إلى 60 كلم/ساعة. الدب القطبي يعرف بقوته وخفته في آن ولو كانت المصارعة جزءاً من أولمبياد الشتاء لكان هذا الدب خياراً ممتازاً للدلالة إليها، أما الفهد فيعرف بسرعته الهائلة وهو غير موجود في روسيا، وهذا ما يؤخذ سلبياً على اختيار هذه الحيوانات الثلاثة لأنها ليست ذات صلة مباشرة بسوتشي أو روسيا، بالإضافة إلى شكوك حول آلية الاختيار. فرغم أن تعويذة الفهد نالت أكبر نسبة تصويت بلغت 28% إلا أن الانتقادات الرسمية والشعبية علا صوتها معتبرة أن دعم الرئيس الروسي أدى لرفع نسبة التصويت عليه بعدما أعلن تأييده للفهد "القوي والسريع والجميل" وقال في بيان إن "روسيا جميلة بتنوعها، والواقع أن واحداً من النماذج الأولمبية حيوان أحييناه وكان الإنسان دمره في الخمسينيات من القرن الماضي، روسيا أصبحت مختلفة" في رسالة ذات أبعاد مختلفة بيئية ورياضية. ولم يقتصر الانتقاد هنا، إذ أن مصمم تعويذة "ميشا" لأولمبياد 1980 قال إن تعويذة الدب القطبي مستقاة من أفكاره. وصرح فيكتور شيزيكوف مصمم ميشا: "هذا الدب القطبي، كل شيء أخذ مني، العينان، المنخار، الفم والضحكة، لا أحب أن أُسرق". الجدير ذكره أن جدلية تعويذات سوتشي ليست بجديدة على الساحة الأولمبية، ففي أولمبياد اتالانتا 1996 اعتبر "ايزي" غير ذات صلة بالبلاد إلى منظره الساذج غير المحبب. بصرف النظر عن آلية الاختيار ومدى سلامتها من عدمه ومدى صلة الفهد الثلجي والدب القطبي والأرنب البري بالواقع البيئي لسوتشي أو روسيا عموماً، إلا أن هذه التعويذات تبدو محببة لعامة الناس وللمعلنين والمستثمرين وهي تلقى رواجاً طيباً بين السواح والإعلام ولمفهوم التنافس الأولمبي، فضلاً عن إيفائها بالأسرع والأعلى والأقوى.