1991، كانت كل المؤشرات تتحدث عن تدهور الأوضع في الاتحاد السوفييتي حد الانهيار، نتيجة لعوامل داخلية كانخفاض الانتاج وتفشي الفقر والبطالة بتسريح عشرات ألاف العمال وظهور تيارات ذات نزعة شوفينية ومتطرفة بدءاً بعام 87 وظهور حيتان الفساد ذلك الوقت، وبالإضافة إلى مؤامرات المنظومة الإمبريالية العالمية والتي نجحت في إنشاء طابور خامس داخل الحزب الشيوعي وتمكنت فيما بعد من تحقيق طموحاتها بتقويض الكيان السوفيتي من الداخل الأمر الذي أدى إلى انهياره بعد أن أدركت ألا مجال لتقويضه عبر القوة العسكرية أو عبر الحصار الاقتصادي. وفعلاً حل الاتحاد السوفييتي، ليدخل مرحلة جديدةَ لا تقل سواداً عن فترة الحرب الروسية - النازية، ظهرت فيها المافيات، وشاع فيها الفساد، و شهدت ازدياداً ملحوظاً في البطالة، وسادت الخلافات السياسية كان من نتائجها قصف الدوما وحرب القوقاز، وبدت أنداك روسيا، الوريث الأكبر للاتحاد السوفيتي، في أشد مراحل ضعفها التاريخي، وظهرت ملامح الوهن عليها، في ظل حكم يلتسين، وكانت ديناصوراً نووياً عجز عن مجاراة أعدائه الرأسماليين القدامى وحتى حليفه الشيوعي القديم (الصين)، وكان لهذا أيما أثر على الحركات التحررية والتقدمية العالمية التي أُصيبت في مقتل جراء تهاوي الحليف الأممي الأبرز وربما الوحيد. انتهت حقبة روسيا بوريس يلتسين أخر اعوام الألفية المنصرمة، لتدخل روسيا الألفية الجديدة برئيس جديد يحمل بروسترويكا لا تبدو كتلك التي حملها جورباتشوف، لقد جاء بوتين إلى السلطة في روسيا حاملاً مشروعاً جديداً نرى ثماره بان تعود روسيا إلى الساحة الدولية مجدداً، بعد أن نجحت في ترميم البيت الذي كاد يتهاوى، إن لم يكن قد تهاوى فعلاً و أعادت روسيا الألفية الجديدة بناءهُ بيتاً جديداً. 2008، تعود روسيا عبر بوابة الميدان الجورجي، الدعم الغربي للسياسات الجورجية في اوسيتيا الجنوبية بلغ ذروته، كان اقتحام القوات الجورجية لاوسيتيا بمثابة استهتار للروس، لقد نكثت جورجيا باتفاق السلام، وركنت إلى الدعم الامريكي والأوروبي كمانع للتدخل الروسي، واخطأت في حسابتها حيث لم تكن تتوقع أن يكون الرد الروسي بذاك الحجم، دخلت القوات الروسية اوسيتيا وسيطرت خلال يومين على العاصمة وخرجت القوات الجورجية من هناك بعد ارتكاب مجازر ابادة، لقد كانت حجةروسيا للتدخل حماية السكان الحاملين للجوازات الروسية، وكان الغرب يهدد روسيا بانه إذا لم تسحب روسيا قواتها من اوسيتيا فإنها ستتعرض لعقوبات وستُعزل....إلخ، لكن روسيا فرضت أمراً واقعاً وحرمت جورجيا من منفذ بحري. في سوريا أيضاً، الموقف الروسي يستحق الرهان عليه، حيث وقفت إلى جانب سوريا كحليف استراتيجي يجب ألا يُخسر، وكممر للإرهاب فيما بعد عبر بوابة جنوبية غربية لروسيا، بالإضافة إلى مبادئ ورثت عن الاتحاد السوفيتي، فبعد خداع الغرب لروسيا في ليبيا، لا يُلدغ المرء من جحرِ مرتين، فشكلت روسيا إلى جانب الصين جبهة دولية متقدمة للحكومة السورية، بل بإمكاننا اعتبار هذا حلفاً جديداً يقاتل على جبهات عدة منها سوريا ومصر والشيشان وتايوان، بالنسبة الى الصين تمثل تايوان ميدان نزال بينها وبين امريكا، واخرها أوكرانيا. نسمع الأن كثيراً عن رفض غربي لتدخل روسيا في شبة جزيرة القرم، وتدخلها الذي أتوقعه في شرق أوكرانيا ايضاً، وعن تحركات عسكرية لحلف الناتو، هذه الولولة الغربية ستخفت قريباً كخفوتها في جورجيا من قبل، وسيؤمن الغرب بالأمر الواقع الذي ستفرضه روسيا على المعادلة، وسيضع الغرب نفسه و حلفائه في كييف أمام خيار وحيد وهو الاعتراف بالواقع الجديد، ولن تجد امريكا ولا اوروبا ولا كييف فيما بعد إلا الانصياع للخيار الروسي. كما ان الغاز الروسي سيلعب دوراً مهماً في المستقبل. لقد شكلت فترة "بوتين - ميدفيدف - بوتين" ربيعاً روسياً مشهوداً، أعادت ذكرى العصر الذهبي للاتحاد السوفيتي إلى الأذهان، عودة روسيا هذه تمثل أملاً للشعوب التي ترزح تحت نير وظلم الأحادية القطبية والسياسة الإمبريالية بان هنالك قطباً جديداً يمكن اللجوء إليه ويعيد التوازن في عالم لطالما احتاج منذ عقدين إلى التوازن. من المضحك أن نسمع امريكا واوروبا تهددان بفرض عقوبات على روسيا، وبعزلها..! عزل روسيا..!؟ يا رااااجل يا اوباما..!؟ أمريكا والغرب يتعاملون مع روسيا كما لو أنهم يتعاملون مع إحدى دول العالم الثالث، العالم الثالث الذي أحكمت المنظومة الغربية السيطرة عليه كلياً سياسياً واقتصادياً، وامتصت ثرواته بشكل فج، تأتي تلك المنظومة لتتعامل مع روسيا على ذلك الأساس، كما لو أنهم أدمنوا ذلك الأسلوب سياسةَ خارجية، وإلا لا تكون أمريكا ناوية على إرسال جيرارد فايرستاين إلى روسيا كسفير، يمارس الضغط الذي مارسه على اليمنيين وبالاستفادة من خبرته طوال فترة ما كان سفيرها في اليمن، ويكون شيخ مشايخ روسيا، على هذيك التهديدات، مش بعيد..! لقد انتهى عهد الهيمنة الأمريكية، وستنهار عما قريب المنظومة الإمبريالية.. عما قريب.. و ما هذه إلا ملامح الانهيار الوشيك وملامح بلورة قواعد العالم الجديد.