لست ناصرياً ، وﻻ يشرفني أن أنتمي لأي تنظيم سياسي غير المؤتمر الشعبي العام ، خصوصاً إن كان ذلك التنظيم يدعي شرف السير على خطى الزعيم العربي الخالد جمال عبدالناصر ، ويدعي أنه يستلهم منه مبادئه وقيمه وأخلاقياته ، رغم إقراري واعترافي بأنني لم أخفق طوال حياتي في شيء قدر إخفاقي وفشلي الذريع في كل محاوﻻتي واجتهاداتي المستميتة ﻻستبدال حالة المحبة العظيمة التي ﻻ حدود وﻻ سقف لها لشخص الرئيس جمال عبدالناصر لحالة من الكراهية والبغضاء ولو في الحدود الدنيا .
فلو كان الرئيس جمال عبدالناصر حياً لبصق في وجوه أولئك الذين يدعون شرف الانتماء إليه ، بينما هو منهم براء ، فلم يكن ليخطر ببال الرئيس عبدالناصر أن ينزلق هؤلاء المدعين لهذا المنحدر المخزي ، بمباركتهم وتأييدهم المعلن غير المستتر ، وبكل جراءة ووقاحة ، للاعتداء الهمجي على وطنهم مهما كانت الذرائع والمبررات ، وإقامة قياداتهم في أفخر وأفخم فنادق عاصمة البلد الذي يقود ويمول ذلك العدوان ، وتفاخرهم بوضع هاماتهم تحت نعال (جُهَّال) آل سعود ، والسماح لأياديهم بمجرد ملامسة أيادي جلاديهم ومنتهكي أرضهم وعرضهم ، الموغلين في استجلاب المرتزقة من كل أصقاع الأرض لتدنيس شرفهم ، وتلويث طهارة وطنهم .
ولا أعتقد أن هناك من القراء الأعزاء الذين تطالع أعينهم كلماتي اﻵن ، أو أن هناك ممن ينتمون تنظيمياً لذلك الحزب الذي لازالت قياداته العميلة تدعي زوراً وبهتاناً وإفكاً مبيناً أنها (ناصرية) فكراً وعقيدة ، بل وﻻ أعتقد أن أياً منا نحن اليمانيين جميعاً من يجهل أو ينسى موقف الرئيس جمال عبدالناصر من حكام ممالك الرمال وبالتحديد مملكة (جُهَّال) آل سعود ، وكيف كان قلقه - رحمه الله - بالغاً على (اليمن) ، لوجودها بجوار هذه المملكة ، وكيف أفصح عن ذلك القلق صراحةً ودون تورية أو كناية في الكثير من خطاباته ، وكيف أن تلك الكلمات كانت ومازالت هادية ومرشدة وبمثابة خارطة طريق للكيفية الملائمة للتعامل مع أولئك (الجُهَّال) العابثين من حكام تلك المملكة المترامية الأطراف التي لم تدع أحداً ممن له حدود معها من جيرانها إلا وقضمت والتهمت جزء من أراضيه ، فأحاطت كيانها بما يشبه السياج الأمني مع كل من يفترض أنهم أشقائها .
ونأتي للرفاق في الحزب الاشتراكي الذي كان يرى في مملكة الرمال وحكامها من (جُهَّال) آل سعود شيطاناً أكبر وممثلاً أصيلاً للرأسمالية والإمبريالية في المنطقة ، وكم شجوا رؤوسنا وصدعوها في كل أطروحاتهم وتناولاتهم الفكرية والأدبية ووثائقهم الحزبية حول ما ينبغي أن يكون عليه حالنا مع الجارة (الكوبرى) ، ولازلت أتذكر كلمات قيل أنها للقائد المؤسس للحزب عبدالفتاح إسماعيل الذي دفع حياته ثمنا لصراع الرفاق المحموم للإستئثار بالسلطة ، حينما رد ساخراً على سؤال خبيث لأحد الصحفيين عن عدد أركان الإسلام ، فقال : هي خمسة أركان ، وعدد تلك الأركان بجيزان ونجران وعسير والوديعة وشرورة .
فما بال الرفاق صاروا فجأة ودون مقدمات يسبحون بحمد الشقيقة (الكوبرى)؟! ، وينعمون بمقام قياداتهم المستعبدة تحت نعال حكامها ، ويلتقطون ممتنين فتات ما يجود به أولئك الحكام على تلك القيادات ، لعل ذلك الفتات يعيد لهم ماضيهم التليد ، ويمكنهم من التربع مجدداً على كرسي الحكم ، أو الاستحواذ في أقل التقديرات والتوقعات على نصيب معقول من ذلك الكرسي يشبع نهمهم للسلطة ، وأين ذهبت صقور ذلك الحزب؟! ، بل كيف تحولت تلك الصقور لحمائم تحلق في سماوات القلعة العفنة للرأسمالية الامبريالية العربية؟! .
وهل يصير الفجور في الخصومة الشخصية ل (عفاش) أو (الحوثيين) ، والرغبة الدفينة لدى أولئك بالثأر منهم ، ومحوهم من على ظهر الأرض ، مبرراً كافياً ومقبولاً ومستساغاً لدى أولئك (الأيدلوجيين) المثقغين للتحالف والترحيب بالإجهاز على (اليمن) وتدمير كل مقدراته من بشر وشجر وحجر ، ومباركة تحرير الوطن من خصومهم ، حتى لو كان ثمن ذلك إزهاق أرواح عشرات الألاف من بني جلدتهم ، وترويع الملايين من المدنيين الآمنين المطمئنين من مواطنيهم في مضاجعهم ، ممن لا ناقة لهم ولا جمل في كل ما يدور حولهم من قذارات الساسة وبشاعتهم وقبحهم .
ألم يئن الأوان بعد لأن تصحوا قواعد وقيادات تلك الأحزاب وغيرها (وتحديدا التجمع اليمني للإصلاح) التي مازالت مقيمة داخل الوطن من سباتها وتفيق من غفوتها ، ليتداركوا أمر كياناتهم التنظيمية ولو متأخرين ، فيعلنوا براءتهم من تلك القيادات الخائنة العميلة ، التي صارت جاثية مستعبدة تحت أقدام من ملكوهم ناصية أمرهم ، وصاروا أطوع لهم من بنانهم ، ويطردون تلك القيادات من قوام كياناتهم التنظيمية ، ﻷنها صارت أشبه ما تكون بالسرطان الذي إن لم يتم بتره واستئصاله من الجسد ، فسيواصل التهام وتدمير ما تبقى من خلايا وأعضاء ذلك الجسد .
فإن ظلت تلك القيادات والقواعد المقيمة داخل الوطن على عماها ، ورفضت الانصياع لمقتضيات الواقع الاستثنائي الكارثي الذي يعيشه الوطن جراء استمرار هذا العدوان ، ولم يجدوا من بينهم رجل رشيد يصوب مسارهم ، فالواجب الوطني يقتضي بالضرورة على من يديرون شئون (اليمن) العظيم ، حل كياناتهم التنظيمية وحظر نشاطها ، ومصادرة ممتلكاتها لصالح المجهود الحربي .
لأن التراخي وعدم الإقدام على هذه الخطوة بكل الحسم والجدية الرادعة رغم مرور أكثر من سبعة أشهر على العدوان ، هو بمثابة تمكين للمنتمين لهذه التنظيمات من تفتيت وتمزيق الجبهة الداخلية التي مازالت متماسكة حتى اﻵن بفضل الله ، لأن أولئك مازالوا ماضون في بث سمومهم في أوساط مواطنيهم ، وتعميم القيح والصديد الذي ينضح من قلوبهم وأفئدتهم ، وقد باتوا طالما كان ذلك حالهم ، حالة ميئوس منها مستعصية على التداوي والتشافي ، وآخر العلاج كما هو معلوم هو الكي أو البتر والاستئصال ، اللهم هل بلغت؟! .. اللهم فاشهد .