إلى متى سيظل هذا الوطن يئن و يُعاني من الوجع ولا يقوى على تضميد جراحاته المُتخمة في ظل هذا الصراع المُستميت بين شعبٍ أبى إلا التغيير والحلم بوطنٍ مُريح , وبين حُكام عنيدون ومُستبّدون هدفهم هو الثروة والجاه على حساب الوطن .إنّ مما يُحزن المرء حقاً أنّ يفقد هويته الوطنية ويشُك بإنتمائه نتيجةً للصراع الطائفي وتنامي العنصرية وتراكمات الماضي البغيض. لقد مرّ الزمن وهو يبتلع 33 عاماً من الحكم الإستبدادي الذي لايُدمّر الحاضر فقط بل يُسهم إسهاماً كبيراً في تشويه وإعاقة المستقبل أيضاً .اليمن ذلك الوطن الكبير الذي أصبح تائهاً بين مراكز القُوى التي لا ترحم أبداً وبين أحزاب باتت تُعاني من الشيخوخة المُزمنة وبين قبائل جهوية قروية لا تعرف إلا لغة البندقية والعين الحمراء . لقد ذكر اليمن في الكثير من الكتب التاريخية ومنها التوراة والكتب الإغريقية والرومانية وغيرها , ولم يوصف أي بلد بالسعيد على مرّ التاريخ إلا اليمن لتعدد حضاراتها المُهمّة في تاريخ البشرية. اليمن الذي يعتبر الأرض الوحيدة التي أحتضنت اصل الجنس البشري والإنسانية جميعاً وكانت نقطة التجمّع والإنطلاقة الأولى للهجرات البشرية إلى العالم حيث تذكر الكتب والعلوم القديمة أن صنعاء كانت تسمى بمدينة سام نسبة إلى سام بن نوح وهو من الذين نجوا في السفينة وهذا ما يؤيّد أن اليمن كانت محطته وإنطلاقته الأولى وذريته من بعده.لقد جاء الإسلام ورفع من شأن اليمن عالياً أرضاً وشعباً في كثيرٍ من المواضع . وهُنا همسة مسبوقة بنهدة تخرج من الأعماق قائلةً ذلك كان شئٌ من سراب الماضي الذي أصبح مدفوناً في أدراج النسيان. فالتاريخ لن يسد رمق جائع , ولن يرُد المظالم , ولن يأتي بدولة وحاكم عادل . اليمن اليوم غير يمن التأريخ والحضارة , اليمن اليوم في زمن القُوى التقليدية , والطوائف السلالية والحروب الأهلية , والقلاقل المناطقية والطبقية. اليمن اليوم توشك على التفتّت ووحدة الوطن مُهددة بالتمزق والشتات , وابناء اليمن التي كانت البسمة مرسومةً على وجوههم ومبشرات التفاؤل باديةً على ملامحهم أصبح يكسوهم اليأس باحثين عن وطن لا يقتل أبنائه ولا يبيع مواطنيه بخمسين ألف ريال . وزارة المُغتربين التي أرادت أن تخدم مواطنيها ببيعهم بخمسون ألف ريال , هكذا أعلنت الوزارة التي لم ترى شيئاً تُقدّمهُ ولم تُجيد خدمة أبنائها المُغتربين إلا بتقديم عرض مُغري جداً بالتنازل عن الجنسية اليمنية مقابل مبلغ زهيد ودراهم معدودة هذا هو يمن اليوم بكل حالاته وتصوّراته. يمن اليوم هو أيضاً لا زال يمن التراجيديا بشعر البردوني والذي لا زال شعره ينبض قائلاً: فظًيعٌ جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري. يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن. جنوبيون في صنعاء شماليون في عدن وكالأعمام والأخوال في الإصرار والوهن . خطى(أكتوبر) انقلبت حزيرانية الكفن . ترقّى العار من بيع ٍ إلى بيع بلا ثمن . ومن مستعمر غاز إلى مستعمر وطني. لماذا نحن يامربى ويا منفى بلا سكن . بلا حلم بلا ذكرى بلا سلوى بلا حزن ولكن لن نعدم الأمل في الشباب لأنهم الفئة الواعدة التي هُمشّت كثيراً ولا زالت إلا أن سواعدهم قويّة ودأبهم عنيد لأنّهم الأمل الواعد والغد المُشرق الذي لا يخبو صوته ولا يُعدم عطائه. حال الوطن أشبه ما يكون بالجُملة المُقتضبه للأديب الإنجليزي كوليردج "ماءٌ في كُل مكان ولا قُطرةٍ للشراب"