ما أن يتبادر إلى سماع المواطن اليمني من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب عن محافظة إب تستحضرهُ الروعة والبهاء والخضرة وسقوط الأمطار هذا هو كُل ما يعرفهُ المواطن اليمني ببساطة عن محافظة إب .فلقد وصفت إب بإسم اللواء الأخضر نظراً لبساطها المُخضّر ، وجمالها الفاتن ، وعبق هوائها الساحر ، ورونقها الوضّاء ، وامطارها الكثيفة، ومياهها العذبة، وطابعها الهادئ المتوسّم فيه الحب والسلام والتعايش المدني والتعامل الحضاري بين أبنائها وناسها. محافظة إب لم تحمل جمال الأرض فحسب بل أنّها جمعت جلال التاريخ وعفوية الإنسان المتنوّر . فلقد كانت محافظة إب حاضنةً لأهم الحضارات والدويلات التي أُقيمت على أرضها وأبرزها الدولة الحميرية والذي أسسّها الملك ذي ريدان الحميري وكانت في وادي بناء حيثُ أختيرت مدينة ظفار عاصمةً لها، والتي لا زال متحف ظفار التاريخي بمحتوياته يحكي عن تلك الدولة العملاقة . وكذلك الدولة الصليحية التي قامت على يد الملك علي بن محمد الصليحي الذي أتت أروى بنت احمد الصليحي بعده لتختار مدنية جبلة عاصمةً للدولة الصليحية والذي أستمر حكمها ما يقرب الخمسين عام فحققّت نجاحاً باهراً نظراً لما تميزت به من حكمة وعدل وثبات. اللواء الأخضر والعاصمة السياحية لليمن لم تغيب يوماً عن المشهد اليمني ، فهي شريكةً أساسية وفاعلة للتحولات الكبرى التي يمرّ بها الوطن قديماً وحديثاً ، ففي الثورة سُميت بمدينة الحشود ، حيثُ كانت أغلب مسيراتها مليونية ، لأنّها خرجت ضد الإستئثار بالسلطة وحُكم الفرد ، وهذا ليس بغريب عنها مُطلقاً فهي التي أحتضنت مولد مُهندس ثورة سبتمبر العظيم ومُفجّرها الأول الشهيد علي عبدالمُغني الذي غيّبه الإعلام وخصوصا في العهد الأخير. وايضاً مولد زيد مطيع دماج اشهر كاتب القصة والرواية ، بالإضافة إلى كونه شخصية وسياسية وأجتماعية وحيث كانت القضايا المحلية تبرز في معظم أعمالة . بالإضافة إلى العديد من العلماء والمُفكّرين و النُخب المثقفة السياسية والإجتماعية التي شاركت ولا زالت تشارك في صنع القرار. ولا شك ان التاريخ اليمني والعربي بل والعالمي لن العالم والأديب والشاعرالقاضي عبدالرحمن الإرياني والذي تولى القضاء في مديرية النادرة ثم أسهم مع الأحرار المناوئين ضد الحكم الإمامي الذي يعتبر أول رئيس عربي يُقدم إستقالته طوعاً لمجلس شورى مُنتخب حيث تم في عهده إنجاز الكثير من أساسيات الدولة المدنية الحديثة وتم صياغة أول دستور يمني حديث وأنتخاب أول مجلس شورى ولكن تم إجهاض الحلم بعد الضغوطات التي مورست عليه من قبل دُعاة التخلف والرجعية والقوى الظلامية. اليوم إب يسكن الخوف قلبها ، وأصحاب الأرض الخضراء أصبحت وجوههم شاحبةً تميل للصفرة، لقد تم التعامل مع هذه المحافظة في فترة النظام السابق على أنّها محافظة تابعة للنظام بكل قراراته ، حيثُ يُعدّ سقوطها هو في الحقيقة سقوطٌ لنظام صنعاء. محافظة إب مُغيّبة إعلامياً لأنّها زاهدة الحديث عن نفسها ، وليس لها تُطلعات نخبوية كما للبعض الذين لا يُجيدون إلا إحداث ضجيج إعلامي . محافظة إب اليوم تشهد إنفلات أمني مقصود ، بهدف تشويهها سياسياً والزجّ بأبنائها في الإنشغال بأنفسهم ، بدلاً من مواصلة التطلّع للتغيير المنشود . حدائق ومُتنزّهات محافظة إب قليلةٌ جداً حيثُ لم تحظى من قبل السلطات المركزية و المحلية بالإهتمام ما يجعلها ترقى لأن تكون عاصمة سياحية لليمن يقصدها السياح والزوار من داخل اليمن وخارجه. بعد أن كانت محافظة إب رمزاً لجميع المحافظات بنقاء هوائها ونظافة شوراعها قد صارت اليوم تُعاني من تُكدّس القمامة في الشوارع العامة ، ليس في مركز المحافظة فحسب وإنّما أيضاٌ في بقية المديريات نظراً لغياب الرقابة وإنعدام المتابعة المستمرة من قبل الجهات المعنية في المحافظة وتقاعسها عن دورها في العمل. إنّ محافظة إب العاصمةً سياحية لا بد أن يتمّ النظر إليها بعين الإعتبار وتسهيل الإستثمارات للمغتربين من أبنائها والذين يمثلون أكبر عدد من المغتربين لأنه لا شك أنّ هذه المحافظة تمثل واجهة اليمن من حيث السياحة والحضارة والثقافة ، ولذلك يجب الإهتمام بالخدمات العامة ووسائل الإتصالات والكهرباء وإقامة الحدائق والمتنزهات والأندية الشبايية الرياضية والفكرية والثقافية ، والذي بدوره يساعد شبابها على النهوض والتوق للعمل ما يسهم بأداء دور ريادي في الحفاظ عليها كمكسب لليمن إقتصادياً وجمالياً . محافظة إب اليوم أحوج من غيرها الى قيادة حديثة تستوعب متغيرات الواقع وتعي بتطوراته ، لا يمكن لهذه القيادة القديمة الجاثمة على صدر هذه المحافظة أن تحد نقلة نوعية بعد تجاوزها فترة طويلة من الزمن ، لأن معظم تعيين قياديين المحافظة إعتبارية وإنتمائية بقدر ما هي تكنوقراطية التي ستسهم بجعل هذه المحافظة منارةً لليمن نظراً لما تتوفر فيها بيئة مُلائمة لطبيعة اليمن الجيوسياسية والذي يتميز موقفها السياسي بالإرتباط الوثيق بالجغرافية. .