- المرأة اليمنية مغيبة لأنها "عيب وعورة" - حين أبدأ في صياغة الكتابة ورسم الشخصيات أحل في شخوص من أكتب عنهم - اليمنيات الآتي شببنّ عن سطوة طوق العادات والتقاليد كنّ صورة سيئة للمرأة التي تهاجم ثوابت المجتمع الاجتماعية و الأخلاقية. قاصة وروائية يمنية من مدينة ريفية مازالت فيها الفتاة تناضل كي تلتحق بالتعليم العام. لم تجد في حياتها رفيقا كالكتاب، تعشق كتابة القصة منذ صباها. جمعت أجمل قصصها في مجموعتين "غيبوبة" طبعت طبعة متواضعة داخل اليمن و"نصف روح" تأمل بطباعتها يوما، تنوعت كتاباتها؛ بين قصص المجتمع اليمني الطبقي ومشاكله وبين قضايا المرأة الشائكة في مجتمع قبلي؛ محاولة من خلالها تصوير المشاعر العاطفية الخفية للمرأة والمسكوت عنها كعيب.
" فكرية" التي كتبت بوح بنات الجبل في غيبوبة، كانت أكثر انطلاقا وهي تسطر "عبير أنثى"، روايتها الأولى و"قلب حاف" روايتها الثانية واللتين جابتا معارض الكتاب في) مختلف الدول العربية هذا العام، تصور فيهما معاناة المرأة اليمنية في مجتمع وبيئة منغلقة مازالت ترى في المرأة عيبا وعورة. "فكرية شحرة" في كتاباتها تظهر ذلك الجانب الخفي من شخصية المرأة العنيدة والمثابرة والتي قام على كتفيها الضعيفين مجتمع الريف والمدينة, تصور الحلم للفتاة بمستقبل يمنحها الحق بالوصول لكل ما هي أهل له . تسطر الآن رواية "صاحب الابتسامة" فيها مشاهد من واقع المجتمع اليمني بكل معاناته في مرحلته الصعبة الحالية.
الأستاذة فكرية معلمة في إحدى مدارس البنات في مدينة "إب"، استجابت للصوت الداخلي الذي نقلها من تعليم الصف، إلى تدريس المجتمع ذكورا وإناثا، عبر العمل الروائي، الذي صار منافسا للعمل التعليمي. الروائية والكاتبة اليمنية فكرية شحرة في حوارها أفاضت على القراء بعطر حروفها وهذا (مختصر للحوار:
_ فكرية شحرة من عشق الكتابة إلى كتابة الرواية.. ما هي المحطات الأبرز التي ساهمت في صنع فكرية الروائية؟ • أجد أن هذا السؤال يختزل في طياته عمرا من الكفاح والحلم والمثابرة, لقد كان من الخيال في مراحل مرت من حياتي أن أحقق شيئا يذكر، لولا (إصراري) بداية يعود الفضل في حبي الكبير للقراءة والتي كونت شخصيتي لمكتبة أخي الراحل "حميد" التي فتحت عيوني عليها منذ صغري وكنت أقضي فيها كل (غالب) وقتي بعد المدرسة فكنت أقرأ بنهم كل ما تصل يدي وفهمي إليه. تزوجت مبكراً جداً (ككثيرات) كغيري من بنات مجتمعي الريفي الذي مازال يرى أن ذكر أسم المرأة عيب وصوتها عورة مع قائمة هائلة من المحظورات جعلتني أحلم فقط وأكتب لنفسي وأحتفظ بكتاباتي.. في بداياتي حين كنت في المرحلة الجامعية وأماَ لأول طفلين لجأت لكتابة المقالات الصحفية التي تتحدث في السياسة أو الوضع المحلي والإقليمي كون الحديث في السياسة مباحا للجميع, وكنت بداية أكتب تحت اسم مستعار نزولا عند رغبة الأهل ثم باسمي بدون لقب، ثم أخيرا بالاسم واللقب الذي عرفت به فيما بعد، وكانت كتاباتي على فترات متباعدة جداً لصعوبة الإرسال عبر الفاكس حتى حدثت طفرة الثورات الربيعية فكتبت بغزارة وباسمي كما أريد، فقد أصبح من السهل مراسلة الصحف مع دخولي عالم الإنترنت 2010م لكنني لم أجد نفسي في هذا النوع من الكتابة رغم امتلاكي لعمود أسبوعي في صحيفة الناس وعشرات المقالات في المواقع والصحف المختلفة. كانت نفسي تهفو لعالم الأدب وكتابة القصة والرواية. وكان أن جمعت قصصي المتناثرة هنا وهناك وأخرجت مجموعتي الأولى "غيبوبة" في نهاية 2014م بدعم ومساندة من زوجي، وبدأت بالتفكير في طباعة رواية "عبير أنثى" والتي كنت قد كتبتها قبلا والتي صدرت أوائل 2015م عن دار نينوى، وبعدها بفترة وجيزة (رأت النور) روايتي الثانية "قلب حاف" أواخر 2015م في دار النشر نفسها.
• لنقف قليلا عند النص الذي مازال مشروعا بين يديك "صاحب الابتسامة" هل تتحدثين فيه عن شخص معين له تأثير في حياتك؟ • يمكنني القول أن المؤثر عدة شخوص أبرزها أخي الراحل "حميد شحرة" هي تتحدث عن صحفي يعاصر هذه الأيام السوداء الثقيلة التي تمر بها بلدنا بكل ما فيها من حرب وخوف وقمع وجوع وهي بشكل أعم تمثل الإنسان اليمني الكادح بكل تقلبات حياته.
• هذه التسمية قريبة من كتاب "مصرع الابتسامة" للصحفي الراحل حميد شحرة، ألم تجدي عنوانا أبعد عن عنوان مستهلك، أم أنك تريدين القول أنه عمل ممتد لكتابه التاريخي؟ • الرواية التي أكتبها أبعد ما تكون عن النمط التاريخي للعمل العظيم الذي قام به أخي, فهي سرد لمشاهدات الحياة وليس تسجيلا للتاريخ عبر وثائق. وتسمية الرواية كما قلت نابعة من تأثري بشخص أخي المغامر الطموح الذي اختطفه الموت في ريعان الشباب.
• معلمة ولديك عائلة كبيرة والتزامات أين تجدين الوقت لكتابة الرواية؟ • تعودت أن تكون حياتي مكتظة بأكثر من عمل شاق منذ صغري، فقد أكملت مراحل تعليمي الثانوية والجامعية وأنا زوجة وأم. لكنني تخليت عن وظيفتي مؤقتا وقصرت حياتي على بيتي وأطفالي وكتاباتي، وبالكاد أخرج من منزلي لأي نشاط اجتماعي، فأنا أنعم بعزلة كاملة.. وقد ساعدني على ذلك طبيعة مدينتي الريفية.. استطعت أن أرتب وقتي ومسؤولياتي بحيث لا يطغى جانب على حساب آخر.. وذلك كي أقوم بما أريد وهو الكتابة.
• ألا يؤثر نمط كتاباتك عن قضايا المرأة العاطفية على حياتك الخاصة، هل هناك قبولا لما تكتبيه من أسرتك؟ • في الحقيقة كان هذا أكثر ما عانيته في بداية اختياري أن أكتب القصة. ففي بيئة كالبيئة التي تربيت فيها قصص الحب ومشاكل المرأة تندرج تحت مسمى العيب وكل ما تكتبه الأنثى يتم إسقاطه من قبل القراء حول حياتها الخاصة. واعترف أن كتابي الأول لم يكن مصدر فخر لكثير ممن حولي وظل النصح الدائم أكتبي شيئا يثير الفخر كأخيك.
• كنت متقدة الحروف وأنت تكتبين" عبير أنثى" يبدو أنها أخذت منك جهداً؟ • كتبت رواية "عبير أنثى " خلال عامي 2012 و2013 في تجربة بدت لي صعبة فكنت أهملها شهور ثم أعود إليها, كتبتها تحت تأثير قصص كثيرة كنت أسمعها عن نساء خضن هذه التجربة وكانت نهاياتها درامية أغلب الأحيان ومن كل تلك القصص صغت "عبير أنثى " بتلك الطريقة التي تميز كتاباتي كلها وهي أني أكتب بتماهي كامل مع الشخصيات وأبث فيها الروح بعاطفة كبيرة حتى تجسد هذا الواقع الخفي والسريّ.
• هل تعتبر روايتك جريئة، هل الجرأة الحديث عن موضوعات تعد في المجتمع اليمني محظورة، أم أن الجراءة انتقادك دونما تنميق الواقع المر الذي تعيشه المرأة اليمنية؟ • أولا أنا لا اعتبرها جريئة لوجود قصص تكتب بجرؤة فعلا روايتي ناقشت قضية ربما لم تتطرق إليها كاتبة يمنية قبلي بذلك الأسلوب العاطفي والحيادي دون تجريم كالذي طرحتها به. كون موضوع الرواية _رغم حدوثه وانتشاره _إلا أنه مما لا يتحدث عنه في مجتمعنا اليمني إلا باحتقار ونظرة مجرّمة له ونقدي لواقع المرأة سبقته كتابات تنتقده بنفس الأسلوب وأشد قوة فما زالت كثير من المناطق في اليمن تعامل المرأة كمخلوق ناقص فعلا.
• هناك من يصف الكاتبة" فكرية" بأن لديها نزعة هجومية ضد الرجل، فهل ما يحدث هو صراع مع الرجل، أم أنه مجرد محاولة للتوعية وتغيير واقع المرأة العربية- وعلى وجه الخصوص- المرأة اليمنية؟ • أنا لا أريد أن اعزو وضع المرأة اليمنية للرجل فقط ولن أستعير مقالتهم الشهيرة " فتش عن المرأة " فأفتش عن الرجل.وضع المرأة كان ضحية موروث للتقاليد والعادات التي لن تزاح أو تغير بسهولة..البيئة التي ربت المرأة والرجل هي التي حددت مكانة المرأة ومكانة الرجل. ونحتاج الوقت والجهد كي نشعر بالعدالة والاحترام لذا فلا يوجد أي هجوم موجه نحو الرجل بل نحو البيئة التي صنعت المجتمع الذكوري البحت.
• الى أين تريد" فكرية" أن تصل؟ • كأي شخص أتمنى أن أصل لما أستحقه فقط.. لدي حلم أن أكون أنا. كاتبة روائية ينظر لكتاباتها الإنسانية باحترام وتقدير وأن ترفع عن الكتابات النسوية تلك النظرة المتوجسة والمستنقصة.
• هل تعتقدين بأن معاناة الأديبة في اليمن، أكبر بكثير من معاناة الأديبة العربية عموما؟ • أظن أن معاناة الروائية والقاصة اليمنية تعد أكبر بكثير كونها في مجتمع غالبيته يعانون الجهل فعلا وغالبية متعلميه يعانون الجهل الثقافي, يمكنك أن تجدي في المجتمع اليمني الشخص الأكاديمي الذي لم يقرأ في حياته رواية واحدة أو قصة من الأدب الإنساني , لذا غالبية المجتمع اليمني ينظر لهذا النوع من الكتابات باستسخاف وعدم اهتمام يصل لعدم الاحترام, وغالبا في بيئة كهذه ينظر لأدب القصة على أنه نوع من الكتابة عن الذات وعديم الفائدة وغالبا يتم اسقاطه على حياة الكاتبة الشخصية.
• بجملة واحدة أريدك أن تجسدي واقع المرأة في اليمن؟ • مغيبة لأنها عيب وعورة.
• ما موقف الرجل، حين يقرأ ما تكتبين، هل يتقبل فكرة أن لديه أخطاء، وتسبب معاناة المرأة؟ • في وطننا ومعيشته المتعبة والصعبة جدا الرجل والمرأة كلا منهما يعاني وكلا منهما يحسد الآخر على ما وفره الآخر له. هذه معادلة صعبة تحتاج لأجيال كي تستقيم.
• متى ستقول المرأة اليمنية الريفية " لا" وتخرج من دور المكلف، إلى دور المرأة الفعالة في الحياة ؟ • ليس بالضرورة أن ترفض المرأة الوضع الذي فرض عليها وعلى الرجل بل عليها أن تعي دورها في هذا المجتمع وحقها أيضا , عليها أن تسعى لتحسينه بالتعليم والتثقيف والوعي. مشكلتنا في رأيي أن أغلب اليمنيات الآتي شببنّ عن سطوة طوق العادات والتقاليد لم يحسن التصرف بالحرية الممنوحة لهن. بل كنّ صورة سيئة للمرأة المتعلمة التي تهاجم ثوابت المجتمع الأخلاقية وبدلا من أن تحسن لبنات جنسها أساءت بنفورها مما تعارف عليه أخلاق الناس وأطره الدين. فكن للأسف أمثلة لا يحتذى بها.
• ما الخيوط التي تلقينها على القارئ، ليقع في أسر ما تكتبين؟ • كما يقال.. الحديث من" القلب إلى القلب "أنا حين أبدأ في صياغة الكتابة ورسم الشخصيات أحل في شخوص من أكتب عنهم.. أحاول أن أشعر بهذا الذي تتحدث القصة عنه ولا أطلق أحكاما عليه, بل أكون أنا هو.. أشعر بشعور الآخر فأكتب ما يود قوله هو.. أعشق اللغة واقتناص التشبيهات من الطبيعة الساحرة التي تربيت فيها، أكتب بقلبي كثيرا..ربما لهذا أجد قبولا جميلا لما أكتب بإذن الله.