خمسة عقود هي مدة كافية لأن نتجاوز الأشكال العتيقة من صور الاحتفال بالثورة.. ليس بتصنُّع الفرحة في المناطق الخضراء المغلقة، وإنما بإعلان انفتاح العقول على الشمس والهواء حيث الشعب ينتظر.. ولا يجوز العبث بمواعيد التقائه مع الأحلام المؤجلة.. وقبل كلِّ بداية تجدر الإشارة إلى أنها مصادفة ملهمة أن يلتقي 26 سبتمبر مع يوم الخميس عند ذات الشعلة التي توهَّجت قبل أكثر من نصف قرن "يوم هدَّ الشعب قصر البشائر". *وأول ما يجب أن تعمل الدولة الافتراضية على تحقيقه في أي مسمى للتخفيف من السخط الاجتماعي العام تجاه أوضاع تعليمية وصحية ومعيشية ومعرفية بائسة هو أن يكون سبتمبر من كل عام موعد استفاقة حقيقية تضع حداً لإخضاع تأريخ الثورة اليمنية نفسه للاعتساف، حتى صارت الأجيال الجديدة تعيش حالة عشوائية ومضطربة من الأفكار والمعلومات حول ثورة بمضامين وطنية وإنسانية خالدة.. *لقد تكاثرت المفكرات والشهادات على خراش، "فلم يدر خراش ما يصيد"، فهل من الأمانة والمسؤولية الوطنية أن يُطلَّ الشباب على تأريخ الثورة اليمنية عبر تعليم ومفكرات خارج الدقة والموضوعية؟. *على سبيل المثال وليس الحصر، فقد قاتلت الجمهورية الوليدة في 42 جبهة ممولة من السعودية والأردن وإيران.. وحتى إسرائيل.. ومع ذلك نقرأ أن الشعب كله هبَّ للدفاع عن ثورته في ملحمة استمرت ما فاق سنين يوسف العجاف.. *قضية أخرى.. كل المناضلين محل تقدير الشعب واحترامه، ولكن ما هذا الاختلاف حول أمور مثل: هل تم قصف قصر البشائر بالمدفعية أم بالدبابة؟ وهل يعقل أن تتسع الدبابة لكل هؤلاء الذين أكدوا أنهم كانوا موجودين بداخلها.. دبابة هذه أم أنها كانت "باص الرويشان"..!! *ما سبق ليس سوى مثال على حاجة الأجيال لسرد تأريخي وشهادات تضمن الحد المعقول من توحيد معلومات الوقائع التاريخية للمساهمة في ضبط المفاهيم.. وهل من طريق لصياغة مادة دراسية في سياق واقع تأريخي لا تتنازعه أهواء أشخاص يفرض بعضهم عليك الرواية التاريخية بقوة دفع الذات الشخصية أو الهوى القبلي أو المناطقي. *المثير للكآبة في قضية التأريخ للأحداث هو تفاني أسماء على فرض الرؤية أو الرواية، إما عبر مرآة مقعرة أو محدبة.. الأمر الذي يفرض على الجميع ومنهم أولئك الذين تداعوا لتنفيذ فكرة نزع أهداف الثورة اليمنية من واجهات الصحف الرسمية إلى المثابرة في تحويل تأريخ 26 سبتمبر من حالة عاطفية إلى حقائق.. حتى لا نبقى في أسر ما قاله شوقي "والناس في أوهامهم سجناء"..!!