ها هو قلقُ السفر يسيطر على مفاصل الحقيبة.. القمصان متوتِّرة رغم كيِّها جيداً، الكاميرا غير مستعدة لتغمض عينها الوحيدة من الآن، الموبايل ينتظر تحويل اللغة إلى التركية ليصدِّق أنه خارج نطاق التغطية..
المرور عبر مطار اسطنبول يخيفني، لا أريد أن أتذكَّر أنني كنت هناك في حياة سابقة.. لا أريد أن أتذكَّر كلَّ أجدادي في لحظة واحدة، لقد فقدت لغتي الأصلية وأحتاج إلى شريحة لأستطيع التخاطب معهم.. سأضع على رأسي طربوشاً أحمر، ربما يعرفونني دون أن أتكلَّف عناء الكلام..
لن يشفع لي لقبي المدوَّن على الجواز في إعفائي من التأشيرة، ولن تشفع لي عينا جدِّي الزرقاوان وخدوده الحمر، ولكنَتُه التي كانت تعجبني.. أتمشَّى في شوارع اسطنبول كأنني أبحث عن شيء فقدته.. أتوقَّع أن يحيِّيني أحدهم، ويقول لي: عيني منَّك ملان، هل أنت ابن فلان؟ أتهيَّأ أن تتحدَّث إليَّ إحداهن وتسألني عن جدتي، ولا بأس أن تزعم أنها كانت صديق طفولتها..
في تركيا، الليل يجيد لغة الضوء.. الأرصفة تثرثر بالورد.. الحدائق متاحة كالماء.. السيارات عاقلة أكثر من بعض السائقين في بلدان أخرى.. وحين تراها من نافذة الطائرة ليلاً، ترى شوارعها الرئيسية كأنها أنهار من ضوء، وترى مبانيها كأنها مجوهرات منثورة على فاترينة الصائغ.