عندما تحاول الكتابة لغرض القدح يكون الأمر سهلاً في هذا الزمان الفاقد لنوعيته، في حين قد تكون الكتابة بين السطور ضرباً من ضروب الخطو بين الأسلاك الشائكة عندما ترفع من غمار التحدي لتكتب كلمة حق في شخص بريء تجاذبته مؤخراً حملات التشويه والكراهية بدون وجه حق!! بالأمس «مساء الخميس» شاهدت مقابلة الشيخ سلطان البركاني على قناة معين واستمعتُ إلى أفضل طرح سياسي تم طرحه مؤخراً حول الوضع القائم، من خلال طرح مسئول ولغة محايدة ونقد متزن له مرجعيته الوطنية وشرعية مساره السياسي، وبتوصيفات لا تتهاون أو تحابي أي طرف من أطراف الاقتتال القائم.. وكانت مقابلة رائعة سياسياً ووطنية مسئولة من الطراز الأول! وخلال المقابلة تفهمتُ بصورة أعمق سر مقت الإخوان وكراهية الحوثيين لسلطان البركاني رغم خلو سجله من الفساد والمناصب الإدارية العامة التي قد تبرر حملاتهم المتواصلة بصنوف الروايات المجردة من الحقيقة..! وتيقنتُ بصورة أكثر بأنه رجل يجيد القراءة ويتقن الرد من منابع الحدث وبمرجعية وطنية وروح سياسية لها ذاكرتها الفذة ودبلوماسيتها المحنكة، لا تتناسيا استحقاقاته الوطنية والتزاماته الحزبية (معاً) في ازدواجية تنم عن نضوج سياسي وحس وطني...أعجبني! لذا فإن هناك الكثير من خصومه وحلفائه وبعض المتسربلين بالمؤتمر لا يطيقون صراحته وحنكته السياسية في الجذب والإقناع، ولا يستطيعون تفنيد فاروقه السياسي عندما يفصل بحديثه ومواقفه بين كل المتشابهات التي تراهن عليها الطوائف الهائمة حول حزبه ومركزه السياسي، لخلق اختراقاتها وتمجيد كهنتها ورهبانها.. فهو يمني المرجع ولا يتيح لهم التمتع بهلوسات هوسهم السلطوي ولا يتيح ثغرات لأولئك البارعين في لعبة الأقنعة التي تقربهم من مؤامرات التملق والاختراق! وأصدقكم القول بأنني قد عرفت الشيخ سلطان البركاني شخصياً واستضافني في مجلسه لأكثر من مرة وسمحت لي الظروف أن أرصد شخصيته وسمات نفسيته وروحه وأنماط تعامله في حياته عن كثب، والتي تغاير تماماً تلك الصورة السياسية المشوهة التي قام خصومه بتنميطها للرأي العام وتصويره كرجل شر مطلق أو كرمز للفساد دون أن يكون لهذه الصور أي حجة أو برهان... وتأكدتُ بأن الحملات المكثفة عليه لا تأتي لمجرد اقترابه وولائه للرئيس السابق «صالح» كما كنت أعتقد حصراً. وقد أفادتني تجربة الاقتراب من البركاني بأن أجد ضالتي في استعراض ظاهرة حملات الكراهية السياسية التي صنعتها رموز الكهنوتية والفساد العميق والتي شوهت وأعاقت فضيلة النقد المنصف والموضوعي لدى عقول هشة تتوهم الثورية وتنظر إلى الواقع بعين عوراء مرتعشة تحت تلك الحملات الرهبانية الواهية. أتذكر خلال مرحلة «ساحة التغيير» بأن أحد قيادات الإخوان جاء إلى المنصة طالباً مني بإلحاح الرد في الفضائيات على «البركاني» قائلاً إن على العالم أن يعرف فساده وكذبه وماسونيته! فقلت له: من المهم أن يعرف العالم فساد كل الفاسدين، ولكن على بينة وحُجة ويقين.. البركاني شيخ قبلي وقيادي في المؤتمر وبرلماني «مثلك» ورده كان على حزبك كخصم وليس على الناس أو الشباب! ثم إن الرجل ليس له منصب حكومي تنفيذي ولا يملك مؤسسات اقتصادية استراتيجية تجعل من السهل التحدث بمسؤولية عن فساده والقدح بسمعته! فهل لديك ملف حول فساده؟! فظل يراوغني بعواهن الكلام والمشاعر غير حامل إلا الكراهية وكابوس «قلع العداد»!! فأنهيت هذيه البيزنطي بأنني سأنتظر منه أي ملف لقضية فساد للبركاني أو غيره وسوف أقوم -من موقعي- بتوضيحها للناس، مذكراً إياه بأنه يكفي زوبعة قنبلة البركاني بعد صلاة الجمعة الأولى في ساحة تعز، فذهب ولم يعد إلا بصبيانه المتأثورين الذين جعلوا مني «ماسونياً» خائناً بتهمة كانوا يعزفونها همساً كسمفونية للرعاع! وكما أتذكر حوثياً يدعي المؤتمرية في إحدى الجلسات وهو يستمع إلى تحفظي على اتهاماته للبركاني بخيانة صالح والمؤتمر! فهمس في أذني موسوساً «يا عادل ما سألت نفسك عن سبب تغيب البركاني عن جامع النهدين يوم الهجوم؟!» وهكذا يقتلك عبث الكراهية والنميمة بين واقع الرجال المحنكين وبين ألاعيب الضعاف المتحاقدين !!! للأسف لقد شحن تجار الدين وصناع الطائفية قلوب الناس وعقولهم بالكراهية وبثوا في نفوسهم مشاعر التحدي من خلال هذه الحملات، مستغلين وعي الناس المتدني والمغبون، ليجسدوا خصومهم كرموز للشر والفساد، ومصورين أنفسهم بالمقابل رموزاً للقداسة والأصالة.. والثورية أيضاً!!، متسترين بذلك عن عوارهم المخزي وفسادهم الاقتصادي والقيمي والسياسي الشامل في نفوس ومصالح الناس، وبالفعل كذبوا ونجحوا حتى صار الموقف المعتدل والطرح المحايد الذي يستوجب منح هؤلاء «الرجال» ما يستحقونه من النقد إيجاباً شبهة يراها البعض «خيانة» والنقد سلباً بالسب أو ترديد الأكاذيب «ثورة وصموداً»!! أتذكر بأنني تابعت مؤخراً بكل إعجاب موقفه وتفاعلاته النضالية في البرلمان اليمني في سبيل سحب الثقة عن حكومة «باسندوة» ولكنني ابتعدت عن الكتابة حول ذلك تفادياً لشبهة الملق أو التزلف -منه هو شخصياً وليس من أصحاب الهوى والتأويل السياسي المتأزم- حتى شاهدت مقابلته بالأمس فأعجبني طرحه وأعجبت بنهجه وشجاعة تمنطقه وتواضعه الفطري الذي تلمسته خلال مجالسته كما هو! فتساءلت في نفسي: لماذا لازال بعض إعلاميي المؤتمر وبعض المعتدلين والمستقلين ونبلاء المشترك لا يصدحون بكلمة الإنصاف عندما يجب أن تمنح لحامل الموقف السليم وبمنأى عن حساسيتنا وانتمائنا؟! وبوعي الشجاع أمام العقول المشحونة بالكراهية؟!، فهل لازالت قلوبهم هشة أضعف من تلك الأراجيف الحزبية؟! أم أنهم جبناء يحرصون على مشروع «نجوميتهم» من نقمة الإعلام الإخواني والحوثي المتطاولين على كل ما لا يحلو لهما؟ أم أننا لا نقوى إلا على الكتابة في مساراتها الآمنة ونحرص على تصفيق الجبناء أكثر من شجاعة النجباء؟! فتذكرتُ بأنني مازلتُ حُراً وقررتُ بأن أكتب عن هذه الحملات الزائفة وهذه الحالة الجبانة لدى بعض الإعلاميين والمتأثورين ومن خلال «البركاني» نفسه،كما كتبت للرئيس السابق بين كل تلك اللحظات الصعبة والأسلاك الشائكة.. لأن الحرية واجب على كل قلم وأمانة على كاتب، فليس هناك أقسى من أن ترهن روحك وقناعاتك لجماعات لا تريد منك إلا أن تكون مغفلاً بين الظالمين والظلام، معادياً للرجال والضياء.. وتحمستُ فعلاً حتى لا تصبح الصحافة خاوية على عروشها بلا مُصححين، ويكفي المتحجرة عقلوهم اليوم طرح السؤال عن موقع كلٍّ من صخر الوجيه وسلطان البركاني من معادلة الفساد القائم، ليتأكدوا كم هم ضحايا لجماجمهم الفارغة وقلوبهم الهشة..! وأخيراً أقول للشيخ البركاني: شكراً لك مواقفك الوطنية الشجاعة، وحتى الحزبية المُخلقة، وأقول لك هنا ومن على رؤوس الأشهاد: إنك من أشهم وأنبل الرجال الذين رأيتهم عقلاً وقلباً وبأنك سياسي موسوعي يحفظ عن ظهر قلب تاريخ ساسة وسياسة اليمن دولة ومجتمعا، ولكنني بقدر اندهاشي وانشداهي لشخصيتك الدارية والحكيمة والودودة وروحك النقية التي ما شعرت فيها حقدا لرفيق أو ضغينة لخصم، أرجوا منكم بأن يتبنى حزبكم (المعافى من آفة الكراهية والتكبيل) استراتيجية إعلامية معاصرة تذوب الجليد أكثر بين طرح الرجال المعتق وجيل الشباب التائه، وبالآلية التي تمنح فكركم ونهجكم جل قدره ولغة عصره وتمنح اليمن أفقاً جديداً في هذه اللحظة المصيرية والفارقة.. فالضياء يا شيخ سلطان قد ينير الطريق ولكن هناك من قد يُعمي البصر!