يوجد في اليمن الآن مجتمع جديد، غير الذي اعتادت عيوننا على مشاهدته ومعايشته وسماع أخباره. وهو في الغالب مجتمع "شاب" لديه أفكاره الجديدة، ولديه وسائله الخاصة وأحلامه الخاصة وجنونه الخاص معززا بطموحات العصر وأفكار العصر، وهو مجتمع يمكن التعرف عليه سريعا في الفيس بوك وفي تويتر وفي المقاهي وفي الغرف المغلقة وفي الصالات الرياضية وفي الشوارع وفي ساحات الجامعة وفي داخل الأحزاب العقيمة ذاتها. وعلى الرغم من وفرة هذا المجتمع اليمني الجديد والمتكاثر يوما بعد آخر، إلا أنهم يفتقرون إلى زعيم شعبي لديه روح العصر. يوجد في اليمن الآن مجتمع جديد يحب الحياة ويتطلع إلى النور ويشعر بالأسى على نفسه لأنه تورط بالعيش بين أيادٍ لم تعد تحمل المعاول والمحاريث والأقلام والكتب وآلة العود والناي والنحت والنقش على الحجر، بل كلها – وللأسف الشديد- أيادٍ تحمل البندقية، وأخرى تحمل جنازات. اليمن المتنازع عليه الآن من كل الأطراف لم يعد بحاجة إلى زعيم مبندق ويعرف "ينصع" خصمه.. هذا سلوك أفلام "الكابوي" القديمة، بل هي بأمس الحاجة - الآن- إلى زعيم يعرف "يصنع" الفرح في قلوب الناس. زعماء الإمارات – على سبيل المثال- يمتلكون البنادق، ويعرفوا ينصعوا، لكنهم خرجوا من كهوف التاريخ إلى رحاب العصر، وأبهجوا مواطنيهم، وهم مجرد أمراء صحراء، لا تاريخ لديهم ولا حضارة. وما أحوج اليمنيين إلى زعيم شعبي لا "ينصع" كما جرت العادة في اليمن، بل إلى زعيم "يصنع" أفعال السعادة والبهجة في نفوس مواطنين يمنيين فقدوا حتى طعم الضحكة النابعة من القلب، وأصبح كل واحد منهم – إذا ما وفقه الله وضحك– فإنه يضحك – فقط- على خصمه، ولا يضحك لمتعة الضحك نفسها. كل الزعماء الذين يتحركون في الساحة اليمنية المتعبة هم في الغالب زعماء حرب. كل هؤلاء "المبجلون" ليسوا زعماء، بل ساسة يورثون الكآبة أو "مقاتلين" لهم أتباع مبندقة، ولهم جماجم تنتمي بأفكارها وأذهانها ورؤاها إلى العصور الوسطى.. عصور الدم والقهر واللصوصية، ما جعل اليمن تعيش كل هذا الدهر عليلة وعلى علاقة وطيدة بثلاجة الموتى.