لو سألت "ستيفن هوكينج" أبرز عالم فيزياء معاصر، عن أعظم شخصية بشرية في التاريخ.؟ سيجيبك من على كرسيه المتحرك، وبدون تردد: "نيوتن"، ويؤكد: نيوتن أعظم عباقرة التاريخ. نيوتن، بالنسبة لهوكينج، ظاهرة كلاسيكية قديمة، كالتلغراف بالنسبة للإنترنت، لقد تجاوز العلماء الكثير من مفردات الفيزياء الكلاسيكية لنيوتن( 1642 : 1727م)، منذ القرن التاسع عشر. العلم، بطبيعته، ظاهرة ديناميكية تراكمية، لا تتوقف عن النمو والاتساع والإضافة والتعديل والاكتشاف .. بما يقتضي بديهياً أن يكون علم المتأخر مقارنة بالمتقدم، أكثر كمياً، وأجود نوعياً، والخلف أعرف بالكون والحياة والطبيعة والإنسان.. من السلف. بشكل تفصيلي، يُفترض أن خريج الثانوية العامة، اليوم، يعرف في مبادئ العلوم، أكثر مما كان يعرفه كبار مثقفي العالم القديم، أما الخريج الجامعي، فيُفترض أن يكون أعلم من كبار علماء التراث اليوناني والعربي.. في مجال تخصصه، أعلم مثلاً : في الطب من ابن النفيس والرازي.. وجالينوس وأبوقراط.. وحتى من إله الطب أسكليبيوس. وفي الفلسفة من الفارابي وابن رشد وسقراط وأفلاطون وأرسطو.. وفي الفلك من البتاني والأبهري.. وبطليموس وطاليس.. وحتى كوبرنيكوس وجاليليو. وفي الجغرافيا من الإدريسي وابن خرداذبة وابن حوقل.. وهيرودوت وبطليموس.. وفي الكيمياء من جابر بن حيان، والبيروني.. وهيرقليطس وإيمبيدوكليس.. وفي الرياضيات من الخوارزمي والكاشي وابن باجة.. وفيثاغورس وإقليدس.. وفي الفيزياء من جابر بن حيان وابن الهيثم.. وطاليس وبارمنيدس.. لكن.. لماذا تظل هذه الأسماء العلمية التراثية، رغم تجاوز الحياة لها، وتجاوز العلم لنتاجاتها وإضافاتها العلمية، أيقونات عبقرية، متوهجة بالعظمة والخلود..!؟ لقد تجاوز العلم نيوتن،. لكن "نيوتن" نفسه، عظمته في سياق تاريخ العلم، أشياء لا يمكن تجاوزها، بل لقد وضعه "مايكل هارت" في كتابه الشهير "المائة" في المرتبة الثانية، من بين مئة شخص هم الأكثر تأثيرا على البشرية والأعظم أثرا في التاريخ. العلم يتجاوز الأفكار لكنه لا يتجاوز الأشخاص، وبخلاف الفكر الديني الأصولي، يقدر العلم عالياً حركة التاريخ، ولا يقدس نتاجاته الزمنية المرحلية. وبخلاف رجال الدين يقدر العلماء رجال الماضي ولا يقدسون أفكارهم، وتظل السلفية الدينية ظاهرة ضد حركة الكون وطبيعة الحياة.!!