المواجهة.. أحياناً تستطيع المراوغة والتهرب من المواجهة.. هذا أمر جيد.. فلا يحتاج الإنسان أن يختلق لنفسه معارك ومواجهات طالما أنه ليس مضطراً لخوضها.. وسيكون من الحمق أن يفعل ذلك.. وأحياناً تُفرض عليك فرضاً.. تتقطع بك السبل، وتنعدم أمامك المنافذ لتفاديها، وتصبح أمام طريقين فقط لا ثالث لهما البتة. الخيار السهل: عدم خوض المواجهة تقرر الخضوع والاستسلام والإقرار بالفشل، بحجة أن ا?مر لا يهمك ولا يعنيك.. في هذه الحالة سيصفك الكثير بالحكمة والتعقُّل والواقعية، لكنك في الحقيقة ستكون ذليلاً منكسراً تافهاً لا قيمة لك. يخدعونك؟ نعم.. ولكن ليس أكثر مما تخدع نفسك.. تخدع نفسك؟ نعم.. لكن هذا لن يغير من الحقيقة شيئاً.. الحقيقة التي تقول إنك قد خفت وجبُنت وخضعت واستسلمت، وسقطت عند أول امتحان حقيقي وضعك الله فيه. أكثر من ذلك؛ وضعك الله أمام هذا الامتحان وراهن الملائكة على نجاحك فيه، قائلاً لهم: ((إني أعلم ما لا تعلمون)).. وهذه هي المشكلة، حينها ستكون قد وضعت نفسك في موقف محرج جداً أمامه.. ماذا ستقول له حينها وكيف ستبرر موقفك أمامه؟ وبأي وجه أساساً ستقابله؟ الخيار الصعب: المواجهة - في هذه الحالة سيصفك الكثير بالطيش والجنون وعدم الإحساس بالمسؤولية.. لا تلقِ لهم بالاً أبداً لأنهم جبناء اختاروا الاستسلام والخضوع والإقرار بالعجز، ويريدونك أن تكون عاجزاً خاضعاً فاشلاً مستسلماً مثلهم. عليك أن تنظر إلى حقيقتهم لا إلى مظهرهم.. عليك أن تتعلم وتعتبر وتتعظ من القرار الذي اتخذوه، وإلى أين أوصلهم.. لتتشجع أكثر حينما تقرر سلوك الطريق المغاير للطريق التي سلكوه، وكلما كنت ثابتاً في طريقك زادت نقمة هؤلاء عليك. -في هذه الحالة أيضاً، وبمجرد أنك قررت خوض المواجهة متحليا بالشجاعة والجدية والصدق والإخلاص.. بمجرد ذلك، فقط، ستكون قد نجحت في الامتحان، وبغض النظر عن نجاحك أو فشلك في نتيجة هذا الامتحان.. وسأقول لك لماذا: لأن النجاح أو الفشل، وإن كانت هذه المسألة تهمك وتعنيك وتوجب عليك العمل للوصول إليها إلا أنها في حقيقة ا?مر ليست من اختصاصك، فلا تحمل هماً ثقيلاً بشأنها، لأن هناك من يحمل هذا الهم عنك. لا تجعل توقعاتك بالهزيمة مانعاً لك من خوض المواجهة، عليك فقط أن تتشجع وتحسم أمرك وتخوض معركتك.. حينها ستكون قد أثبتَّ لله أنك جدير بالرهان الذي راهن الملائكة عليه.. ذلك الرهان هو أنت. وحينها ستكون قد نفذت الجزء الذي عليك، وسيتكفل الله بالباقي.. وحينما يتكفل الله بالباقي فذلك يعني أن كل ا?شياء التي كنت تراها صعبة وبعيدة المنال ومستحيلة التحقق.. كل تلك ا?شياء التي كنت تراها من بعيد وهي تسخر منك.. كل هذه ا?شياء ستسجد خاضعة تحت قدميك، لأن الله قرر أن يكون معك، وحينها ستقابله بوجه فرح مستبشر مشرق ومتطلع إلى ا?فضل؛ لأن الله عندها سينظر إلى الملائكة وهو يشير إليك مباهياً، وهو يقول: ((إني أعلم ما لا تعلمون)).