الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    طفلة تزهق روحها بوحشية الحوثي: الموت على بوابة النجاة!    هل دقت ساعة الصفر؟...تحركات عسكرية مكثفة تُنذر بمعركة فاصلة مع الحوثيين    " ستعزز العمل الوطني في مواجهة الانقلاب الحوثي"...مستشار ابوزرعة يعلق على زيارة العليمي لمأرب    عاجل: الناطق العسكري الحوثي يعلن استهداف جماعته 4 سفن أمريكية واسرائيلية في البحر الأحمر والمحيط الهندي    ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز برباعية امام فالنسيا    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    برئاسة السعودية والنرويج.. اجتماع في الرياض لدعم جهود تنفيذ حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين    رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    الجرادي: التكتل الوطني الواسع سيعمل على مساندة الحكومة لاستعادة مؤسسات الدولة    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    أصول القطاع المصرفي الاماراتي تتجاوز 4.2 تريليون درهم للمرة الأولى في تاريخها    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    استشهاد 23 فلسطينياً جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    استشهاد 6 من جنود قواتنا المسلحة في عمل غادر بأبين    موعد الضربة القاضية يقترب.. وتحذير عاجل من محافظ البنك المركزي للبنوك في صنعاء    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    لأول مرة في تاريخ مصر.. قرار غير مسبوق بسبب الديون المصرية    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    مدير شركة برودجي: أقبع خلف القضبان بسبب ملفات فساد نافذين يخشون كشفها    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    منازلة إنجليزية في مواجهة بايرن ميونخ وريال مدريد بنصف نهائي أبطال أوروبا    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    ريمة سَّكاب اليمن !    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير يكشف قصة تدمير الجامعات اليمنية
نشر في الجنوب ميديا يوم 23 - 10 - 2012


بداية اختفاء الأرقام السرية:
بدأ الخلل الخطير في الامتحانات المتمثل في اختفاء الأرقام السرية رغم وجود المستطيل الأسود الذي يوحي كذباً بوجودها في جامعة صنعاء منذ تولي د. عبد العزيز المقالح إدارتها عام 1983م، ثم انتقل هذا الخلل إلى كافة الجامعات اليمنية التي غضت الطرف عن الأرقام السرية بما في ذلك الجامعات والمعاهد الخاصة.
إن هذه الفضيحة في الجامعات اليمنية لا تقل خطورة عن فضيحة "سفاح الجامعة"، التي حدثت عام 2000م ودوى ضجيجها في كل أنحاء العالم، حيث إن أحد الأوباش، وكان حفار قبور في "السودان" ثم صار، لأسباب غير مشروعة، موظفاً فنياً في كلية الطب، جامعة صنعاء، قتل عدداً من طالبات الكلية وأخفى جثثهن ولم يتم كشفه إلا بالصدفة، وقد استمر في ارتكاب جرائمه وقتاً طويلاً نتيجة إهمال أمن الجامعة وإدارتها وتركيزهما على محاربة الخصوم السياسيين في الجامعة"[1]".
وقد أدى استمرار تزييف الوعي طيلة الفترة الماضية إلى نسيان الأرقام السرية على كراسات الامتحان في الجامعات اليمنية فلم يعد أحد من الطلبة، أو الطالبات، أو أولياء أمورهم، يعلمون شيئاً عن ذلك، بل إن معظم خريجي الجامعات لا زال يعتقد بحسن نية استمرار العمل بنظام الأرقام السرية وذلك بسبب وجود "المستطيل الأسود" على جميع دفاتر الامتحانات، ولا يدري أن ذلك إنما هو من باب التضليل والخداع وتزييف الوعي!
ولا ريب أن هذا التضليل الخطير هو ذروة الخداع والكذب فيما يخص الامتحانات في الجامعات اليمنية. بينما الحقيقة هي أن دفاتر الامتحان تطبع منذ تسع وعشرين عاماً وفي الزاوية اليسرى من أعلى الغلاف المستطيل الأسود الخاص بالرقم السري، بينما لا يعمل به في الحقيقة، إذ تسلم لنا نحن دكاترة جامعة صنعاء، على سبيل المثال، منذ تسع وعشرين عاماً، دفاتر الإجابات على أسئلة الامتحانات مكشوفة حيث نعرف من صفحتها الأولى اسم الطالب أو الطالبة ورقم جلوسه أو جلوسها وكافة البيانات عنه أو عنها لأن تلك البيانات مدونة على وجه دفتر الامتحان كما يتضح من صورة غلاف دفتر الإجابة المنشورة في هذه الصفحة.
الشمس السوداء:
لقد ترتب على تواطؤ بعض رؤساء الجامعات، ليس فقط على إلغاء الأرقام السرية، بل والتعاون مع بعض "دكاترة التكفير"، و"مشائخ التخلف" في الجامعة وخارجها، لفرض هيمنتهم المطلقة على الطلاب والطالبات، بواسطة إلغاء الأرقام السرية، كذا تقرير منهج متخلف فيها، سرى بعد ذلك إلى غيرها من الجامعات، الأمر الذي ترتب عليه أن غادر كافة أساتذة القانون المصريين المستنيرين اليمن وصارت جامعة صنعاء شمساً سوداء ساحة للفكر المتخلف والصراعات السياسية، والمعارك "الحزبية" العقيمة المدمرة، والفساد والإفساد الشامل إلا من رحم ربي! بدلاً من أن تكون شمساً شديدة الضياء تبدو ظلام التخلف الفكري والمادي وتطهر حرارتها المجتمع من الطفيليات التي تعوق تقدم المجتمع وحريته، وكان ممن غادر "جامعة صنعاء" بسبب ذلك التواطؤ الرجيم أكبر عالم عربي ومصري في القانون المدني، ورئيس "جامعة المنصورة"، وهو الأستاذ الدكتور "عبد المنعم البدراوي" وذلك بعد تقديم استقالته من عمادة "كلية الشريعة والقانون" بجامعة صنعاء لأسباب عديدة منها خنوع رئاسة الجامعة لقوى التخلف والاستبداد والعمل على فرض منهج دراسي متخلف وتكفيري كذا محاولة إقناعه بقبول إلغاء الأرقام السرية في امتحانات الكلية وهو ما رفضه رفضاً قاطعاً، وهذه هي الاستقالة الوحيدة في تاريخ الجامعات اليمنية منذ إنشاء أول جامعة يمنية عام 1970م هي "جامعة صنعاء".
وقد ورد في الاستقالة:
الأخ الفاضل الدكتور/ مدير جامعة صنعاء "د. عبد العزيز المقالح" المحترم
تحية طيبة.. وبعد...
فقد بلغني أن إدارة الجامعة قد عهدت -بصفة سرية- إلى لجنة لإعادة النظر في برنامج الدراسة والامتحانات في كلية الشريعة والقانون التي كنت أتشرف بعمادتها، وذلك منذ بضعة أشهر، وأن أعضاء هذه اللجنة قد قدموا تقريرهم وانتهوا فيه إلى خطة يراد بها القضاء على الكلية.
الأخ الدكتور/ مدير الجامعة..
هذه هي اللجنة التي اختارتها إدارة الجامعة لتطوير مناهج كلية الشريعة وهذا هو الأسلوب الذي ارتأته لهذا التطوير، إن اللجنة ليست على المستوى الذي تستطيع به القيام بهذه المهمة على الوجه المطلوب، وإن الأسلوب الذي اتبع يخالف النظم والأعراف الجامعية.
الأخ الدكتور/ مدير الجامعة..
إزاء ما تقدم كله، وفي مثل هذا الجو، لم أعد قادراً على القيام بعملي في الجامعة لا كعميد للكلية، ولا كأستاذ بها، لهذا -ومن منطلق الإخلاص مع نفسي- فإنني أقدم لكم استقالتي من العمل بالجامعة.
وتفضلوا بقبول خالص التحية والاحترام..
دكتور/ عبدالمنعم البدراوي
29/9/1984م
الجدير بالملاحظة أنه كانت توجد لجنة أمنية عليا هي المشرفة على الجامعات الحكومية والمسيطرة عليها والمتحكمة في أعمالها الأكاديمية والإدارية ومن ذلك تعيين أعضاء هيئة التدريس بها. وكانت اللجنة مكونة من الإخوة: علي الآنسي (اللواء حالياً ومدير مكتب رئاسة الجمهورية سابقاً)، واللواء حالياً، غالب القمش - رئيس جهاز الأمن السياسي حالياً، والدكتور عبد العزيز المقالح - رئيس جامعة صنعاء سابقاً، وقد كرست هذه اللجنة إلغاء الأرقام السرية، لأن ذلك يحقق لها مزيداً من السيطرة الأمنية الاستبدادية على الجامعات والهيمنة التامة على الطالبات والطلاب بواسطة أخطر وأقصر طريق إلى ذلك وهو التحكم المطلق في نتائج الامتحانات وكافة الدكاترة التابعين لهم الذين يتولون تصحيح دفاتر الامتحان المكشوفة.
إن قضية "الأرقام السرية" إنما هي واحدة من البراهين الدالة على الأمراض المستوطنة في الجامعات اليمنية وأهمها الفساد والتسلط والشللية والإفساد والقبلية والسيطرة الأمنية ثم العسكرية والتوجهات الفكرية الوهابية الرجعية، وبالإضافة إلى ذلك فقد أكدت هذه القضية أكذوبة استقلال الجامعات اليمنية بينما هي في الحقيقة خانعة للتعسف والتسلط والقهر من قبل السلطة الحاكمة والجماعات النافذة العصبوية المتخلفة، وليست هناك مقارنة بين ما كانت عليه الجامعة قبل ثلاثين عاماً، حينما كان يقودها كوكبة من الأساتذة المصريين، الذين كانوا وما زالوا مفخرة العلوم والنزاهة في العالم العربي، يعاونهم مجموعة يمنية زاهرة ما زال بريقها يلمع في الأفق رغم الظلام السائد وما آلت إليه الجامعة في وقتنا الراهن.
ولم يقف الأمر عند حد إصرار رئاسة الجامعة على إلغاء الأرقام السرية ضاربة عرض الحائط باعتراضات الدكاترة المصريين، بل جرى التخلص منهم واحداً إثر الآخر وبأساليب غاية في اللؤم ونكران الجميل. ومن تلك الأساليب تأليب "دكاترة التكفير والتخلف" عليهم وإطلاق الصيحات ضدهم بأنهم كفار وملحدون... الخ، وقد أكد ذلك أ. د. عبد المنعم البدراوي، حيث ورد في خطاب استقالته الموجهة إلى د. عبد العزيز المقالح والمؤرخة 29/9/1984م:
"وقد صاحب هذا كله إساءة إلى شخصي بإشاعة أنني ضد الشريعة الإسلامية، مع أنني حريص في كل مؤلفاتي على الإشارة إلى فقهها، وكان لي شرف الاشتراك في لجنة تقييم أساتذة الشريعة في جامعة الأزهر، وشاركت في الإشراف على رسائل دكتوراه في الشريعة في جامعة القاهرة وفي مناقشة رسائل في كلية الشريعة بجامعة الأزهر، وإني أسأل الله تعالى أن يحمي شريعته المشرفة -لا من خصومها، فهي كفيلة بهم- بل من المتاجرين باسمها".
وقد عكس الواقع المأساوي للجامعات نفسه وتخلف مناهجها وضحالة محتويات مقرراتها وقِدَمها على مجال الامتحانات ونتائجها فأمست أيضاً محكومة بالصراعات السياسية والهيمنة الاستبدادية، وأضحى فتح دفاتر إجابات الامتحانات أمام الدكاترة أمراً يتيح لهم السيطرة على الطلبة والطالبات، حيث يشمل امتلاك هذه الوسيلة سيطرة أصحاب الأمن، ومن إليهم في الجامعات، كذا دكاترة التنظيمات السياسية المختلفة، وفي مقدمتها تنظيم السلطة الحاكمة "المؤتمر الشعبي العام"، وغريمه، حالياً، "التجمع اليمني للإصلاح"، ولذلك تم التواطؤ بينهم جميعاً على كشف دفاتر الامتحانات أو ساد التوافق بينهم على السكوت على ذلك بل وتشجيعه.
حصان الفاسدين:
يمكن القول إن هناك اتفاقا غير معلن بين قوى الاستبداد والتخلف المهيمنة على الجامعات من مختلف الاتجاهات "الحزبية والأمنية... الخ"، على استمرار هذا الوضع الشاذ والمخالف للقانون والذي لا يوجد له مثيل في العالم أجمع، وأقصد بذلك عدم وجود أرقام سرية على دفاتر الامتحانات.
ليس ذلك وحسب بل الثابت هو وجود تواطؤ ضد الطالبات والطلبة في جعل دفاتر امتحاناتهم مكشوفة للمصححين وذويهم وأعوانهم، لأن من مصلحة مراكز القوى الحزبية والأمنية في الجامعات وكافة قوى التخلف والاستبداد والفساد أن يتحكم أعضاء هيئة التدريس "دكتورات/ دكاترة"، في تصحيح الكراسات المفتوحة إما بكسب الطلبة والطالبات إلى صفهم أو الضغط عليهم لصالحهم... الخ، وهذا محظور دولياً في كافة الجامعات.
لقد وجد عدد من الدكاترة أصحاب الانتماءات التنظيمية السياسية والأمنية المتخلفة في هذا الوضع الشاذ فرصة مناسبة لتحقيق أهدافهم في الاستقطاب الحزبي والأمني والتسلط على الطلبة والطالبات والاستبداد بهم، والتحكم في نتائجهم حسب طبيعة علاقة الدكتور بالطالب أو الطالبة وليس وفق الكفاءة. كما لعبت "الحزبية" في الجامعة دوراً مهماً في هذا الصدد. فعضو هيئة التدريس المنتمي إلى "التجمع اليمني للإصلاح" يعتني بالطالب أو الطالبة المنتمين إلى "حزبه"، كما أن الدكتور المنتمي إلى "المؤتمر الشعبي العام" يعتني بطالب وطالبة "المؤتمر"، وهكذا دواليك، فاختفت الكفاءة وحل الولاء الحزبي أو الأمني أو الإداري أو الرشوة أو المحسوبية محل الكفاءة والإبداع والعبقرية في معظم الأحيان فكان ذلك من الأسباب الهامة في انحدار مستوى التعليم الجامعي في اليمن وما زال.
لقد عمل المتواطئون جميعاً على إلغاء الأرقام السرية من كراسات الامتحانات وجعلها مكشوفة للمصححين ومن إليهم، وذلك لكي يتمكنوا من تحويل الجامعة إلى ساحة لكسب الأنصار واجتلاب الأعوان ودحر الخصوم وتحقيق أكبر قدر من المكاسب غير المشروعة وذلك عن طريق التحكم في الطلاب والطالبات وتعديل نتائجهم كما يريدون وإرغامهم على تقديم الولاء والطاعة بمختلف الأساليب ومن ذلك التحكم بنتائج الامتحانات وهي أخطر مسألة في الجامعات. يضاف إلى ذلك المجاملة بين الدكاترة لأولادهم وبقية أقربائهم بعضهم للبعض الآخر وخاصة التوصية على كراسة أحد الأبناء أو البنات أو من يهم صاحب التوصية أمره، وهذا يلغي -دون ريب- فرص التكافؤ والعدل والمساواة في تصحيح الامتحانات ولا يمكن الطالبة أو الطالب من الحصول على الدرجات في الامتحانات على أساس الكفاءة وإنما حسب التوصية والمحسوبية أو الرشوة... الخ، وكل ذلك بسبب خلو الكراسات من الرقم السري، رغم وجود المستطيل الأسود الخاص به.
وحقيقة الأمر أن الاعتداءات على الحريات والحقوق الأكاديمية لم تكن مقصورة على الطلبة والطالبات بل شملت الدكاترة أيضاً، حيث تعرض عدد كبير منهم لانتهاك حقوقهم وحرياتهم.
وقد اتخذ هذا الانتهاك أشكالاً مختلفة منها الصريح الواضح، مثل إنهاء الخدمة من العمل في الجامعة بالمخالفة للقانون، العزل من التدريس، والتضييق على دكاترة التنوير في المقررات الجامعية وتمويل الأبحاث، ومن تلك الأساليب المقنع المراوغ الخفي الذي يمثل أيضاً عقاباً لخلاف فكري، أو حسد بشري، أو حقد عنصري أومذهبي... الخ، وكان وما زال هذا العقاب غير المباشر يمارس، بحذق ولؤم شديدين، من قبل إدارات الجامعات أو السلطات المختلفة ومؤسسات الحكومة والقطاع الخاص التي تمول بعض الدكاترة بالمال أو تملك الجامعات الخاصة.
ليس ذلك وحسب، بل لقد بلغ الاستهتار بحقوق الدكاترة وحرياتهم، في ذات الفترة التي تم خلالها إلغاء الأرقام السرية، أن يسمح أحد رؤساء الجامعات لبعض ضباط "الأمن الوطني" الدخول إلى غرفة الملفات الخاصة بأعضاء هيئات التدريس من مبعوثي "جامعة صنعاء" للدراسة في الخارج، والعائدين للعمل في الجامعة، وانتزاع أية أوراق من تلك الملفات إما بقصد عرقلة استكمال إجراءات التعيين أو الترقية أو للحرمان من حق ما... الخ.
ويتضح من ذلك أنه ليس كراسات الامتحانات كانت وما تزال مكشوفة للإدارة وأجهزة الأمن في الجامعة وحسب، بل كذلك ملفات الدكاترة أنفسهم وكافة معاملاتهم الأكاديمية والإدارية بل وحياتهم الخاصة.
أضرار وأخطار:
هناك عدد كبير من الأضرار والأخطار المترتبة على إلغاء الأرقام السرية، ومنها ما يلي:
1- إن عدم وجود أرقام سرية على كراسات الامتحانات في الجامعات اليمنية يتنافى مع كافة القوانين واللوائح والأنظمة والأعراف الجامعية في العالم أجمع واليمن، وعلى الأخص النظام الموحد لشؤون الطلاب بالجامعات اليمنية الصادر بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم "284" لسنة 2008م، والذي تنص المادة "49" منه على ما يلي: "تتم عملية التصحيح للاختبارات النهائية في جميع الكليات باستخدام الأرقام السرية". كما أن ذلك يعتبر سبباً هاماً في تدني مستوى التعليم لأن النجاح لا يتم بالكفاءة دائماً.
2- إن عدم وجود أرقام سرية في كراسات الامتحانات الجامعية يفتح الباب واسعاً لإنجاح عدد كبير من الطلبة والطالبات من دافعي الرسوم في الجامعات الخاصة، وذلك للحفاظ عليهم وزيادة أعدادهم قدر الإمكان. أليسو هم الذين يدفعون المرتبات المرتفعة للدكاترة في هذه الجامعات؟!
3- عدم وجود الأرقام السرية يتيح للدكاترة الفاسدين الذين يقومون بتصحيح كراسات الإجابة التلاعب بالنتائج وإعطاء بعض الطلاب والطالبات المجموع الذي يريده الدكتور ثم يتم رصده في خانة مجموع الدرجات وهو ما لا يمكن أن يلاحظ.
4- إلغاء الأرقام السرية فتح وما زال باباً واسعاً للوساطات والتوصيات والرشاوى حتى الجنسي منها، كما أنه فتح باباً للوسطاء من فَرَّاش الكلية أو المعهد حتى العميد ورئيس الجامعة ونوابه في كافة الجامعات الحكومية والخاصة.
5- إن عدم وجود أرقام سرية يكرس طغيان الدكاترة على الطلبة والطالبات ويشكل وسيلة خطيرة للضغط عليهم من قبل ضباط الأمن "السري والعلني" والسياسيين وخاصة الحزبيين منهم المسيطرين على الجامعات الحكومية كذلك أصحاب النفوذ وكبار رجال المال وشركائهم من الدكاترة التجار المتحكمين في الجامعات الخاصة.
6- لقد تسبب هذا الوضع الشاذ المتمثل في عدم وجود أرقام سرية لدفاتر الامتحانات في تكوين عداوات للدكاترة فتخرج معظم الطلبة والطالبات أعداء لهم لاعتقادهم أنهم تعمدوا إسقاطهم في الامتحانات أو إعطائهم درجات منخفضة وبالمقابل هناك عدد كبير أيضاً من الطلاب والطالبات المتخرجين يشعرون بالامتنان ويدينون بالولاء لعدد من الدكاترة لأنهم، بواسطة كراسات الامتحانات المفتوحة، ساعدوهم على النجاح دون استحقاق أو منحوهم درجات عالية لا يستحقونها، وكلا الحالين مرذول.
مكافأة الفاشلين والجواسيس:
هناك أيضاً مسألتان خطيرتان في هذا المجال وهما:
المسألة الأولى: المقرر في نظام الامتحانات بالجامعات اليمنية أنه إذا فقدت كراسة الإجابات الخاصة بالطالب الممتحن فإنه يجب على الكلية اعتباره ناجحاً في كل الأحوال طالما ثبت أنه سلم كراسته بعد الانتهاء من الامتحان إلى اللجنة المختصة فور الانتهاز من أداء الامتحان.
وقد يسلم الطالب الكراسة فارغة من الإجابة على أسئلة الامتحان أو تكون إجابته لا تؤهله للنجاح فيلجأ إلى إخبار بعض الدكاترة القائمين على التصحيح لمساعدته في النجاح وعندئذ يستطيع الدكتور المصحح أن يرمي دفتر إجابة الطالب في سلة المهملات بعد تمزيقها ثم يَدَّعي الطالب أن كراسته فُقدت من قبل لجنة الامتحان أو "الكونترول" أو غيره فيحصل على درجة النجاح دون وجه حق، وتزداد خطورة هذا الأمر إذا ما علم الكافة في اليمن أن دفاتر الامتحان قد يصل عددها إلى ألف أو ألفين دفتر "كراسة" لعدد ألف أو ألفين طالب وطالبة تسلم للدكاترة، غالباً، دون إجراء عَدّ لها أو إعطاء استلام بها ثم تعاد من دكتور إلى آخر حتى تصل إلى "الكونترول". فإن فُقد عدد من الكراسات لا يعلم أحد من هو الدكتور الذي أضاعها ولا متى وكيف؟ وإنما يجب، عندئذ، دون قيد أو شرط، إنجاح كافة الطلبة الذين ضاعت كراسات امتحاناتهم.
المسألة الثانية: هناك بعض الأشخاص كان يتم إرسالهم من قبل أجهزة التجسس اليمنية إلى الجامعة للقيام بالتجسس على الطلبة والطالبات والدكاترة... الخ، وفي سبيل ذلك السماح للجواسيس المذكورين بحضور المحاضرات ك "مستمعين"، ثم بعد ذلك يدخلون الامتحانات بعد إدراج أسمائهم في كشوف الحضور وتحولهم من "مستمعين" إلى أصحاب أرقام جلوس وأصحاب حقوق شأنهم شأن بقية الطالبات والطلبة المنتظمين، رغم أن بعض هؤلاء الجواسيس أو الجاسوسات لا يحمل حتى الشهادة الإعدادية فيتخرج مِسخاً لا يجيد مجرد الكتابة بإملاء وخط صحيحين. ولا ريب أن الكراسات المكشوفة وغياب الأرقام السرية يتيح فرصا كافية لإنجاحهم عن طريق دكاترة الأمن والجيش الذين يتبعهم هؤلاء الجواسيس، وهكذا نجد أن التجسس على الطلاب والدكاترة قد حل محل الثانوية العامة وربما الشهادة الإعدادية في هذا المضمار!!
أربعة دكاترة - مقرر واحد:
تزداد الخطورة فيما يخص غياب الأرقام السرية في اليمن بسبب منافسة ضباط الجيش والأمن أصحاب الوظائف المزدوجة للمدنيين في الوظائف الجامعية، حيث يتولى تدريس المقرر الواحد "قانون إجراءات جزائية مثلاً"، أحياناً أربعة دكاترة ثلاثة منهم ضباط من الأمن أو الجيش، وواحد مدني فقط، كما أنهم يقومون جميعاً بتصحيح الكراسة الواحدة، حيث يكون لكل واحد من المصححين عدد من الدرجات فإن كان الدكاترة أربعة فكل دكتور يمتلك خمسة وعشرين درجة، الأمر الذي تزداد معه إمكانية الرشوة والمحسوبية والتحيز غير المشروع لهذا الطالب أو تلك الطالبة، لأن رقم أي منهم واسمه معروف للدكاترة المصححين وعددهم ثلاثة أو أربعة هم الذين يدرسون المادة الواحدة ويصححونها، مما يجعل دائرة معارفهم أوسع نطاقاً وأسباب الانحراف أكثر اتساعاً، ومن ثم، ازدياد إمكانية التزوير والمحسوبية وغير ذلك من العوامل غير المشروعة في إنجاح الطالب أو الطالبة أو إعطائه درجات لا يستحقها على حساب الطالبة أو الطالب المجتهد والمثابر والذكي الذي لا وساطة لديه ولا رشوة يقدر على دفعها ولا ينتمي إلى حزب ما أو جماعة ضغط معينة تساعد على إنجاحه أو إعطائه درجات لا يستحقها.
والمعلوم أن هذا التكالب على الوظائف ومنافسة المدنيين في الوظائف بالجامعة ليس مجرد شكل من أشكال الازدواج الوظيفي الخطير، بل حلقة من سلسلة مخطط شامل للسيطرة الأمنية والعسكرية ذات المضمون الاستبدادي المتخلف على كافة مرافق الدولة ومؤسساتها في اليمن، وقد ألحق ذلك بالدراسة الجامعية و "المعهد العالي للقضاء" الذي يعتبر امتداد للدراسة القانونية بالجامعات أضراراً بالغة، وبالإضافة إلى ذلك فقد ضمن أصحاب الشأن السيطرة العسكرية والأمنية على هذه المرافق الحيوية من الداخل بالإضافة إلى احتلالها عسكرياً وأمنياً وحزبياً.
وهذا الوضع لا يوجد إلا في اليمن، حيث يصحح ثلاثة أو أربعة دكاترة الكراسة الواحدة، أما في غيرها فالمفروض أن يُدَرَّس المادة ويصحح أوراق امتحانها أستاذ واحد وتصله الكراسة برقم سري لا يعرف اسم الطالب أو الطالبة ولا رقم جلوس أي منهما.
كما تزداد، في حالة تعدد الدكاترة الذين يدرسون ويصححون مادة واحدة دون أرقام سرية، إمكانية تغيير النتيجة لصالح أي طالب أو طالبة تربطهم علاقة ما بالمصحح الذي يعرف اسم صاحب دفتر الامتحان ورقمه ونوع إجابته وقد يتم التزوير في النتيجة بزيادة رقم فيها أو رقمين وتغييره، وعلى سبيل المثال فإنه بدلاً من "80" يصبح الرقم "90"، أو يتحول من "40" إلى "80"، وهكذا دواليك، وقد يغير أحد الدكاترة الثلاثة أو الأربعة في النتيجة التي وضعها الدكتور الذي قبله بحيث يزيد من درجة الطالب أو الطالبة أو ينقص منها كما يشاء ولا يستطيع أحد أن يكتشف ذلك. وحتى لو تم اكتشاف التغيير في الأرقام فإن الدكتور يفلت من المساءلة والعقاب لأسباب عديدة لا مجال هنا لذكرها.
إمبراطور الامتحان:
القاعدة العامة في العالم أجمع أن أستاذ المادة الدراسية هو "إمبراطور الامتحان"، فليس من مُعَقِّب عليه في التصحيح سوى ضميره، هو والقاضي سواء بسواء، ولكن ذلك مشروط بأن تكون دفاتر الإجابة ذات أرقام سرية بحيث لا يعلم الدكتور أو الدكتورة المُصَححيْن اسم الطالبة أو الطالب الذي يتولى تصحيح إجاباته المدونة في كراسات الامتحان.
أما في الجامعات اليمنية فإنه، بسبب إلغاء الأرقام السرية، فمن حق أي طالب أو طالبة التقدم إلى المحكمة والطعن في نتيجة أي امتحان واتهام الدكتور المصحح أو الدكتورة المصححة بالتحيز ضده وإلحاق الضرر به وتعمد إسقاطه في الامتحان أو إعطائه درجات قليلة... الخ، بينما لا مجال لنجاح مثل هذه الدعوى إذا كانت هناك أرقام سرية.
والعلة في ذلك أنه لا حصانة للدكتور الذي يقوم بتصحيح كراسة الامتحان دون رقم سري.
وذلك أمر بديهي: فالدكاترة ذكوراً وإناثاً في الجامعات ليسوا ملائكة إذ هم بشر يعتريهم الضعف ويستهويهم الإغراء إلا من عصم ربي، ولذلك يجب إعادة العمل بالأرقام السرية لأسباب عديدة أضعفها باب سد الذرائع.
ليس ذلك وحسب، بل إن آلية تصحيح الامتحانات الجامعية الراهنة بدفاتر امتحان مفتوحة ودون أرقام سرية تنطوي على إمكانية بطلان مطلق لنتائج الامتحانات لأنها تمت خلافاً لكافة الأعراف واللوائح الجامعية في العالم قاطبة وعلى الأخص المادة "49" من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم "284" لسنة 2008م بشأن النظام الموحد لشؤون الطلاب بالجامعات اليمنية.
استبداد وخنوع:
يرتبط إلغاء الأرقام السرية بالطبيعة الاستبدادية لعدد كبير من دكاترة الجامعات فهم، في نظر أنفسهم، مقدسون لا يخطئون، لذلك فهم يعتقدون، خطأ، أنه لا يجوز الشك فيهم أو تقييد سلطاتهم، وإنما يجب أن تكون يد الدكتور مطلقة في التصحيح والتغيير والتبديل والتحوير والعبث بنتائج الامتحانات كما يشاء، وذلك أمر متاح له، لأن دفاتر الامتحانات التي يتولى تصحيحها بدون أرقام سرية.
ومما يزيد الطين بلة أن عدداً لا يستهان به من دكاترة الجامعات لا يحظى باحترام الطلاب والطالبات له بسبب غزارة إنتاجه الفكري وأعماله الإبداعية وإنما تقوم علاقته بهم على أساس من الخوف والحذر الناجمين عن طغيانه المدعوم بدفاتر الامتحانات المفتوحة والتي تمكنه من الاستبداد والانتقام دون حدود.
ولقد بلغ استبداد بعض الدكاترة بالطلبة والطالبات نتيجة غياب الأرقام السرية أن استدعى الدكتور (ح. أ) أحد الطلبة من قاعة الامتحان ووبخه وحذره من تكرار ما فعله لأن الدكتور قرأ في كراسة إجابة الطالب في امتحان اليوم السابق عبارات توحي برأي مستقل اعتبرها الدكتور تحدياً لدكاترة التكفير والتخلف فيما تحويه كتبهم من أفكار بالية ونزعات مذهبية غاية في البدائية والتعصب، وما خفي أعظم!!
ليس ذلك فحسب بل إن غياب الأرقام السرية كان وما زال من أسباب تهديم الأخلاق الحميدة في المجال الأكاديمي وانتشار الوصولية والانتهازية والنجاح بدون كفاءة... الخ.
ويتضح من ذلك أن إلغاء الأرقام السرية في الامتحانات هو من أخطر نتائج سيطرة قوى الاستبداد والتخلف على الجامعات بما ينطوي عليه ذلك من انتهاك مستمر منذ تسع وعشرين عاماً لأهم مبدأ أكاديمي وهو سرية الإجابات في الامتحانات الجامعية وعدم جواز كشف أسماء الطالبات والطلبة لمن يقوم بتصحيح دفاتر الإجابة.
وبالإضافة إلى ذلك فإن إلغاء الأرقام السرية هو ثمرة مُرَّة لعدم استقلال الجامعات العامة والخاصة في اليمن، فتبعيتها للسلطة الحاكمة ومراكز القوى العسكرية والقبلية والتجارية وواجهاتها "الحزبية" إمعان في السيطرة على الجامعات، وإهدار حقوق طلبتها وطالباتها أدى إلى قيام التواطؤ على جعل امتحاناتها مكشوفة للجميع كي يتمكن المسيطرون على الجامعات من إنجاح أو إسقاط أي طالب أو طالبة وفقاً لما يرونه محققاً لمصالحهم كذلك إعطاء درجات التفوق لمريديهم وأصحابهم وأتباعهم وما على الطلبة والطالبات المعتمدين على كفاءاتهم العقلية ونزاهتهم واستقلالهم إلا أن يندبوا حظهم في جامعات اليمن "السعيد".
وذلك أمر لا يدعو للدهشة، ذلك أن الجامعة تحت هيمنة قوى التخلف والاستبداد، جامعة قمعية ومتخلفة وفاسدة وغير مستقلة وتكاد تكون معدومة الشخصية، ثقافتها منحطة من المنظور الحضاري، علمها متدن وحرياتها مقموعة، وقد انعكس ذلك على نهوض الجامعة بوظائفها الاجتماعية والعلاقة بين الدكاترة والطلاب وفي مقدمة ذلك انتهاك حرية الامتحانات الجامعية بإلغاء الأرقام السرية لتكريس الاستبداد والفساد والتخلف الفكري.
الصراع والمصلحة:
إن الدكاترة الذين تولوا عمادة الكليات الجامعية بمن فيهم العمداء التابعين ل "المؤتمر الشعبي العام" أو "التجمع اليمني للإصلاح"، وسواء كانوا منتخبين أو معينين، تواطؤوا جميعاً وما زالوا على استمرار إلغاء الأرقام السرية رغم ما يمثله ذلك من انتهاك صارخ للمبادئ والأعراف واللوائح القانونية الجامعية والتعليمية عموماً وما يؤدي إليه من انعدام كل من المساواة وتكافؤ الفرص وعدم صيانة الأستاذ الجامعي وكافة أعضاء هيئة التدريس من الدكاترة وغيرهم من أية شبهة يولّدها هذا الوضع المأساوي.
وعلى الرغم من الصراعات بين أصحاب حزب "التجمع اليمني للإصلاح" وأعوانه من جهة، و "المؤتمر الشعبي العام" وأتباعه من جهة أخرى، في الجامعات، وعلى الأخص "جامعة صنعاء"، إلا أن الخلاف السياسي حتى المسلح منه لم يفلح في تهديم الشراكة المالية وروابط المصلحة بينهم، وخاصة تلك الناجمة عن تأسيس الجامعات والكليات والمعاهد الخاصة المختلفة والقائمة على أساس نفعي تجاري بحت.
وعلى سبيل المثال فقد أذابت المصالح المالية المشتركة لأعضاء هيئات التدريس "الدكاترة" من ضباط جيش وأمن ومدنيين في كليات الشريعة والقانون والحقوق بالجامعات اليمنية كافة الفوارق "الحزبية والفكرية والفئوية" بينهم، وليس أدل على ذلك من أن معظم الجامعات والمعاهد الخاصة التي يشترك في رأس مالها دكاترة "جامعة صنعاء" من "المؤتمر الشعبي العام" و"التجمع اليمني للإصلاح" على السواء، لا زالت شراكتهم فيها قائمة حتى تحت تأثير الظروف العصبية الراهنة والتي تميزت سياسياً بالاختلاف بل والعداء.
وقد تمكن معظمهم، بواسطة ذلك لا من كسب المال وحسب، بل وضمان الولاء الحزبي ونشر التخلف الفكري وإشاعة العجز العقلي وتكريس الاستبداد والتبعية في المجتمع خارج الجامعة وبين الطلبة والطالبات داخلها، فصارت الجامعات والمعاهد العليا مرتعاً للفكر التكفيري وفقه البداوة والصحراء المتخلف القادم من مجاهل التاريخ وأعماق العصور البدائية بدلاً من أن تكون الجامعات منارات للتنوير والتحديث ومعامل ثقافية لإنتاج الفكر المتقدم المساير للعصر والمتفاعل مع إنجازات البشرية في كافة المجالات.
والحقيقة أنه ليس بسبب تكريس نشر أفكار التخلف والاستبداد فقط، وإنما بفعل عامل أخطر من ذلك وهو التسلط والهيمنة والاستبداد بالطلبة والطالبات والتحكم في نتائجهم لصالح هذا التنظيم أو الفكر أو ذاك، وكل ذلك بسبب غياب الأرقام السرية في الامتحانات. وتلك نتائج متوقعة.
فبقدر ما تتحول السلطة داخل الجامعة إلى أيدي غير الجامعيين، ويتم الفصل بين هؤلاء والقرار الجامعي وتفقد الجامعة الحق في تقرير مصيرها، فإنها تصير مجالاً للانتهاك بكافة أشكاله وأنواعه ومن ذلك إلغاء الأرقام السرية، كما أن الجامعة تكف عن التطور ومراكمة الخبرة والتقاليد وبلورة شخصية مستقلة. كما تتوقف الجامعة عن العمل كمنارة للتقدم والتحرر الفكري في المجتمع، ومما زاد الحال تدهوراً والاستبداد والتخلف استفحالاً، ولوج طلاب ذوي مستوى متدن إلى الجامعة من باب التزوير والخداع والغش والاستثناءات المتعددة والتوصيات الكتابية والشفوية ذات المصادر المتنوعة.
القضاء والأرقام السرية
أولا، في اليمن:
لم يحدث في العالم أجمع أن صدرت أحكام جنائية ضد بعض دكاترة الجامعات بسبب الرشوة والمحسوبية وتزوير الشهادات الجامعية إلا في اليمن، ومن أسباب ذلك هو الخلل الخطير في الامتحانات المتمثل في عدم وجود الأرقام السرية على الكراسات.
وهناك بعض الأحكام القضائية التي صدرت في اليمن ضد بعض رؤساء ودكاترة الجامعات اليمنية، حيث لم تقتصر المسألة على طلب رشوة أو الخضوع لمحسوبية أو الاستجابة لوساطة فيما يخص إنجاح طالب أو طالبة يقوم الدكتور بتصحيح كراسة امتحانهما ويعرف، أساساً، اسم كل منهما لعدم وجود أرقام سرية بل تعدت الأمر ذلك في إحدى القضايا الجنائية وهي القضية رقم "67" لسنة 2007م "استئناف الجزائية المتخصصة" إلى اصطناع أختام إحدى الجامعات وتزوير شهادات تَخَرُّج وبيعها.
وهكذا فإن الجرائم "الجامعية" لم تقتصر على مجرد إنجاح طالب لا يستحق النجاح بسبب إلغاء الأرقام السرية بل تعدى الأمر ذلك إلى إعطاء شهادات جامعية مزورة لأن الطالب لم ينجح في معظم المواد أو أنه لا يملك شهادة ثانوية عامة أو إعدادية وربما ابتدائية!
وقد ورد في قرار الاتهام المؤرخ 31/ 5/ 2006م أن:
أولاً، المتهم الأول والثاني:
1- اصطنعا ختمين مزيفين لجهة رسمية هي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بقصد استعمالهما فيما صنعت من أجله، وعلى النحو المبين والثابت في الأوراق تفصيلاً.
2- اصطنعا أختاماً خاصة "اسم الجامعة" إضراراً بمن تعتبر تلك الأختام حجة عليهم بقصد استعمالها فيما صنعت من أجله لترتيب آثار قانونية، وعلى النحو المبين والثابت في الأوراق تفصيلاً.
ثانياً، المتهمان الثالث والرابع:
- ارتكبا تزوير باصطناع محررات عرفية وهي مؤهلات علمية وشهادات مؤقتة تقديرات للأعوام الدراسية نسبا صدورها زوراً إلى "اسم الجامعة" ووضعا عليها أختاماً وتوقيعات مزورة بقصد استعمالها في ترتيب آثار قانونية، وعلى النحو المبين والثابت في الأوراق وتفصيلاً.
ثالثاً، المتهمان الخامس والسادس:
- اشتركا مع بقية المتهمين بطريق الاتفاق والمساعدة على اصطناع مؤهلات علمية من "اسم الجامعة" بأن سلم المتهم الخامس للمتهم السادس مبلغ ثلاثمائة وعشرة آلاف ريال وبيانات وصور شخصية للحصول على مؤهل جامعي وقام المتهم السادس بتنفيذ ما اتفقا عليه وسلمه شهادة جامعية مزعوما صدورها من "اسم الجامعة" بقصد اتخاذها أساساً لاكتسابه حقاً قانونياً مع علمهما بتزويرها.
وقد تمت إدانة المتهمين بمن فيهم بعض دكاترة الجامعة في المحكمة الابتدائية ثم أيدت المحكمتان الاستئنافية ثم العليا الحكم وتم تطبيقه.
إن ذلك وسواه يؤكد أن أهم وسيلة لإبعاد الشبه (جمع شبهة) عن دكاترة الجامعات اليمنية وتأكيد حيادهم هو عدم معرفة الدكتور الذي يقوم بالتصحيح اسم الطالب أو الطالبة أو رقمي جلوسهما، وهذا لا يكون إلا بوجود الرقم السري الذي اختفى من ثلاثين عاماً في "جامعة صنعاء" ثم في كافة الجامعات اليمنية.
ثانياً، في مصر:
لا تجري امتحانات الجامعات في "مصر" دون أرقام سرية كما في اليمن، وإنما قد يحدث أن يحاول بعض الدكاترة كشف الأرقام السرية ومعرفة اسم ونتيجة طالب أو طالبة من خلال ذلك، وفي هذا المجال لم تحدث في "مصر" على سبيل المثال، سوى جريمة واحدة تم الحكم فيها، وقد اعتبرت الصحف تلك فضيحة خطيرة في "جامعة ......".
وقد كشفت التحقيقات التي أجريت بمعرفة لجنة مُشكَّلة من أساتذة "كلية الحقوق" فيما نسب لعدد من الأساتذة بكلية (......). إنهم تلاعبوا في النتيجة بعد حصولهم على الأرقام السرية الخاصة ببعض الطلاب مما اعتبره المحقق حالة من حالات التزوير.
وقد ثبت أثناء التحقيق اعترافات صريحة من بعض الأستاذة الذين قاموا بالتصحيح بأنهم اجتهدوا في كشف سرية بعض الأرقام وكانت الأرقام الحقيقية لبعض الطلاب تحت يد مجموعة من المصححين ومن ثم لم تكن هناك حيادية أو نزاهة أو شفافية لدى بعض المصححين وهذا ثابت من خلال أقوالهم خلال التحقيقات.
ومن ناحية أخرى اعترف اثنان من الأساتذة بأنهما اجتهدا في كشف سرية بعض الأرقام كان بهدف الاطمئنان على نجاح الأطباء الثمانية المدرسين المساعدين بالقسم وليس الإضرار بأي طالب وهذا ما أقره كل منهما في التحقيق الأول والثاني.
وبناءً على الاعترافات الصريحة من بعض الأساتذة الذين شاركوا في التصحيح أنهم كانوا على علم بالأرقام الحقيقية للطلاب وكان ذلك من خلال كشف يتضمن بعض الأرقام وما يقابلها من أسماء فقد تم توقيع جزاء اللوم والحرمان من المشاركة في جميع أعمال الامتحانات لمدة تتراوح بين عام إلى ثلاثة أعوام حيث ثبت أن هناك حالة ابتزاز مورست على بعض المصححين لإنجاح أحد الطلاب وإسقاط آخر!!
عودة الأرقام السرية - أمن قومي:
ليس التعليم الجامعي في زماننا قضية جانبية تخص نفراً من المختصين والخبراء والمنشغلين بالتربية والتعليم فقط، بل أصبح التعليم الجامعي قضية أمن قومي لأن عليها يتوقف مصير اليمن لذلك فالمسألة تخص المجتمع بأسره، وتتصدر الخطاب السياسي الرسمي، وتنشغل بها كافة فئات وطبقات المجتمع اليمني وفي مقدمتها الأحزاب السياسية والقوى الوطنية والمنظمات والهيئات الرسمية والشعبية، وذلك لما للتعليم الجامعي من دور ومكانة في تكوين وتشكيل، ليس مستقبل اليمن وحسب، بل وحاضره أيضاً، سواء كان ذلك عن طريق التعليم الحكومي أو الخاص.
ومن هنا فإن مسألة عودة الأرقام السرية إلى الامتحانات الجامعية هي من صميم قضايا الأمن القومي لليمن لأنها تتعلق بمصير أجياله الشابة ومستقبل حياته.
لذلك فإنه من أجل مستقبل يتضمن صيانة حقوق طلاب وطالبات الجامعات وتعليم أكاديمي خالٍ من الغش والمحسوبية والرشوة والاستغلال فإنه يجب إعادة العمل بنظام الأرقام السرية على كراسات الامتحانات في الجامعات اليمنية قاطبة.
كذلك فإنه من شأن إعادة الأرقام السرية منع شبهة استغلال الدكتور أو أحد أعضاء هيئة التدريس المساعدين أو غيرهم للطالب أو الطالبة، ويحول دون نشوء أية تبعية حزبية أو مخابراتية أو غيرها من السلبيات والموبقات في الجامعة.
وبدون إعادة الأرقام السرية في الامتحانات سوف يستمر "نظام الكراسات المفتوحة" في إلقاء ظلال الشك والريبة على كافة نتائج الامتحانات بالجامعات اليمنية بل وقد يحرمها من القبول بها في كافة الجامعات العالمية.
لذلك لا بد من إعادة العمل بالأرقام السرية لإبعاد الشبهة عن الدكاترة وتأكيد حيادهم واستعادة الثقة بهم وتأكيد نزاهتهم وإحلال مبدأ تكافؤ الفرص والكفاءة العقلية والاجتهاد محل المحسوبية والرشوة والتعصب الحزبي والأمني والعسكري... الخ.
التصحيح في البيوت والمكاتب
يرتبط بإلغاء الأرقام السرية أمر خطير آخر وهو أن تصحيح كراسات الامتحانات في الجامعات اليمنية لا يتم داخل الكليات حيث المكان المخصص لذلك وهو (الكونترول) وملحقاته أي الغرف المخصصة للتصحيح.
ومنذ تم إلغاء الأرقام السرية بعد تولي الدكتور "عبد العزيز المقالح" إدارة جامعة صنعاء عام 1983م صار كل دكتور من أعضاء هيئه التدريس يحمل كافة كراسات الإجابة على الامتحانات إلى منزله أو مكتبه كيفما اتفق للقيام بتصحيحها هو بنفسه أو من يرى إيكال التصحيح إليه ليعاونه في مهمته الأكاديمية.
وبالإضافة إلى أخذ كراسات الامتحانات إلى المنازل فقد يأخذ الدكتور كراسات أجوبة الامتحانات إلى مكتبه العام إن كان موظفاً عاماً كما هو حال ضباط الأمن والجيش كذا المستوزرين من دكاترة الجامعة وغيرهم من أرباب الوظائف العامة الذين يحتلون أيضاً وظائف أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، ونفس الأمر بالنسبة لصاحب المهنة الخاصة كالدكتور والمحامي أو الطبيب أو المحاسب.. الخ.
حيث يأخذ كراسات الامتحانات لتصحيحها في مكاتبهم الفردية أو المشتركة مع شركائهم في المهنة.
وكثيراً ما يرسل البعض من المستوزرين والضباط الدكاترة حارسه أو سائقه لاستلام دفاتر الإجابة من الكلية وإيصالها لمكتب الدكتور أو منزله ويتم ذلك من دون عد الكراسات أو تحرير استلام بها حيث يجري التصحيح في المكتب أو المنزل على مرأى ومسمع من الآخرين الذين قد يستعين الدكتور ببعضهم في ذلك بما يحمله هذا المسلك من مخاطر أكاديمية وأخلاقية لا تخفى على كل ذي بصيرة.
وقد ارتبطت هذه الظاهرة وما تزال بالازدواج الوظيفي لأصحاب الوظائف العامة وخاصة المستوزرين وضباط الأمن والجيش المنتشرين في هيئات التدريس بالجامعات اليمنية وخاصة الكليات النظرية وفي مقدمتها كليات الشريعة والقانون والحقوق، حيث يشغل الواحد منهم أكثر من وظيفة حكومية علنية أو سرية بالإضافة إلى التدريس في الجامعة التي يعتبر بالنسبة له امتيازاً يتباهى به على أقرانه، بالإضافة إلى كونها مصدراً مالياً مربحاً وملاذاً له أمام غوائل الوظيفه... الخ.
على أن ما ينبغي ملاحظته هنا أنه لا يكفي إعادة العمل بالأرقام السرية، بل يجب أن يتزامن ذلك مع حظر تصحيح كراسات الامتحان، ليس خارج جدران الكونترول فحسب بل خارج أسوار الكلية أيضاً. وذلك للحيلولة دون أي انتهاك لسرية الامتحانات والحقوق والواجبات المرتبطة بهما، وبدون ذلك فإن الانتهاك يستمر قائماً، إذ يمكن على سبيل المثال لأي دكتور فاسد أن يسمح للطالب أو الطالبة المراد إنجاح أي منهما دون استحقاق أو منحه التفوق دون جدارة أن يطلب الدكتور أو الدكتورة حضوره أثناء تصحيح الدفاتر إلى المكتب أو المنزل الذي يجري فيه التصحيح ثم تمكينه من استخراج كراسة إجابته من بين مجموع الكراسات حتى مع وجود الأرقام السرية وبالتالي التلاعب بالدرجات أو منحها دون وجه حق بناءً على ذلك.
خاتمة:
لقد بحَّ صوتي وكل قلمي وأنا أطالب منذ سنوات طويلة -ولكن دون جدوى- عمادة الكلية ورئاسة الجامعة بإعادة العمل بنظام الأرقام السرية في الامتحانات والكف عن وضع المستطيل الأسود الخاص بالرقم السري على كراسات الامتحانات من باب التضليل دون العمل به. وفيما يلي آخر خطاب وجهته لرئيس الجامعة بتاريخ 7/ 9/ 2010م وصورته مثبتة فيما يلي:
وإنني إذ أشكر صحيفة "الشارع" على إثارة هذه المسألة الخطيرة فقد وجدتها فرصة مواتية لطرحها على الرأي العام، لعل ذلك يكون كفيلاً بإعادة العمل بالأرقام السرية في الامتحانات الجامعية.
والله من وراء القصد.. وهو الهادي إلى سواء السبيل.
[1]- راجع حول (جرائم سفاح الجامعة)، كتابنا: (خفايا وأسرار قضية سفاح الجامعة)، الطبعة الأولى، 1426ه - 2005م، مركز عبادي للنشر والتوزيع، صنعاء.
كتب : الدكتور
حسن علي مجلي
كلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.