كثبات الجبال الرواسي يقف أبطال الجيش واللجان الشعبية مصداً فولاذياً في وجه أشرس وأحقر وأهمج عدو عرفه التاريخ، يلقنونه بصورة يومية في مواقع الشرف، دروساً قاسية في حب الوطن وفي الاستبسال والتضحية والدفاع عن الكرامة والسيادة، ويقدمون حقائق التاريخ ناصعة في أن العزم اليماني سلاح دمار شامل وقاهر لكل الترسانات والتحالفات وجيوش الارتزاق القادمة من فجاج مختلفة وسحق العملاء. صمود أسطوري تحفه بطولات وانتصارات أسطورية في مواقع القتال على مستوى الداخل وفي جبهات الحدود، حيث تمرغ أنف العدو وتكسر شوكته وحيث تصار ترسانته التي أنفق عليها مئات مليارات الدولارات إلى وهم وإلى مجرد فقاعة أمام عزائم الأبطال الأشداء وأمام الإيمان بقضية الدفاع عن السيادة والأرض والعرض من دنس العدو ودنس الاحتلال. هذا هو خندقنا.. الوطن ووحدته، متسلحين بثورة سبتمبر وأكتوبر.. جبهتنا الشريفة وقضيتنا العادلة مؤمنين بحقنا في الدفاع عن النفس وحقنا في رد البغي على الباغي، وسنظل على هذا السبيل ما بقيت في عروقنا دماء وفي قلوبنا نبض. على أن الطريق يستحث العقل بذات القدر الذي يتوجب استحثاث الطلقة، فليس جديداً القول إننا نواجه بغاة قوم تكالبوا علينا من مشارق الأرض ومغاربها، ودولا تحالفت وتآمرت وعقدت العزم على إفنائنا وتدمير مدننا، وهو الأمر الذي يتوجب علينا جعل الحكمة عقلاً للحزم والتصدي لكل ما من شأنه المباعدة بينهما. وعلى سبيل المثال فإن إطلاق صاروخ باليستي (سكود) على محول الكهرباء في منطقة جيزان عمل حازم ومشروع، إلا أنه ليس من الحكمة بمكان إطلاقه من داخل العاصمة، وكان من الأصوب ضرب الهدف بصاروخ أقل تكلفة من المناطق الحدودية، حتى تفوت الفرصة التي سينتهزها العدو لاستئناف قصف العاصمة المكتظة بالسكان. يعلم أنصار الله الذين يديرون العمليات العسكرية والسلاح والجيوش أن العدو السعودي دمر معظم المؤسسات والمنشآت العامة والخاصة داخل العاصمة متذرعاً بتتبع وملاحقة الصواريخ ومخازن الأسلحة، على أن اتخاذ العاصمة موقعاً لإطلاق الصواريخ والإعلان رسمياً أنها أطلقت منها عمل لا ينطوي إلا على ما يشي بأنهم وقعوا في فخ مشورة غبية من طرف غير أمين. إن عملاً من ذلك القبيل مصحوباً بخطاب إعلامي يؤكد أن صنعاء موقع عسكري بمثابة الهدية المجانية المسداة والدعوة لعدو يبحث عن ذريعة لقصف أي مدينة، ناهيك عن العاصمة التي كانت هدفه منذ اليوم الأول للعدوان. ثم عليهم أن يتساءلوا: ما هو المكسب العسكري والسياسي والإعلامي من إطلاق صاروخ من دخل العاصمة كان من الممكن إطلاقه من مكان آخر دون الإعلان عنه؟. ينبغي الحذر والحيطة من بعض المستشارين، الذين يشكلون اختراقاً خطيراً، بنفس الجهد الذي ينبغي اتخاذه لتجنيب المدن ويلات الحرب والدمار.