ماذا لو أن الطفل فريد مات غرقاً في أحد سواحل تركيا؟! لتحدثت عنه كل الصحف والقنوات الإخبارية، ولنشروا مقاطع فيديو في اليوتيوب، ولقالوا بأنها الصورة التي أبكت العالم.. رغم أن ذلك الطفل السوري مات غرقاً بصمت، وفريد مات وهو يصرخ: لا تقبروناش.. لكن.. لأنه يمني لم يشعر به أحد.. ولم تصل صرخته رغم دويّها.. وكأن كل الصور التي تم تداولها لذلك الطفل الغريق لا تعدو أكثر من إعلان عن ماركة ملابسه، فقاموا بتحويله إلى مادة إعلانية!! قام البعض بدبلجة صور للطفل الذي مات غرقاً في سوريا، ووضعوه في حضن صدام حسين، وهذا يضع مدلولات كبيرة لتخاذل العرب تجاه سوريا، ويوصل رسالة مفادها أن صدام لو كان على قيد الحياة لما حدثت مثل هذه الكارثة لسوريا على مرأى ومسمع منه.. وآخرون، مسيحيون، قاموا بدبلجة تلك الصورة، فوضعوا ذلك الطفل بين يدي المسيح يهدهده لينام في حضنه.. والبعض منهم قام بوضع جثته فوق الغيم، وتبدو في الصورة يد كبيرة تحمله إلى السماء.. هكذا نحن العرب.. ماهرون في انتقاء المصائب.. كما فعلنا مع محمد الدرة الذي قتله الصهاينة وهو بجانب أبيه، فكتب الشعراء آلاف القصائد، وأطلقوا على الشوارع اسم الشهيد محمد الدرة.. وأعادوا مشهد مقتله في القنوات الفضائية ملايين المرات، رغم أن مقتله لم يكن بوحشية ما حدث ويحدث في مناطق عربية كثيرة. اليمن تحت العدوان منذ أكثر من سبعة أشهر.. وآلاف الأطفال استشهدوا بصواريخ آل سعود، وطائراتهم، وقنابلهم المحرمة دولياً، ولم يتحدث أحد عنهم.. وحتى لو ذهبنا بأطفالنا إلى سواحل تركيا وأغرقناهم لنلفت نظر العالم إلينا، فلن نجد حتى ذلك المصوِّر البارع الذي قام بتصوير الطفل الغريق من كل الزوايا، وكأنه كان يطمح لنيل جائزة أفضل صورة للعام 2015.