احتفل تنظيم الإخوان المسلمين في معظم الدول العربية بما أسموه فوز أردوغان وحزبه في الانتخابات التركية التي جرت مؤخراً، وشاهدنا ذلك الكم الهائل من المنشورات الفيسبوكية والتغريدات التويترية للكثير من منتسبي هذا التنظيم والتي تشيد بهذا الإنجاز الذي اعتبرته فتحاً ربما يضاهي فتح محمد الفاتح للقسطنطينية والتي بموجبها أزال حكم الإمبراطورية الرومانية واتخذ من هذه المدينة عاصمة للإمبراطورية العثمانية التي استمر حكمها ردحاً طويلاً من الزمن حتى زالت عن الوجود على يد مصطفى كمال أتاتورك الذي استولى على مقاليد الحكم في البلاد واستبدل دستور البلاد بدستور جديد يتخذ من النظام العلماني مبدأ له. ولم يعرف هؤلاء الذين يحتفلون بهذا الانتصار لصاحبهم أردوغان وحزبه أنهم يحتفلون بالعلمانية ويمجدونها وأن كلامهم عن هذه العلمانية بأنها كفر وأن من يقول بها إنما يعارض تعاليم الدين الإسلامي وأنها رجس من عمل الشيطان يجب اجتنابه وكنت شخصياً شاهداً على سجالات حامية الوطيس بين بعض مؤيدي العلمانية ومعارضيها حيث كان الأمر يصل إلى تكفير كل من يؤمن بها أو يؤيدها لكننا اليوم نراهم أشد حماساً من غيرهم للعلمانية وأكبر مؤيديها ضاربين عرض الحائط بكل تلك المبادئ والمثل التي كانوا يحاولون إقناع العالم بها وربما يقولون كيف تقول أننا نؤمن بالعلمانية ونؤيدها ونحن مازلنا عند رأينا منها؟ والرد أبسط مما يتوقعون فهذا أردوغان الذي تحتفلون بفوزه مع حزبه من أشد المؤمنين بالعلمانية ولا يستطيع الخروج قيد أنملة عنها وعن تعاليمها، وبالتأكيد فإنه لو خرج عنها وأعلن صراحة أنها كفر ورجس من عمل الشيطان لكان الآن يقبع في السجن أو في المنفى أو في أحسن حال يتسكع في شوارع اسطنبول أو انقره، وبالطبع فإن العلمانية هي التي صعدت به وبحزبه إلى الحكم وجعلته الحاكم بأمره في تركيا وجعلت هؤلاء يتشدقون بهذا الفوز وبأردوغان. مما لا شك فيه أن العلمانية هي أساس دستور الجمهورية التركية وأن الجميع في تركيا مؤمنون بها ويعيشون ويتنفسون علمانية ومن يزور تركيا يعرف ذلك، فتركيا العلمانية فيها الجميع سواء المسلم والمسيحي واليهودي واللاديني وكل المواطنين لا فرق بين أحد على أحد والدولة ترعى الجميع وتحافظ على حقوقهم وتعمل جاهدة على أن تعطي لكل مواطن حقه دون انتقاص، ومن يزور تركيا يشاهد كيف أن المساجد والكنائس والأديرة وكل دور العبادة مفتوحة، وكل الناس يمارسون طقوسهم الدينية بحرية تامة أكثر مما نعيشه هنا في البلدان التي تدعي أن دستورها إسلامي، ففي بعض الدول تحدد في دستورها أن المذهب الفلاني هو مذهبها وبالتالي لا يحق لأي كان من أصحاب المذاهب الأخرى أن يعيش فيها وأن يتمتع بحقوقه كاملة والسعودية أنموذجاً لهذا النظام وفي تركيا العلمانية الحريات مكفولة لكل المواطنين بكل طوائفهم ومذاهبهم وأديانهم وقومياتهم أما عندنا فالعكس هو الصحيح فممنوع عليك أن تكون حراً وتنتقد الذات الملكية أو الأميرية أو الرئاسية أو أن تنتقد الشيخ الفلاني والمسئول العلاني فهذا محرم عليك في دستور البلد الذي يقولون أنه دستور إسلامي بينما في الدستور العلماني التركي فليس محرماً عليك إلا المساس بحريات الآخرين. وبعد كل هذا هل يمكن أن نقول أن مصطفى كمال أتاتورك هو صاحب الفضل في صعود أردوغان وحزبه الإسلامي أم يمكن أن نقول أن أتاتورك بمبادئه العلمانية هو من مهد الطريق لكل الأحزاب والطوائف والمذاهب والقوميات في تركيا أن يشاركوا في الحكم بالتناوب فتارة يصعد الاشتراكي وتارة الرأسمالي وتارة الإسلامي وكلهم بالتأكيد مؤمنون بالعلمانية الاتاتوركية بمن فيهم أردوغان، وبالتالي فأتاتورك هو من جعل حزب أردوغان الإسلامي يصعد للحكم ويمكننا أن نطلق على أتاتورك بأنه إسلامي وأردوغان بأنه علماني وهكذا فنحن بين إسلامية أتاتورك وعلمانية أردوغان وهؤلاء المتشدقون ضلوا الطريق بينهما.